ضجيج الماكينات الانتخابية، والحركة المتزايدة في غير اتّجاه لصياغة التحالفات بين القوى السياسية، يضاف إليه الجَلبة الأمنية والقضائية والسياسية والتفاعلات التي أحدثتها تطوّرات ملفّ المسرحي زياد عيتاني وارتباط المقدّم سوزان الحاج به، كلّ ذلك لم يحجب التطوّرات المتسارعة من حول لبنان، ولا سيّما المناورات العسكرية التي بدأها الجيش الاسرائيلي منذ يومين بالشراكة مع الجيش الاميركي.
وبالتزامن مع اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.
وقد شغلت المناورات مستويات لبنانية رسمية وسياسية وأمنية وحزبية، من زاوية ضخامة هذه المناورة التي وصَفها الاعلام الاسرائيلي بأنّها الاكبر من نوعها منذ العام 2001، والمدى الذي ستستغرقه لاكثر من عشرة أيام، وكذلك من زاوية محاكاتها لحرب إقليمية تفترض تحسينَ الجاهزية لدى الجيش الاسرائيلي وللجبهة الداخلية بهدف التصدّي للتهديدات الصاروخية المحتملة من إيران و«حزب الله».
وعبّر مرجع سياسي عن قلقه من هذه المناورة، وخصوصاً في هذا التوقيت بالذات، الذي شهد في الآونة الاخيرة تزايداً في وتيرة التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان، لا سيّما ما صدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان من لغة تهديد ووعيد للجيش اللبناني و«حزب الله»، وتلويحه باجتياح بَرّي إلى العمق اللبناني.
وقال المرجع لـ«الجمهورية»: لطالما شكّلَ لبنان هدفاً دائماً لإسرائيل، سواء بالاعتداءات المباشرة أو بما تكيدُ له لزعزعة أمنِه واستقراره أو سرقةِ ثرواته كما هو الحال مع النفط البحري الذي تحاول السطوَ عليه، مِن هنا ننظر بقلق الى هذه المناورات، خصوصاً أنّها تأتي على مسافة ايام قليلة من مناورة مماثِلة أجراها الجيش الاسرائيلي في منطقة الجولان المحاذية خلال الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، وتُحاكي حرباً مع لبنان. هذا يوجب علينا الحذر من مفاجآت غير محمودة على صعيد المنطقة بشكل عام، خصوصاً في ظلّ إدارة دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو.
وفيما كرّر مرجع أمني لـ«الجمهورية» التأكيد على الجهوزية في مواجهة أيّ اعتداءٍ إسرائيلي يستهدف لبنان، وإنْ كان هذا الاحتمال ضعيفاً، خصوصاً في ظلّ التطمينات التي ترِد من الدول الكبرى حول أمنِ لبنان واستقراره، قال مصدر قيادي في «حزب الله»: المقاومة على جهوزيتها الدائمة لمواجهة أيّ اعتداء، لسنا قلِقين، ولن نزيد أكثر.
إجتماع أمني
من جهةٍ ثانية، فرَضت تطوّرات ملف الحاج - عيتاني، بالإضافة إلى أمنِ الاستحقاق الانتخابي، عقد اجتماعٍ أمني رفيع المستوي في مقرّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وحضرَه كلّ مِن قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وقالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية» إنّ الاجتماع تخلّله عرضٌ مفصّل عن التحقيقات التي تناولت قضية عيتاني - الحاج منذ بدايتها الى التحوّلات الأخيرة. بيَّنت أنّ التحقيق الذي أجريَ مع عيتاني بعد توقيفه موثّقٌ بشكلٍ متلفَز وبدقّة متناهية ولا يمكن أن يشكّلَ في جزءٍ منه مسّاً بالحقوق الإنسانية والمدنية والأخلاقية لأيّ متّهَم موقوف. وإنّ قرينة البراءة حفظت للمتّهم بكلّ المعايير.
وبحسب المصادر فإنّ اللواء عثمان قدّم تقريراً مفصّلاً أعدّته شعبة المعلومات منذ أن أحيلَ الملف إليها، ولا سيّما في الجوانب التقنية والمعلوماتية، وقالت كلمتها في ما تمّ التوصل إليه من معلومات ستكون بتصرّفِ القضاء في وقتٍ قريب. ولفتَ الى اهمّية التطورات الجديدة التي ظهرَت بشكل ثابت بكلّ ما تحويه من قرائن ووثائق وما قدّمته من متغيّرات في مجرى التحقيقات وأدخلت عناصر إضافية إليها، ولا بدّ من أخذِها بعين الاعتبار.
وقالت المصادر: إنّ النقاش تشعّبَ حول أكثر من مستوى تقني وأمني، وتبعاً لذلك شدّد العماد عون واللواء ابراهيم على اهمّية التنسيق المستمر بين القادة الأمنيين والعسكريين، مع التأكيد على المزيد من التنسيق مع مديرية المخابرات والأمن العام.
وقالت المصادر إنّه تمّ التوافق على ضرورة جمعِ وضمِّ التحقيقات الجارية في شعبة المعلومات وأمنِ الدولة في ملفٍ واحد لِما للشقّ التقني الذي توصّلت إليه شعبة المعلومات من أهمّية في مسار التحقيقات التي أجراها أمن الدولة، والتعاون في هذا المجال في المراحل الأولى من أيّ ملف وقضية بهذه الخطورة التي تضمن عدم الوصول الى ما وصلت من مفاجآت بعدما اعتبَر الجميع أنّ التنسيق لو تمّ في مراحل متقدّمة وسابقة لَما وصَلت الأمور إلى ما وصَلت إليه بعد النفي القاطع لدى قادة الأجهزة الأمنية والحِرص على عدم إعطاء ما جرى أيّ طابع سياسي أو طائفي على الإطلاق وحصر الموضوعِ بالوثائق والمعلومات والقرائن، خصوصاً أنّ ما توصّلت إليه المعلومات يشكّل مرحلة متقدّمة بما فيه من التعقيدات التقنية والفنية التي تمّ كشفُها.
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: المداولات أثبتت أنّ عيتاني انساقَ في مرحلة من المراحل ومن خلال الاتصالات التي أجراها مع المتحدثة الإسرائيلية المشار إليها، دون الوصول الى ارتكاب أيّ جرم أو المسّ بالأمن القومي للبنان. وهو عملٌ يُدان بما يلحظه القانون في اكثر مواده دقّةً. وهو إنْ أبعَد الشبهة عنه بالتورّط في عمل أمني فإنّ مرحلة من المراحل قد قطعَها ويحاسب عليها القانون.
إلى ذلك، كشَفت مراجع قضائية وأمنية لـ«الجمهورية» أنّ قضية عيتاني - الحاج ستنتقل اليوم الى مرحلتها القضائية الحاسمة، التي سيقول فيها القضاء الكلمة الفصل، ويرسم المحطات المقبلة بمجرّد إحالة ملف المقدّم الحاج اليوم أو غداً على أبعد تقدير الى قاضي التحقيق الأوّل رياض أبو غيدا للاستماع إلى إفادتها وإجراء المقتضى، بما فيها المقابلات الضرورية بإشراف مباشر من مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود.
أمن الانتخابات
وفي الشقّ الثاني من الاجتماع الأمني، تمّ التشاور في عناوين الخطة الأمنية الخاصة بالانتخابات وما تلقيه من مسؤولية على قادة الأجهزة الأمنية. فالجميع يدرك أنّها ستجري في يومٍ واحد.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ القادة الأمنيين اتفقوا على التركيز في المرحلة المقبلة على وضعِ الخطة الضامنة لهذه الانتخابات بما يضمن إجراءَها في أفضل الظروف الأمنية والإدارية.
كما تمّ الاتّفاق على تركِ الأمور العملانية للمسؤولين من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لإقرارها والبتِّ بها في مستقبل الأيام بما يَكفل وضعَها قبل موعد فتحِ صناديق الاقتراع.
لقاءات بلا تحالفات
والشأن الانتخابي كان بالأمس محورَ مشاورات بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وكذلك بين التيار والقوات اللبنانية في بيت الوسط. وقالت مصادر مواكبة لهذه الاتصالات لـ«الجمهورية» إنّ الامور لم تصل الى الحسم الايجابي للتحالف بين المستقبل والقوات، وإنْ كانت أجواء اللقاء الذي جرى ليل امس بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الاعلام ملحم رياشي إيجابية، علماً أنّ الحريري قال بعد اللقاء إنّ التحالفات ستكون نتيجة القانون الذي سيحكم مصلحة كلّ فريق سياسي، مِن هنا سندرس مصلحة كلّ من تيار المستقبل والقوات اللبنانية.
على أنّ الإيجابية الجدّية، طغت على لقاء الحريري بوفد الحزب التقدّمي برئاسة النائب وليد جنبلاط، وبحسب الأجواء المحيطة بمناقشات الطرفين فإنّ تقدّماً جوهرياً تمّ على صعيد التحالف بين الطرفين، والنقاشُ بينهما دار في فلكِ الإيجابية والودّية الشخصية العميقة، الأمر الذي دفعَ الحريري الى وصفِ اللقاء بـ«الممتاز جداً»، وقال ردّاً على سؤال: تحالفُنا الانتخابي مع وليد بك دائم، وأنا سائر في هذا التحالف حتى النهاية في كلّ الدوائر».
وفيما آثرَ جنبلاط عدمَ الإدلاء بتصريح بعد اللقاء أتبَع إيجابية الحريري بتغريدة على حسابه على تويتر قال فيها: «وتبقى العلاقة مع الشيخ سعد الحريري وتيار المستقبل بجمال وصلابة وعراقة هذا البيت اللبناني الأصيل».
مجلس وزراء
من جهةٍ ثانية، سياسياً، يَعقد مجلس الوزراء غداً جلسةً عادية يترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري في بعبدا وعلى جدول اعمالها 62 بنداً، فيما يُرتقب أن يعقد المجلس جلسةً ثانية قبل نهاية الاسبوع حول الموازنة في حال تمكّنَت اللجنة الوزارية من إنهاء درسِها قبل ذلك.
وإذ تحدَّث وزير الصحة غسان حاصباني عن «احتمال كبير لإقرار الموازنة قبل نهاية آذار». قال وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: نحن نسعى جهدنا لإنجاز الموازنة، خصوصاً وأنّ الوقت اصبح دقيقاً وحسّاساً جداً، ولا توجد إمكانية لتضييع الوقت، والسقف الذي نمنحه لنفسنا هو ان نتمكّن من إنجازها قبل آخِر الأسبوع الحالي، وإلّا تصبح هناك صعوبة كبرى في ان يتمكّن المجلس الحالي من أن يقرَّها.
سجال
في هذه الأجواء برز سجال كهربائي خرَق الهدنة القائمة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وجاء على خلفية ملفّ الكهرباء واتّهام رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل لوزير المال علي حسن خليل بتعطيل مشروع دير عمار والحؤول دون وجود الكهرباء 24/24. فردّ خليل متّهماً باسيل بمحاولة السرقة، فتدخّل وزير الطاقة سيزار ابي خليل وقال عبر تويتر «ما أبلغَ علي حسن خليل عندما يزوّر الحقائق ويحاضر بالعفّة». فردَّ وزير المال: قائلاً «لن أردّ على الوكيل لأنه يعرف ويحرّف كما يُطلب منه، والحَكم هو القانون».
وقال وزير المال لـ«الجمهورية»: «الوزارة ليست طرفاً في هذه المعركة وليس لديّ أيّ فاتورة تخصّ الكهرباء أو تخصّ معمل دير عمار، وهم يعرفون ذلك، فليُبرزوا بالمستندات ماذا أوقفتُ؟ وكشف أنّ وزارة الطاقة أرسلت كتاباً إلى ديوان المحاسبة تطلب فيه صرفَ أموال مشروع دير عمار 2 لكنّ الاخير رفض. وبدوري ولكي ارفعَ عنّي المسؤولية ارسلتُ كتاباً الى رئيس الحكومة اطلب فيه ان يحكم مجلس الوزراء في هذه القضية لأنه بالقانون عندما يحصل ايّ خلاف بين الوزارة وديوان المحاسبة يفصل فيه مجلس الوزراء.
فكفى حججاً للدفاع عن فشلِهم، لقد آليتُ على نفسي طوال المدة الفائتة ألّا أدخلَ في هذا السجال خصوصاً أنّ الموضوع ليس عندي، لكنّ عودة توجيه أصابع الاتّهام الى وزير المال وتركَ انطباعٍ عند اللبنانيين أنّني مَن يعطّل كلَّ الكهرباء استدعى منّي هذا الرد، ولتكشف الحقائق».
وسأل خليل: إذا كان مبلغ الـ 50 مليون دولار حقاً لهم وموجود داخل موازنة الطاقة فلماذا لم يصرفوه؟ وهو الأمر الذي يؤكّد صحّة كلامي».