لا شك أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى السعودية تشكل الحدث الأبرز على الساحة السياسية اللبنانية وعلى مستوى تطور علاقة المملكة ببعض الأقطاب والمراجع في البلد، وكذلك فإن أحد أهم أهداف هذه الزيارة هو طي مرحلة الإستقالة القسرية التي أعلنها الحريري من العاصمة السعودية الرياض خلال زيارته السابقة وتم استغلالها من العديد من الأطراف في الداخل اللبناني وخارجه لتصفية حسابات متراكمة مع السعودية، وبالتالي فإن هذه الزيارة ستؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات السعودية اللبنانية، إنطلاقًا من رغبة الرياض في اعتماد سياسة أكثر واقعية في لبنان آخذة بعين الإعتبار الأحداث المقبلة على المنطقة والتي تدعو إلى تجنب أي صدام مع حزب الله على الأقل في المدى المنظور، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الإستقرار الهش الذي يعيشه لبنان في الوقت الحاضر وما قد يترتب عليه من تداعيات سلبية وخطيرة على المستوى الأمني والإقتصادي والمالي.
إقرأ أيضًا: العلاقة المشبوهة بين الإنتخابات والمقاومة!
وفي جانب آخر فإن تلبية الرئيس الحريري السريعة للزيارة تعكس رغبة لديه بأنه على إستعداد لطي صفحة لم تكن بالحسبان في العلاقة الخاصة بينه وبين السعودية التي كانت على الدوام وما زالت تشكل الحجر الأساس في دعمها للبنان عربيًا وإقليميًا وخصوصًا لبعض أقطاب فريق الرابع عشر من آذار.
وكان لافتًا الإستقبال الرسمي الذي خصت به المملكة العربية السعودية الرئيس الحريري لدى وصوله إلى الرياض يوم الأربعاء الماضي، في هذه الزيارة التي جاءت تلبية لدعوة رسمية نقلها إليه الموفد الملكي إلى لبنان نزار العلولا الأسبوع الماضي حيث قام بزيارة إلى بيروت بدأها بلقاء بروتوكولي قصير مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الرئاسي في بعبدا أعقبه كلام للموفد السعودي أشاد فيه بحكمة الرئيس عون.
واستقبل العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز الرئيس سعد الحريري بعيد وصوله إلى الرياض بحفاوة بالغة كما لو كان رئيس دولة وأحاطه باهتمام لافت يؤكد على طي صفحة التجاوزات والإجراءات التي حصلت في الزيارة التي قام بها الرئيس الحريري للسعودية في تشرين الثاني الماضي والتي تخللها تقديم إستقالته من هناك ومن دون التنسيق مع رئيس الجمهورية والتي ما لبث أن عاد عنها بعد عودته إلى لبنان ولقائه مع الرئيس عون.
إقرأ ايضًا: منطقة بعلبك - الهرمل حاضنة المقاومة ... لماذا يتم إفقارها وحرمانها من حقوقها؟
وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي أحيط بالملفات التي بحثها الحريري في هذه الزيارة والتي لم يرافقه فيها أي من أعضاء حكومته أو مستشاريه إلا أن بعض المصادر السياسية أكدت على أن الجانب الأهم من هذه الزيارة هو اللقاء الذي عقده مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ كان واضحا تفهم الأمير للأسباب التي دعت الحريري لعودته عن الإستقالة فور عودته إلى لبنان في ظل التعقيدات اللبنانية.
ولم تستبعد هذه المصادر أنه قد تم خلال هذا اللقاء التركيز على المرحلة التي ستعقب الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في شهر أيار القادم وعلى التوازنات الجديدة بين القوى السياسية في لبنان وعلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الكتلة النيابية التي ستكون تابعة لرئيس الجمهورية.
وتؤكد المصادر أن السعودية تعيد موضعها في ملفات المنطقة وفق معطيات جديدة تتعلق بالموقف الدولي من إيران ، وأنها أعادت قراءة علاقاتها مع لبنان انسجاما مع سياستها الخارجية وخصوصًا مع الدول العربية والإقليمية والمبنية على أسس جديدة يختلف أسلوبها وآلياتها عما كان معمولًا به من قبل.
ومن الطبيعي أن الرئيس الحريري تناول خلال هذه الزيارة جملة ملفات تتعلق بتطوير علاقة تيار المستقبل بالسعودية، إنطلاقًا من حاجته للإستناد إلى قاعدة إقليمية متينة وصلبة وبملفات أيضا ترتبط بالشؤون المالية للحريري في ظل أجواء توحي بإعادة تعويم نشاط شركات الحريري داخل المملكة.