بعد أسبوع على إعلان تشكيل تنظيم "حرّاس الدين" الموالي لتنظيم "القاعدة" من 7 فصائل غير معروفة، ما زالت ردود الفعل تتسم بخفة شديدة، سياسياً وإعلامياً. ذاك أن التنظيم الجديد، وفقاً لهؤلاء، أشبه بفقاعة اعلامية وظاهرة صوتية، إذ لا يُسيطر على الأرض، ولا يملك عتاداً وعديداً كافياً لتمثيل تهديد عسكري حقيقي.
رغم أن هذا الكلام صحيح في أغلبه، لكن "حرّاس الدين" يُمثّل لخصومه قلقاً من ناحيتين: أولاً، تاريخ قياديي التنظيم الجديد وخبرتهم الطويلة، وثانياً، توافر معلومات جديدة عن وجوده على الأرض، وتحديداً في جبل التركمان والحسكة، ولو بإمكانات محدودة.
بداية، وكما أشار المقال السابق، فإن قياديي التنظيم، وعلى رأسهم أميره سمير حجازي المعروف بـ"أبو همام الشامي"، أصحاب خبرة عسكرية وأمنية واسعة تُخولهم لعب أدوار أكبر من حجم سيطرتهم على الأرض. "أبو همام" نفسه كان قائداً عسكرياً لجبهة النُصرة أو هيئة تحرير الشام، في الشمال السوري حيث الوجود الأوسع والأكبر. تُضاف إلى الخبرات المتعددة لأبي همام منذ انضمامه لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 1998، حقيقة أن القياديين الأردنيين المنضوين في صفوف هذا التنظيم الجديد، لعبوا أدواراً بارزة في الحلقة الضيقة لزعيم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" أبي مصعب الزرقاوي، علاوة على سنوات خدمتهم في معاقل التنظيم على الحدود الأفغانية-الباكستانية. تُخفي هذه التجارب والعلاقات في طيّاتها، خبرات تنظيمية أمنية تفوق في أهميتها القدرات التقليدية العسكرية المحدودة حالياً.
ثانياً، التنظيم موجود على الأرض، ويُسيطر على بلدات سورية من خلال المجموعات المنضوية تحت لوائه وتنظيم القاعدة (الدولي). التنظيم مكون بحسب بيانات المبايعة والتقارير الاعلامية، من "جيش الملاحم، جيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرية كابل، جند الشريعة، وفلول جند الأقصى".
وهذه ليست فصائل بالمعنى العسكري، ناهيك عن كونها "جيوشاً" كما تدّعي أسماءها، بل أقرب إلى مجموعات عسكرية موالية للقاعدة تضم كل منها عشرات المقاتلين.
واللافت أن بعض هذه المجموعات طور التشكيل أيضاً، لذا فإن إصداراتها الاعلامية محدودة، وتقتصر غالبيتها على البيانات. وحْدَهُ "جيش الملاحم" نشر إصداراً مرئياً قبل شهرين بعنوان "غضبة الإباء" يحوي مشاهد من السيطرة على قريتي المشيرفة وتل خزنة (قرب الحسكة) بعد طرد قوات النظام منها. وتظهر في الفيديو سيارات دفع رباعي عسكرية وطائرة من دون طيار. في الخلفية، مقطع من خطاب للشيخ اليمني نصر الآنسي، أحد منظري تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" (قُتل بغارة أميركية عام 2015). يدل ذلك على الارتباط العقائدي العميق بالتنظيم ورموزه خارج سوريا، وبالطابع الدولي لها.
مثل جيش الملاحم، انشق "جيش البادية" قبل أيام قليلة على اعلان الفصيل الجديد (حرّاس الدين)، وأيضاً "جيش الساحل" الذي يضم عشرات من قوات النُخبة في "تحرير الشام"، وتحديداً تلك المرابطة على جبل التركمان.
وبالتالي، فإن هذه المجموعات ما زالت متباعدة جُغرافياً. بحسب مصدر منشق عن تنظيم "هيئة الشام"، فإن "حرّاس الدين" يملكون وجوداً في بعض قرى جبل التركمان (يُرجح أن عناصره من جيش الساحل المنشق عن الهيئة). ورغم أن هذا المصدر يعتبر التنظيم الجديد "أضعف من الصمود أمام قوات الجولاني وخصومه"، إلا أن بيانه الأول يؤشر الى استعداد للتعاون والتحالف مع فصائل أخرى لمواجهة النظام، لا بل ينبذ الحروب الإقصائية لـ"تحرير الشام". وبالتالي، قد يعتاش هذا التنظيم من تحالفات خارج حروب "تحرير الشام"، وربما يجذب عناصرها وفلول تنظيم "داعش".
الأخطر من ذلك كله أن مثل هذا التنظيم، لو توافرت عناصر نجاحه، سيستخدم الأراضي السورية لتنفيذ اعتداءات ارهابية خارجها، ويُعيد التموضع الاقليمي والدولي حيال حسم عسكري للنظام في محافظة إدلب.
لذا، لا يُستبعد أن نرى التنظيم الجديد يُحقق بعشرات المقاتلين وبضع سيارات رباعية الدفع، انتصارات مُدويّة ضد قوات النظام السوري خلال الشهور المقبلة.