بعد سنوات من الجمود السياسي، يحرز لبنان تقدماً في استغلال موارده النفطية والغازية البحرية، ولكن الطريق ليس مفروشاً بالورود أمام محاولة استخراج هذه الثروة التي يمكن أن تكون نعمة أو تتحول إلى لعنة على هذا البلد العربي الصغير.
تم التصريح لثلاث وخمسين شركة بتقديم عطاءات في أول جولة للحصول على تراخيص التنقيب عن البترول والغاز في لبنان، وفقاً لما جاء في تقرير لموقع Middle East Eye
ونشرت القائمة النهائية في أواخر شهر نيسان 2017 من قبل هيئة البترول اللبنانية، وهي هيئة تنظيمية تتبع وزارة الطاقة والمياه.
شركات عملاقة
وتضم القائمة التي تتألف من 45 شركة مؤهلة في عام 2013 وثماني شركات تم قبولها حديثاً، شركات دولية عملاقة مثل توتال وإكسون موبيل وشيل أو ستاتويل، بالإضافة إلى شركات صغيرة من جميع أنحاء العالم، وشركة لبنانية واحدة.
وكان نشاط الشركات في قطاع النفط والغاز في لبنان قد توقف بعد استقالة حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في عام 2013.
إلا أن قطاع النفط والغاز عاد إلى الأضواء في الأشهر الأخيرة وسط خلاف مع إسرائيل حول الحدود البحرية وفي وقت تصاعد فيه التوتر بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
وعلى الرغم من هذه التحديات، قال وزير الطاقة والمياه اللبناني سيزار أبي خليل في كلمته في مؤتمر القمة الدولي الثامن عشر للنفط في باريس يوم 29 نيسان 2017: «إن فرص النجاح والفرص المتاحة لتحقيق مكاسب تجارية في المياه اللبنانية واعدة وساعدت على جذب الشركات».
لدى الشركات الثلاث والخمسين المختارة فرصة حتى 15 أيلول لتقديم عروضها. ومن المتوقع توقيع عقود الاستكشاف الأولى قبل نهاية عام 2017.
لماذا رفضت الشركات التعليق؟
حاول موقع Middle East Eye التواصل مع تلك الشركات المختارة للتعليق على الخبر. ردت 8 منها، لكنها رفضت مناقشة مشاريعها في لبنان.
وقال تود سبيتلر، المستشار الإعلامي في شركة إكسون موبايل الأميركية: «لن نقدم تعليقاً لقصتك».
وقال روبرت ليشنر، المتحدث باسم شركة Aktiengesellschaft OMV النمساوية: «يرجى ملاحظة أننا لسنا في وضع يسمح لنا بالدخول في مزيد من التفاصيل في هذه المرحلة».
وعلقت سالي جونز، مستشارة وسائل الإعلام في شركة شيفرون البريطانية، قائلة: «ليس من سياسة شيفرون التعليق على تقارير السوق والشائعات».
لماذا يصعب تحديد حجم الاحتياطيات؟
تقع احتياطيات لبنان النفطية على الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، في حوض الشام.
وقال تقرير موقع Middle East Eye أنه استناداً إلى الدراسات التي أجريت منذ عام 2002، تدعي الحكومة اللبنانية أن لديها ما يقرب من 96 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز البحرية و865 مليون برميل من النفط.
ومع ارتفاع أسعار الغاز بنحو 3.5 دولار لكل ألف قدم مكعب و47 دولاراً للبرميل الواحد من النفط الخام، تقدر قيمة هذه الموارد بنحو 380 مليار دولار، أي حوالي ثمانية أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حسب تقرير الموقع .
وأشار التقرير إلى أنه في حين أن هذه الموارد تمثل إمكانات هائلة للبنان، الذي تبلغ ديونه حالياً أكثر بقليل من 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها لن تضع لبنان بين منتجي النفط والغاز الإقليميين الرئيسيين، إذ تسيطر إيران وقطر على سوق الغاز إلى حد كبير، تليهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر.
وتقول لوري هايتايان، الخبيرة المستقلة في إدارة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «إن المسوحات السيزمية ثلاثية الأبعاد وثنائية الأبعاد التي تجري في المناطق البحرية في لبنان إيجابية، والتوقعات تبدو جيدة، ولكن علينا أن نكون متحفظين جداً عند التحدث عن الأرقام في هذه المرحلة».
«الإجابة عن سؤال «كم تبلغ كمية النفط والغاز المتوقعة؟ هي «نحن لا نعرف». لن نعرف سوى حين يبدأ الحفر».
«شرارة الحرب»
علاوة على ذلك، ليس من الواضح كم من احتياطي النفط والغاز في حوض بلاد الشام تعود ملكيته إلى لبنان، حيث ينتشر احتياطي الغاز الطبيعي بين المياه الإقليمية المصرية والإسرائيلية والقبرصية والسورية والتركية.
إن تحديد الحدود بين المياه الإسرائيلية واللبنانية كان صعباً على نحو خاص، مع وجود 850 كيلومتراً مربعاً من الأراضي المتنازع عليها والغنية بالموارد الطبيعية الهامة، مثل الغاز والنفط.
وبعد فشل المفاوضات لحل القضية في عام 2013، واصلت إسرائيل استغلال الغاز في ما تعتبره جانبها من الحدود.
وفي آذار 2017، ارتفعت التوترات مرة أخرى بعد أن أعلنت إسرائيل أن المنطقة البحرية قبالة سواحل الحدود الإسرائيلية اللبنانية هي «أرض إسرائيلية»، وبالتالي يجب أن تخضع للسيادة الإسرائيلية.
أعلنت إسرائيل أنها ستقترح قانون المناطق البحرية لمحاولة فرض سيادتها على المناطق المتنازع عليها قبل أن يتمكن لبنان من منح تراخيص للشركات الدولية.
ونقل موقع البديل المصري عن موقع «جلوبس» العبري، أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة الضغط على لبنان لإدخال تعديل على المناقصة قبل إطلاقها بشأن التنقيب عن النفط والغاز.
وقال عبد الرحمن شهيتلي، الجنرال في الجيش اللبناني الذي شارك في مفاوضات عام 2013، لفرانس 24 الأسبوع الماضي «لبنان وإسرائيل ستخوضان الحرب».
وأشار موقع Middle East Eye إلى أن نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، وصف هذا النزاع بأنه «مزارع شبعا في البحر»، في إشارة إلى منطقة أخرى متنازع عليها، حيث تتصارع القوات الإسرائيلية واللبنانية باستمرار.
وأضاف «إذا استمرت إسرائيل في خطتها التوسعية من خلال الحكومة والكنيست فإن ذلك يعني أن شرارة الحرب تلوح في الأفق».
وأضاف «نحن من جانبنا في لبنان لن نسكت، ولن نقبل التنازل عن حقوق شعبنا في هذه الموارد».
وقال الموقع إن المسؤولين اللبنانيين يواصلون التأكيد على أن المنطقة المثلثة بالكامل تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وأن استغلال إسرائيل لها سيكون بمثابة انتهاك للسيادة اللبنانية.
خريطة طريق جديدة
إن الضجة الأخيرة التي ثارت حول استكشاف النفط والغاز في لبنان هي نتيجة لعملية طويلة ومعقدة.
ففي عام 2013، أطلقت البلاد أول جولة تراخيص، ولكن الشركات الست والأربعين المؤهلة مسبقاً لم تتمكن من تقديم العطاءات لأن لبنان يفتقر إلى الإطار القانوني الكامل الذي يسمح لها بالقيام بذلك.
في ذلك الوقت، كان لبنان يمر بأزمة سياسية حادة، إذ ظلت البلاد 29 شهراً بدون رئيس، ولم يتمكن البرلمان من سن القوانين.
وأدى انتخاب العماد ميشال عون كرئيس جديد للدولة في نهاية عام 2016 إلى إنهاء الجمود المؤسسي.
وفي كانون الثاني 2017، وقع مجلس الوزراء مرسومين لاستكمال الإطار القانوني اللازم لبدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
وقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أثناء منتدى النفط والغاز الذي عقد في بيروت في آذار الماضي «اليوم، الحكومة اللبنانية مصرة على المضي قدماً في الجولة الأولى من مناقصات النفط والغاز بكل شفافية.
وأضاف «نأمل أن يؤدي ذلك إلى واقع اقتصادي جديد».
غير أن حماسة الحريري خفت مرة أخرى بسبب الصعوبات السياسية في نيسان 2017، عندما علق الرئيس ميشال عون أنشطة البرلمان، وأوقف مؤقتاً الخطط المقترحة لتمديد ولاية البرلمان للمرة الثالثة على التوالي منذ عام 2013.
وعلى الرغم من الاضطرابات، ظل وزير الطاقة اللبناني أبي خليل إيجابياً، مدعياً أن عدم اليقين السياسي المتجدد لن يؤثر على ملف النفط والغاز.
وقال أبي خليل لرويترز في وقت سابق من شهر أيار 2017: «أنا واثق من أن جميع الأحزاب السياسية عازمة وملتزمة بجعل هذه الجولة من التراخيص ناجحة».
قوانين جديدة
وفقاً للقوانين الجديدة، ستتمكن شركات النفط من استكشاف الاحتياطيات البحرية لمدة خمس سنوات.
ويمكن أن يبدأ الاستكشاف بداية من عام 2018، بعد توقيع العقود.
وإذا وجدت الشركات النفط والغاز بكميات تجارية، فمن المتوقع أن تقدم اقتراحاتها إلى مجلس الوزراء الذي قد يسمح لها بعد ذلك باستغلالها لمدة 25 عاماً. وربما تتجدد هذه الاتفاقية لمدة خمس سنوات أخرى إذا قامت الشركة باستثمارات إضافية.
ويتعين على الشركات دفع 4 في المائة من الغاز المنتج إلى الدولة مقابل حق الاستغلال. وسيتم تقسيم الإيرادات المتبقية بين الدولة والشركات وفق النسب التي سيتم تحديدها خلال مرحلة تقديم العطاءات.
ولكن حتى لو وصلت الشركات إلى تلك المرحلة، فهي ليست سوى الخطوة الأولى في عملية طويلة.
وقال رشيد غانم المدير العام لشركة لامبيون للنفط والغاز، وهي شركة توسعت أعمالها مؤخراً لتقديم خدماتها في قطاع النفط والغاز في لبنان، «الاستكشاف وحده قد يستمر لمدة تصل إلى خمس سنوات. بعدها تضع الشركات خطة تطوير، قد تمر 10 سنوات قبل أن يبدأ الإنتاج».
اقتصاد متحول
وحتى إذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً، فإن قطاع النفط والغاز قد يصبح أداة لتغيير الاقتصاد اللبناني.
وأوضح الحريري خلال منتدى آذار 2017 «كدولة مستوردة للنفط، كنا نعتمد على واردات الوقود لتلبية استهلاكنا المحلي. وهذا ما جعل ميزاننا التجاري شديد الحساسية لتقلبات أسعار النفط العالمية».
ويمكن للغاز المنتج محلياً أن يسمح للبنان بتوفير المال الذي ينفقه على الواردات وتحسين إمدادات الكهرباء.
ففي الوقت الراهن، ليس لدى البلد ما يكفي من الكهرباء، ويعاني من انقطاع التيار الكهربائي يومياً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التنقيب عن النفط والغاز يثير الآمال في توفير فرصٍ للعمل.
وللتأكد من أن قطاع الطاقة سيفيد الشعب اللبناني، يجبر القانون الجديد شركات النفط على توظيف 80% من الموظفين اللبنانيين وإعطاء الأفضلية للسلع المحلية ومقدمي الخدمات المحليين.
وقال خبير النفط والغاز هايتيان لـ «Middle East Ey» اكتسب العديد من الشباب اللبنانيين خبرة في الخارج، وهم متحمسون للعودة إلى لبنان والمساهمة في هذا القطاع. وعلى الحكومة اللبنانية أن تضع آلية للإشراف على عملية التوظيف، ويجب عدم تركها لحسن نية الشركات».
وأضافت «يجب أن تكون هناك خطة واستراتيجية تضعها الحكومة والقطاع الخاص لتطوير الأعمال المحلية المتعلقة بقطاع النفط والغاز».
الآخرون أكثر حذراً
كتب الصحفي مات ناش في مقال لجريدة Executive الشهرية اللبنانية «حتى بعد 30 عاماً من الآن، إذا أصبح لبنان قوة إقليمية في مجال إنتاج الغاز الطبيعي، فلن يصبح قطاع النفط والغاز دعامة اقتصادية مع استمرار القطاعين المصرفي والسياحي على حالهما.
وفي حين أنه سيوفر فرص عمل مباشرة، فإن الأرقام الدقيقة يصعب التنبؤ بها، ولكن الآلاف والآلاف من فرص العمل هي توقعات غير واقعية».
ولكن البعض في لبنان يشعر بالقلق من أن العائدات الإضافية الناتجة عن قطاع الطاقة قد يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد.
وقال جاد شعبان، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، «نحن لا نعرف ما ستفعله الدولة بالأموال التي سيتم جمعها. فإذا لم يتم إنفاقها بشكل جيد، فسيواجه لبنان خطر التضخم.»
وكان البروفيسور مايكل رُس، الذي يعمل أستاذاً محاضراً في جامعة كاليفورنيا قد ألف كتاباً بعنوان «لعنة النفط»، مقولته الرئيسية في أن توفر النفط يشكل لعنة على شعوب العالم السائرة في طريق النمو، وأيضاً في دول صناعية ليست غربية، أي روسيا، لكنه نعمة في الدول الغربية المتطورة، ويذكر كلاً من النروج وبريطانيا على سبيل المثال.
اللعنة، من منظوره، أن العائدات النفطية في الدول النامية تحدّ من التطور الاقتصادي والاجتماعي، وبخاصة عندما تكون شركات النفط مملوكة للدولة، مما يعطي الحكام حرية التصرف في العائدات المالية الهائلة، التي غالباً ما تكون مغفلة أو سرية.
هو يرى أن امتلاك الدول لشركات النفط، الذي حصل في سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى الطفرة في أسعار النفط، قد أديا إلى إيذاء معظم المجتمعات ذات العلاقة (فقط في الدول السائرة في طريق النمو) والحد من قدرتها على التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويخص بالذكر الحياة السياسية ووضع المرأة في الدول العربية والإسلامية.
من جانبها، تحدثت منى سكرية، المديرة العامة لشركة الشرق الأوسط للرؤى الاستراتيجية، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر المتخصصة في قضايا الطاقة، عن أن هناك أيضاً مخاطر السلامة والبيئة المرتبطة بمرحلة الحفر. أي تسرب قد يسبب تلوثاً في البحر وعلى الساحل».