قضية الممثل زياد عيتاني ليست مجرد إشكالية ملتبسة، بقدر ما هي مسألة سياسية وأخلاقية وأمنية معقدة، تصل إلى مستوى الفضيحة المجلجلة!
لم تعد القضية تنتهي بإعلان براءة المتهم المظلوم، افتراءً وعدواناً، بقدر ما أصبح المطلوب كشف كل الوجوه والأطراف المتورّطة في هذا الملف الملفق، وإنزال أقصى العقوبات المسلكية والقضائية بحقهم.
خطورة هذه القضية أنها فضحت النظام البوليسي الرهيب الذي يهيمن على البلد، والذي يُهدّد حرية وكرامة ومصير أي مواطن، أو مواطنة، بمجرد فبركة ملف ملتبس، مثل التعامل مع العدو الإسرائيلي، في إطار أساليب كيدية وحاقدة، تقوم على المزاج الاستنسابي والانتقامي من مواطنين أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم مارسوا حقهم في التعبير، وانتقاد الخطأ، لموظفين وموظفات، يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة!!
الواقع أن أي لبناني يحاول أن يُعبّر عن سخطه لممارسات أمنية أو سلطوية معينة، أصبح مهدداً بأن يتحوّل إلى زياد عيتاني آخر!
وإذا كان هذا الخطأ لا يستوجب في نظر البعض اعتذاراً من اللبنانيين، على ما صرّح به الوزير نهاد المشنوق، للمتهم زوراً وبهتاناً، ولكن ألا يتطلب فتح تحقيق على مستوى وزاري وقضائي رفيع، لكشف كافة الخلفيات، وتحديد المسؤوليات، ووضع حدّ للسجالات العصماء بين الوزراء أنفسهم؟
وإذا كان موقف الوزير المشنوق مبرراً، لأنه ذاق مرارة مثل هذه الاتهامات الكاذبة في مرحلة الوصاية السورية، كما شرح في بيانه المفصل، فإن ردة فعل وزير العدل سليم جريصاتي، وهو المحامي العريق، غير مفهومة، لأنها رمت ظلالاً من الشك على ما كشفته تحقيقات شعبة المعلومات، بالنسبة لبراءة المتهم المظلوم، والوقائع التي توصل إليها التحقيق بإشراف النيابة العامة التمييزية.
ولعل هذا التباين بين الوزراء المعنيين، يضاعف أهمية وجود لجنة تحقيق وزارية، تستعين بمَن تراه مناسباً من قضاة وخبراء أمنيين، تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتسحب هذا الملف من التداول السياسي.
ومن المتوقع أن تفتح براءة زياد عيتاني، ملفات مئات الموقوفين الشماليين، والمتهمين بالتعاطف مع جهات إرهابية، حيث تم اعتقال الكثيرين منهم، بموجب ما يسمى «وثائق اتصال»، ومضت على توقيفهم عدة سنوات، من دون أن يخضعوا للمحاكمة.
بل إن بعض الذين تمت محاكمتهم، وهم قلة، قد ثبتت براءة العديد منهم، وتم إطلاق سراحهم، ولكن بعد أن أمضوا سنوات في السجن، وتعرّضوا خلال الاعتقال للضرب والتعذيب، لنزع الاعترافات المزوّرة منهم بالقوة، كما حصل مع زياد عيتاني، الذي تعرّض لمعاملة غير إنسانية، لإجباره على قول ما ليس هو به، من علاقة مع العدو الإسرائيلي.
إن مثل هذه الفضائح الأمنية المجلجلة، لو حدث أقل منها بكثير في الدول التي تحترم شعوبها، لأدت إلى سلسلة استقالات من كبار المسؤولين الأمنيين، إلى أصغر متورّط في مثل هذه الأعمال.
فهل يُبادر رئيس جهاز أمن الدولة إلى وضع استقالته بتصرّف رئيس الحكومة، أم أن القضية ستتحوّل إلى إشكال طائفي، لتمييع المسؤوليات، كما تجري العادة في الدولة اللبنانية؟
ويبقى السؤال الأهم: هل اللبنانيون يعيشون في نظام بوليسي مارق، أم في دولة ديموقراطية دستورية، تقوم على العدالة والقانون، واحترام حقوق الإنسان، وتحافظ على كرامة مواطنيها؟
هل نعيش في نظام بوليسي مارق؟
هل نعيش في نظام بوليسي مارق؟صلاح سلام
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
اللواء
|
عدد القراء:
438
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro