ولكن ما لا يمكن فهمه هو أن يلجأ البعض، ولغايات لم تعد خافية لا على القاصي ولا على الداني، على تحوير الوقائع المثبتة بالأدلة والبراهين، وهي حتمًا مدونة في المحاضر الرسمية، التي لا يمكن الشك بصدقيتها وبمدى ملاءمتها لتواريخ وأحداث لا تزال ماثلة للعيان وعالقة في ذاكرة من يريد أن يتذكر.
المشكلة لدى هذه الفئة من السياسيين أنها تتوهم أن في مقدورها التلاعب بمشاعر الناس في كل الأوقات والأزمنة وفي كل الظروف، وهي تحاول التلطي خلف ستار من زجاج في وضح النهار، معتبرة أن ذاكرة الناس ضعيفة، وأنها قادرة على قلب الموازين وتغيير المعادلات بمجرد الظهور بمظهر المتجرد الذي لا يسعى إلى مكاسب شخصية، فيما عينه على مكان آخر غير مضمونة الوعود بإمكانية الحصول على مكتسباته، وهي وعود تغدق عادة من جيوب الآخرين، الذين يراهنون على جلد الدب قبل سلخه، خصوصًا أن فاقد الشيء لا يعطيه.
يقول بعض العارفين والمتبصرّين أن إنتخابات السادس من أيار- بما يحمله هذا التاريخ من دلالات لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للبنانيين الذين لا يزالون يراهنون على المبادىء التي من أجل الحفاظ عليها إستشهد من أستشهد وعلق من علق على أعواد المشانق – ستحمل مفاجآت غير منتظرة وسيكون من بين نتائجها قلب بعض الموازين التي لا تزال تُعتبر من الثوابت في التركيبة السياسية الحالية، خصوصًا أن ثمة تركيزًا من قبل المجتمع المدني، الذي سبق له أن هزّ بعض "العروش" في الإنتخابات البلدية في العاصمة بيروت، ووصل إلى "أسوار" بعض "الحصون" وشكّل لها تهديدًا مباشرًا، من دون أن يعني ذلك بالطبع أن من يريد المبارزة وجهًا لوجه سيضّطر إلى المواجهة بالسلاح الأبيض، وربما أيضًا بسلاح من غير الألوان، ومن دون أن يحسب أي حساب لمبادىء تُعتبر في المعارك الإنتخابية عملية "خسّيرة"، ويمكن أن يكون عنوان "مرحبا مبادىء" مكتوبًا بالخط العريض السمة الرئيسية لكثير من المرشحين الذين لا همّ لهم إلاّ أن يحصلوا على "النمرة" الزرقاء، وهم على إستعداد لقلب الحقائق وجعل الأسود أبيضَ، والأبيض أسود من دون أن يرّف لهم جفن، ومن دون أن يشكّل لهم ذلك إحراجًا.
إنه زمن الإنتخابات وزمن الإنتهاكات وزمن الكلام المباح وزمن "الغاية تبرّر الوسيلة". فلننتظر الأعظم، وهو آتٍ لا محال!
اندريه قصاص