على خطى خلط الأوراق السياسية سار الوزير السابق النائب محمد الصفدي بخطوة مفاجئة نحو تحالفات جديدة لا تشبه مسيرته النيابية ابنة 18 سنة، أو تجربته الوزارية في الحكومة الميقاتية عام 2011.
أعلن الصفدي عزوفه عن الترشح للانتخابات المقبلة، أو ترشيح أي فرد من أفراد عائلته، مؤكدا "خوض المعركة النيابية إلى جانب لائحة تيار المستقبل سياسيا ولوجستيا"، واعدا بـ"الذهاب في الشأن العام بعد الانتخابات النيابية إلى أبعد من مقعد نيابي".
تؤكد مصادر طرابلسية لـ"ليبانون ديبايت" أن عزوف الصفدي جاء ضمن تسوية كبرى مهدت لها لقاءات عدة جمعته برئيس الحكومة سعد الحريري.
وعن تفاصيل التسوية، تقول المصادر إن ملامح التسوية كانت واضحة المعالم في خطاب الصفدي نفسه. فإعلانه عدم نيته الترشح في ما بعد لأن طموحه السياسي بات الذهاب إلى ما هو أبعد من مقعد نيابي يؤكد أن حقيبة وزارية وازنة تنتظر الصفدي في الحكومة المقبلة، وما هو أبعد من ذلك أيضاً، إذ يمكن أن تمتد خيوط التسوية لتشمل منصب رئاسة الحكومة في ما بعد الحكومة المقبلة.
وتربط المصادر التسوية بخلفيات لها علاقة بوضع تيار المستقبل المُحرَج في طرابلس، تحديداً في مشكلة الصوت التفضيلي وتوزيعه بين المرشحين. الأمر الذي فرض على المستقبل عقد تسوية مع الصفدي الذي يشكل وجوده خطراً كبيراً على النائب سمير الجسر ممثل تيار المستقبل في طرابلس، على اعتبار أن الوزير محمد كبارة هو حليف للمستقبل وليس خالص الانتماء له.
وأن يغيب تمثيل تيار المستقبل نيابياً عن مدينة طرابلس عاصمة لبنان الثانية، حيث الثقل السني، ضربة كبيرة لا يمكن للمستقبل تحمل نتائجها شعبياً سياسياً، لذلك كان لا بد من إرضاء الصفدي بأي من الأثمان.
وكون الوزير السابق يتمتع بحيثية شعبية كبيرة في طرابلس، يعتبر، بحسب المصادر، حافزاً وقيمة مضافة انتخابياً، "ماكينته الانتخابية الموجودة على الأرض وخدماته الاجتماعية والتربوية والتعليمية والاستشفائية في طرابلس وعكار والمنية وغيرها من المناطق الشمالية، ومن يزوره في فلك مؤسساته، تشكل كتلة ناخبة كبيرة وازنة، وتجعل منه الأول طرابلسياً على صعيد الصوت التفضيلي في حال ترشحه".
وترسم المصادر خريطة المقاعد الخمسة السنية في طرابلس اليوم، كما يلي: مقعد لكل من رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، اللواء أشرف ريفي، الوزير محمد كبارة، الوزير السابق فيصل كرامي، والنائب سمير الجسر، بينما كانت ترسمها قبل تسوية الصفدي ــ الحريري من دون الجسر وتضع مكانه الصفدي.
وبالتالي، يكون الجسر أكبر المستفيدين من تنحي الصفدي، وكان الأول في مقدمة الشخصيات التي زارت الصفدي في مكتبه بعد انتهاء مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عزوفه عن الترشح.
ولا تستبعد المصادر أن يكون للزيارة السعودية الأخيرة دورها في حسابات الصفدي، إذ إن طموح الرجل برئاسة المنصب السني الأعلى في لبنان (رئاسة الحكومة) لا يمكن أن يتبلور من دون الانضمام لقوافل المؤيدين للسعودية.
وفي ما يخص تهجّم الصفدي على حليفه السابق ميقاتي في مؤتمره الصحفي الأخير، تضعه المصادر ذاتها في سياق الطموح الصفدي برئاسة الحكومة، كون ميقاتي يشكل الحاجز الوحيد أمامه للوصول، على اعتبار أن معادلة الرئاسة الثالثة من بعد الحريري هي بين ميقاتي والصفدي، في الوقت الذي بات فيه آل كرامي خارج هذه المعادلة.