الحرب في سوريا، مستمرة وستستمر لفترة طويلة. أخطر ما في هذه الحرب أنّها أصبحت «حاجة» لكل القوى والأطراف الغارقة في «مستنقعها».
لم تعد حرباً مفروضة، ولا هي حرب مختارة، ومبرمجة وإرادية. لذلك، تبرز يومياً حروب جديدة، لم تكن تبدو ربما حتى للأطراف المعنية.
نظام الأسد ليس هو المشكلة، ولا حتى بقاؤه أمراً يخيف أو يقلق كما في السابق. ما يخيف ويقلق هو «تبعيّة» نظام الأسد لإيران.
الخطر كامن وظاهر في هذه التبعية المُطلقة. حتى روسيا مزعوجة من هذه التبعية، وهي تحاول وتعمل على قصقصة أجنحة هذه التَّبعيّة، التي تربك حساباتها سواء مع إيران أو إسرائيل. موسكو لا تريد الاشتباك ولا الخلاف مع طهران، لأنّ الوصول إلى هذه الحالة، يُعطّل كافة خططها وحساباتها في المنطقة. تعرف موسكو جيداً أنّها إذا كانت تملك السيطرة على الجوّ، فإنها «كسيحة» على الأرض، وهي بذلك قد تضطر لاستجداء الحماية من إسرائيل في حالات تصعيدية معيّنة.
لذلك فإن موسكو مستعدّة لمواصلة الحرب حتى تقوم توازنات معيّنة، تفرض بها الخريطة المقبلة للمنطقة، إضافة لتثبيت وجودها في سوريا ميدانياً وسياسياً. إلى جانب ذلك، وهو من سخريات الحرب في سوريا، أنّ موسكو التي حوّلت سوريا إلى ميدان اختباري لأسلحتها الجديدة، التي أثبتت «المستوى العالي المتطور للجيش الروسي» كما قال فلاديمير بوتين نفسه، بحاجة ماسّة لهذا الميدان الاختباري.
تبقى إيران «نقطة القطع والفصل» في كل ما يجري في الحرب في سوريا. النظام الخامنئي بتركيبته الثنائية مع «الحرس الثوري»، بحاجة للحرب في سوريا. مهما قيل عن أنّ هذه الحرب عبء على إيران، فإنها في استمرارها تُشكّل مخرجاً أساسياً لتبرير الوضع المُعقّد والمتدهور سياسياً واقتصادياً. تكاد الحالة الإيرانية تتطابق تقريباً مع الحالة السوفياتية في عزّ الحرب الأفغانية.
موسكو أيام الاتحاد السوفياتي كانت تعرف أنّ أفغانستان «مستنقع» يستنزفها، لكنها كانت عاجزة عن الانتصار وغير قادرة على تحمّل الهزيمة. فكانت النتيجة تضخّم الخسائر وانحراف المسار الاقتصادي للبلاد، حتى وصل الأمر إلى حدّ أن تصنيع صاروخ عابر للقارّات، مرتبط بالعجز عن تصنيع برّاد عائلي يخفض حدّة الحاجة اليومية للعائلات الروسية. حتى إذا انتهت الحرب في أفغانستان وعاد الجيش السوفياتي إلى الداخل، انهار كلّ شيء من النظام إلى الإنسان.
في إيران، حملة واسعة لتبرير استمرار الحرب في سوريا، تكاد تشبه إلى حدِّ كبير الحملات الإعلامية السوفياتية. أبرز نقاط هذه الحملة:
* تقديم الجنرال قاسم سليماني وكأنّه «أسطورة» حربية أنقذت إيران وجعلت نفوذها في المنطقة «حتمياً». في خلال الأسابيع القليلة الماضية، لم يبقَ مسؤول في النظام من المرشد خامنئي إلى الرئيس حسن روحاني مروراً بقادة «الحرس» ورئيس مجلس الشورى إلا وصاغ خطاباً في مدح الجنرال سليماني، حتى أنّه لو جمعت هذه الخطب والكلمات لفاقت بلا شك ما قيل في الماريشال جوكوف في الاتحاد السوفياتي.
* التأكيد على أن كلفة الحرب في سوريا لم تزد على عشرة مليارات دولار، وإن طهران ستستردّ هذا المبلغ ضعفَين. وقد تولى الجنرال محسن رضائي هذا العرض، علماً أنّه حذف كما يقول إيراني مطلع من هذه الكلفة تسعين مليار دولار تراكمت طوال أربعة عقود بدأت مع الرئيس حافظ الأسد، الذي عَرَفَ كيف يكون «منشاراً» يبقي على علاقاته العربية ويأخذ من طهران سنوياً أكثر من ثلاثة مليارات دولار ونصف المليار.
أما كيف ستستوفي إيران ضعف ما أنفقته حتى ولو كان عشرة مليارات دولار، فلا يوجد أي عرض يؤكد ذلك خصوصاً أنّ كلفة إعادة إعمار سوريا حتى الآن أكثر من 500 مليار دولار.
في هذه الأثناء، وكما الاتحاد السوفياتي، تتزايد وتتعمّق «النتائج الكارثية» لنفوذ «الحرس الثوري» كما قال الشيخ المعارض مهدي كروبي، إذ ليس أسوأ من أن يصبح «العسكر» رجال أعمال، وأن تتحوّل الطبقات الدنيا إلى «برميل بارود» بدلاً من أن تكون «الظهير الشعبي» للثورة، ما ذلك إلا بسبب «انتشار الفساد والتمييز» إلى حدّ أنّ السلطات اضطرت إلى إغلاق الحسابات المصرفية لـ775 شخصاً بعد أن أثاروا اضطراباً في الأسواق لأنّهم تداولوا «أكثر من أربعة مليارات دولار في سوق القطع». والناتج المباشر لهذا كلّه أنّ الدولار الذي كان يعادل عشرة آلاف ريال عام 2010 أصبح الآن يساوي 4840 تومان (أو 48400 ريال)، لذلك اضطرّت السلطات المالية إلى رفع الفائدة إلى 20 في المئة على الإيداعات.
النظام الخامنئي، يمكنه متابعة تمدّده في المنطقة، تماماً كما فعَلَ الاتحاد السوفياتي. لكن كلفة هذا التمدّد الخارجي ستكون باهظة جداً لأنها ستكون من «حساب» النظام مباشرةً وعلى حساب أمن واستقرار إيران.