لن تكون العودة الى بيروت إلّا بداية لمرحلة جديدة، فالحريري الذي ذهب من دون أن يرافقه أيٌّ من فريق عمله أو وزرائه، يناقش مع المسؤولين السعوديين ملفّات اساسية معظمها مرتبط بالخيار الذي سلكه قبل انتخابه الرئيس ميشال عون وبعده وتحالفه مع «التيار الوطني الحر».
وإذا كانت «الأزمة السبهانية» كشفت رأسَ جبل الجليد للتراكم السلبي الذي تجمّع غيوماً منذ انتخاب عون، فإنّ المآخذ السعودية في حقيقتها لم تكن مرتبطة بموقف سلبي من الحريري نفسه، بل بالخيار الذي أدّى الى تراجعات تراها السعودية خطيرة، وتخشى من أن تصبّ لمصلحة المشروع الإيراني بحيث يسيطرعلى لبنان، بعد أن يتمكّن من تغيير التوازنات الداخلية، والفوز بالانتخابات وتشكيل حكومات مختلّة التوازن، والأهم إضعاف الدور السنّي وتأثيره في المعادلة اللبنانية بفعل قانون انتخاب قد يؤدّي الى اختراق «حزب الله» التمثيل السنّي بنسبة تقارب الثلث وهو الامر الذي قد يحصل للمرة الاولى منذ العام 2005.
تنظر السعودية الى الحريري نظرة ثابتة الى موقعه ودوره، ولا تريد للعلاقة معه أن تعود الى مرحلة ما بعد الاستقالة، وهي بالفعل سلكت طريق طيّ الصفحة، لكن في المقابل هناك نقاط اساسية لا ترتاح اليها المملكة في كل ما حصل بعد التسوية الرئاسية.
تقول أوساط مطّلعة إنه لم تكن مصادفة أن يستقبل الحريري الوفد السعودي برئاسة نزار العلولا من دون فريقه، كما لم تكن مصادفة أن يزور السعودية من دون هذا الفريق، فالأسئلة السعودية في هذا المجال عميقة وهي تتجاوز كل الغبار الذي أُثير حول «كتابة التقارير»، فالمملكة دولة لها قدرة على معرفة الحقائق من جذورها، وقد راقبت «غبار التقارير» بأسف، واعتبرت أنّ أيَّ اتّهام لها ببناء موقفها تبعاً لرأي سياسي لبناني من هنا أو هناك هو إساءة موصوفة، تجمّل نيّات غير سليمة.
وتشير المصادر الى أنّ القيادة السعودية تعرف تفاصيل التفاصيل في لبنان وهي حين تستمع الى رأي أو تحليل لأيِّ لبناني فهي لا تبني موقفاً انطلاقاً من ذلك، بل من العودة الى الأسباب والنتائج، وفي هذا السياق تعاملت مع تسوية الحريري منذ البداية بتحفّظ من دون رفض، لكنها حمّلت المسؤولية لمَن ساروا في التسوية، وتوقفت كثيراً عند اكثر من محطة منها أحداث عرسال وزيارة الوفود العراقية الى الحدود برعاية «حزب الله»، والحملة التي شنّها الحزب على المملكة، لكنّ الأكثرَ مدعاة للملاحظة كان قانون الانتخاب الذي أنتجته التسوية بموافقة الحريري، هذا القانون الذي يهدّد التمثيل السنّي وتمثيل 14 آذار ككل لمصلحة «حزب الله» وحلفائه، وقد كان الأحرى بمَن دفع ثمن الدخول في تسوية خطرة أن ينال قانونَ انتخاب لا يحقّق أهداف الحزب، ولا يضرب التمثيل السنّي بالعمق.
تختم الاوساط بالتأكيد أنّ السعودية تنتظر الأفعال لا الأقوال، وستكون المرحلة الجديدة في العلاقة مع الحريري بداية إيجابية، لكن لن تكون على حساب الاطراف الآخرين المسلمين والمسيحيين، فكل ما يجب استثمارُه في مواجهة «حزب الله» سيُستثمر، وكل ما يجب تصحيحُه من خسارات نتجت عن التسوية سيُصحَّح.