زياد عيتاني بريء من تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. هذا ليس استباقاً لنتائج التحقيق. فالرجل لم يصل بعد إلى مستوى المتهم ليُبحث في أمر براءته او عدمها. لكن قبل الانتقال من مرحلة الاشتباه فيه والادعاء عليه إلى مرحلة الاتهام، يبدو أن التحقيق الذي أجراه جهاز أمن الدولة معه بدأ يتهاوى.
وزير الداخلية نهاد المشنوق يؤكد أن الفنان الموقوف منذ 24 تشرين الثاني الفائت، سيعود إلى الحرية يوم الإثنين المقبل، فيما تشير مصادر معنية بالتحقيق إلى أن قاضي التحقيق العسكري الاول رياض أبو غيدا يتجه إلى إصدار قرار بمنع المحاكمة عن عيتاني (قرار منع المحاكمة في ختام مرحلة التحقيق القضائي يعني تثبيت البراءة). وبدلاً من عيتاني، سيتم توقيف المقدم في قوى الامن الداخلي سوزان الحاج، وأحد قراصنة الإنترنت ويُدعى ا. غ.
انقلاب الصورة بدأ قبل نحو أسبوعين، عندما طلب القاضي أبو غيدا، الذي يتولى التحقيق في قضية عيتاني، من فرع المعلومات إعادة التحقيق في القضية، «لوجود ثغر في الملف المحال إليه من المديرية العامة لأمن الدولة»، بحسب مصادر أمنية وقضائية. وتشير مصادر معنية إلى أن من طلب من أبو غيدا القيام بهذا الإجراء هما رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق. بدأ فرع المعلومات، بحسب مصادر وزارية، التدقيق في ملف التحقيق من زاوية تحديد شخصية المرأة التي ورد في ملف التحقيق لدى أمن الدولة أنها ضابطة إسرائيلية جنّدته للعمل لحساب استخبارات العدو، والتي ورد في المحاضر أنه التقى بها في تركيا، وأنها كانت تكلّفه بمهمات تجسّسية (اسمها المفترض هو كوليت).
بعد تدقيق تقني، من خلال ملاحقة الحسابات الإلكترونية «المشبوهة» التي كانت تراسل عيتاني، تم تحديد «قرصان إنترنت» لبناني، يعمل كمخبر لجهاز أمن الدولة. عمل فرع المعلومات كان يتم بإشراف معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجار الذي أشار بتوقيف «القرصان». وبعد التحقيق مع الأخير، والتدقيق في حاسوبه المحمول، وفي هاتفه وعدد من الأجهزة والتطبيقات التي يستخدمها، تم العثور على ملف سمّاه «زياد عيتاني»، يحوي اسم الدخول وكلمة السر للحسابات التي كانت تستخدمها «كوليت». بالتحقيق معه، تضيف الرواية الامنية ــ القضائية ــ الوزارية، اعترف بأنه اخترع شخصية كوليت، وأنه تمكّن من القيام بعملية تزوير إلكتروني تُظهر أن الحساب يُشغّل من فلسطين المحتلة. وقال «القرصان» إنه قدّم إلى جهاز أمن الدولة المعطيات التي زوّرها، والتي يصعب اكتشاف أنها مزوّرة، وأن هدفه كان الإيقاع بعيتاني، بناءً على طلب المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج. فالأخيرة، بحسب المصادر نفسها، أرادت «الثأر» من عيتاني، لأنها تتهمه بالتسبّب في طردها بعد نشره صورة «إعجابها» بتغريدة على موقع «تويتر» للمخرج شربل خليل مسيئة للنساء السعوديات والنظام السعودي. وتؤكد مصادر وزارية أن الحاج طلبت من الموقوف القيام بالتزوير نفسه للإيقاع بأشخاص آخرين، غير عيتاني، تعتبرهم أعداءً لها، وتريد أن ينتهي الأمر بهم في السجن أو أن يتم تشويه صورتهم.
بناءً على إشارة القاضي الحجار، تم توقيف الحاج أمس، ونقلت من منزلها إلى مبنى فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حيث بدأ التحقيق معها. وبحسب مصدر وزاري، فإن ما قاله الموقوف بحقها مثبت بتسجيلات لرسائل صوتية بين الحاج و«القرصان».
هذه المعطيات ستُعرض على أبو غيدا الأسبوع المقبل، ليبني عليها قراره. وفي حال صحّت الرواية الأمنية ــ الوزارية لما يجري في مبنى «المعلومات»، فسيكون من واجب السلطة السياسية أن تتحمّل مسؤوليتها، وأن تحاسب المسؤولين عن العبث بملف أمني خطير كهذا يمس أمن البلاد وحياة المواطنين وكرامتهم. بالتأكيد، ليس «القرصان» الافتراضي سوى أصغر العابثين (في حال ثبوت صحة الرواية). المسؤولية الكبرى عن هذه الفضيحة الأمنية ــ القضائية ــ السياسية تقع على من بيدهم القرار الأمني والقضائي والسياسي.