سياسياً، ثمّة تسليم داخلي بأنّ الحدث اللبناني الأبرز هو في الرياض التي تستضيف الحريري منذ ليل الثلثاء ـ الاربعاء الماضي. وعلى رغم غياب ظهوره الاعلامي منذ لقائه الملك السعودي قبل ثلاثة ايام من دون تسجيل اي لقاء او نشاط يُذكر له، فإنّ اوساطاً بارزة في تيار «المستقبل» أكدت لـ«الجمهورية» انّ كل الامور على أفضل ما يكون».
وما خلا الايجابية التي أعلن عنها بعد لقاء الحريري بالملك سلمان، والتي لم تقترن بذكر ايّ تفاصيل عمّا دار، لم يصدر من المملكة العربية السعودية او من الاوساط الحريرية ما يؤكّد او ينفي المعلومات الاعلامية التي تردّدت في الرياض ونسبَت الى قريبين من الديوان الملكي السعودي، وأشارت الى «انّ استقرار لبنان، والانتخابات النيابية فيه كانت المادة الدسِمة في اللقاء»، وتحدثت عن «حرص السعودية على «الّا يكون لـ«حزب الله» النصيب الأكبر في هذه الانتخابات».
وشكل لقاء الحريري مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ليل أمس الأساس في زيارته للسعودية. في وقت تحدثت معلومات عن جولة خارجية وشيكة سيقوم بها ولي العهد السعودي هي الأولى من نوعها منذ تَولّيه هذا المنصب، وتشمل مصر بداية وقد تقوده الى كل من لندن وواشنطن.
العلولا وابو فاعور
وفي هذه الاجواء، تجزم مصادر لبنانية رفيعة المستوى انّ المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا سيعود الى بيروت قريباً، وهو ما سبق ان أكّده العلولا لبعض المسؤولين الذين التقاهم خلال زيارته الاخيرة.
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» انّ بعض اللقاءات التي أجراها العلولا في بيروت بقيت طي الكتمان، ومن بينها لقاءان منفصلان مع شخصيتين إعلاميتين بارزتين، في منزل السفير السعودي وليد اليعقوب. كذلك التقى في منزل السفير ايضاً عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور.
وقال ابو فاعور لـ«الجمهورية»: «اللقاء كان ايجابياً، وتمّ فيه نقاش الاوضاع والعلاقة الثنائية بيننا وبين المملكة، كذلك حصل كثير من التوضيحات المتبادلة حول عدد من الامور، والاتصالات ستستمر».
وعمّا اذا كان العلولا سيلتقي رئيس «اللقاء» النائب وليد جنبلاط حينما يأتي الى لبنان مجدداً، أجاب ابو فاعور: «لا أستطيع ان أقول ذلك، فالامور مرتبطة بالاتصالات التي ستحصل، وفي اي حال، استطيع ان اقول انّ اللقاء أطلقَ مساراً جديداً في العلاقة بيننا».
ترشيحات: 48 ساعة
إنتخابياً، يفترض ان تتبلور الصورة النهائية للترشيحات للانتخابات النيابية في اليومين المقبلين مع انتهاء مهلة تقديم هذه الترشيحات التي يقفل بابها بعد غد الاثنين، أي بعد يومين. فيما محركات الماكينات الانتخابية تعمل في أقصى طاقتها على خط التحالفات، الّا انها تَجد صعوبة كبرى في اختراق جدران التعقيدات التي تعيق بلورتها حتى الآن، ليس فقط بين القوى السياسية، بل حتى بين حلفاء الصف الواحد.
واذا كانت صورة التحالفات هذه تَشي بارتياح الثنائي الشيعي لحسم تحالفهما المبكر، الّا انّ الخطوط السياسية الاخرى تشهد مطبّات جدية، تتمثّل في صعوبة تحديد تيار «المستقبل» - الذي سيعلن أسماء مرشحيه في احتفال كبير يقيمه في «البيال» بعد نحو أسبوع - لخريطة تحالفاته، وكيفية المواءمة بين تحالفه مع تيار «المردة» و«التيار الوطني الحر».
وكذلك تتمثّل في صعوبة حسم التحالف حتى الآن بين «القوات اللبنانية» و«المستقبل» على الرغم من حركة الاتصالات الجارية بينهما، وبصعوبة تحديد ماهيّة التحالف بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» وحَجمه وما اذا كان شاملاً كل الدوائر أو موضعياً، تبعاً لخصوصية كل دائرة.
والملاحظ في هذا المجال انّ التحالف لا يبدو ممكناً حتى الآن بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»، فيما هذا التحالف محسوم من حيث المبدأ بين «التيار» و«حزب الله».
الّا انّ بعض العثرات بادية بينهما في بعض الدوائر الحساسة، وخصوصاً في دائرة كسروان - جبيل، وسط تحفّظات أبديت من فريق «التيار» على مرشح «حزب الله»، والأمر نفسه في دائرة صيدا جزين، حيث يتردد أنّ هناك تحفظات أبداها الحزب على بعض المرشحين المحسوبين على «التيار». وايضاً في دائرة البقاع الغربي راشيا.
في سياق متصل، أنهى المكتب السياسي الكتائبي ترشيح الحزبيين، فأقرّ ترشيح النائب سامي الجميّل والياس حنكش عن المقعدين المارونيين في المتن الشمالي، وميشال كبي عن المقعد الارثوذكسي في طرابلس، وميشال خوري عن المقعد الماروني في طرابلس، وجوزف عيد عن المقعد الماروني في الشوف، ورمزي ابو خالد عن المقعد الماروني في بعبدا. وبذلك يكون عدد مرشّحيه في مختلف الدوائر قد بلغ ٢٠ حزبيّاً.
ومن المقرر أن يباشر الكتائب في المرحلة التالية تبنّي ترشيحات أصدقاء الحزب وحلفائه، تمهيداً لتشكيل اللوائح.
بري: لا تخافوا
وسط هذا الجو الانتخابي، يستمر الهمس في بعض الاوساط الداخلية، تشكيكاً بالانتخابات وإمكانية حصولها في موعدها المحدد في أيّار المقبل، وهو الأمر الذي اعتبره رئيس مجلس النواب نبيه بري غير واقعي.
وشبّه بري أمام زوّاره «هذا الهمس بما جرى في الانتخابات النيابية في العام 1992، حيث توالَت يومها التقارير الامنية وغير الامنية التي تشكّك بإجراء الانتخابات، حتى انّ هذا التشكيك استمر مع كل مرحلة من مراحل الانتخابات في تلك الفترة، حيث كانت تجري انتخابات كل محافظة على حدة، ومع ذلك جَرت الانتخابات بسلام ولم يحصل شيء».
وقال بري: «الآن، هناك من يشكّك، وهؤلاء على ما يبدو لا يقرأون الواقع والوقائع جيداً. أقول بشكل حاسم ونهائي، الانتخابات ستجري، ولا توجد قوة في الدنيا لتوقفها وتعطّلها».
واضاف: «انّ خطورة عدم إجراء الانتخابات انه «يخرب البَلد، «وما حَدا بيعود يحكي مع حدا»، ولا احد في الخارج يحكي معنا، يعني نصبح دولة مهترئة، وهذا ما لن نسمح بحصوله، وبالتالي الانتخابات في موعدها».
وردّاً على سؤال، جدّد بري تأكيد الموقف الرافض المَس بسيادة لبنان والانتقاص من حقوقه في ثرواته البحرية، كاشفاً انّ السفراء الذين التقاهم في الفترة الاخيرة يعزفون جميعاً على وتر واحد، وهو دفع لبنان الى السَّير بالطرح الاميركي حول النفط البحري. وقال: «هم يطرحون ذلك، وأنا أكرّر أمامهم موقفنا الثابت والمعلن بأنّ سيادتنا على البر والبحر لا تتجزّأ. وبالتالي، لا تراجع ولا تَخل عن حبّة تراب على البر، ولا عن كوب ماء في البحر».
واشار بري الى انه يتابع التطورات الجارية في المنطقة، وتبعاً لذلك قال: «ما زلتُ قلقاً على مصير سوريا. وأعجب من انّ أحداً لم يتوقف ولو للحظة عند الكلام الخطير الذي صدر عن وزير الخارجية الاميركية ريكس تيليرسون، الذي كشف عن تدريب وتسليح الآلاف من المسلحين للبقاء في سوريا. خطر هؤلاء انّ مهمتهم هي الإشراف على تقسيمها».
الموازنة: الوقت قاتل
على صعيد الموازنة، وعلى رغم محاولة اللجنة الوزارية إظهار حيوية في نقاش مشروع بنود موازنة العام 2018، الّا انّ إمكان الوصول بها الى مجلس النواب في وقت قريب يبدو متعثّراً، ربطاً بالنقاش الجاري حول أرقام الموازنات والاعتراضات الوزارية على تخفيض ارقام وزاراتهم بنسبة 20 في المئة على حدّ ما طلب رئيس الحكومة، وهو الامر الذي خلق إرباكات وإشكالات لدى قطاعات اساسية، وجمعيات ذات طابع إنساني مرتبطة بذوي الاحتياجات الخاصة.
والواضح في هذا السياق، انّ الموازنة تبدو في سباق مع الوقت القاتل الذي جعلها أمام 24 ساعة حاسمة لإحالتها الى مجلس النواب في موعد أقصاه 5 آذار، اي يوم غد الأحد. ويبدو جلياً انّ المهلة ستمرّ من دون ان تسلك الموازنة طريقها من اللجنة الوزارية الى مجلس الوزراء حيث ينتظرها نقاش مستفيض. وبالتالي في غياب رئيس الحكومة، لا جلسة لمجلس الوزراء.
بناء على ذلك، يمكن القول انّ الموازنة دخلت عملياً في المسار العكسي، الّا إذا ظهرت في الساعات الاربع والعشرين المقبلة معجزة تذيب التعقيدات وتذهب بها الى مجلس النواب. علماً انّ وزير المال علي حسن خليل أعاد التحذير أمس من «اننا في أزمة حقيقية اقتصادية ومالية، لكنها غير مستعصية اذا وُجدت الارادة وموازنة إصلاحية».
توقيف سوزان الحاج
قضائياً، برز امس تطور لافت تمثّل في نقل دورية من قوى الأمن الداخلي المقدّم سوزان الحاج حبيش من منزلها في كفرحباب الى التحقيق، حيث كانت موضوعة في تصرّف المدير العام لقوى الأمن الداخلي منذ إقالتها من مركزها كمديرة لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في 2 تشرين الأول الماضي.
وأجرت شعبة المعلومات تحقيقاً مع الحاج في مبنى الشعبة على خلفية فَبركة ملف زياد عيتاني، الذي كان أوقف على خلفية التعامل مع اسرائيل، وسيطاول التحقيق أشخاصاً تعاوَنوا على فبركة الملف.
من جهته، قال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عبر «تويتر»: «كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني. البراءة ليست كافية. الفخر به وبوطنيته هو الحقيقة الثابتة والوحيدة. والويل للحاقدين، الأغبياء، الطائفيين، الذين لم يجدوا غير هذا الهدف الشريف، البيروتي الأصيل، العروبي الذي لم يَتخلّ عن عروبته وبَيروتيّته يوماً واحداً».
من ناحيتها، قالت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، في بيان: «تتداول وسائل الاعلام من وقت لآخر عن توقيفات تقوم بها قوى الامن الداخلي تشمل عسكريين ومدنيين. يهمّ المديرية ان توضح أنها لا ولن تقوم بإصدار بيانات قبل الانتهاء من أي تحقيق يجري بإشراف القضاء المختص».
من جهته، قال الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري عبر «تويتر»: «مبروك للوطن ولزياد عيتاني تبيان براءته الكاملة... إسمح لي زياد أن أهنئك على صبرك وإيمانك، وآسف عَلامَ عانَيته على غير حق. لكن كما قال الإمام علي رضي الله عنه: «مَن صارع الحق صرعه». مبروك».