بتحالفه مع الشيوعيين سجل مقتدى الصدر هدفا على فريقه. في العام 2005 أحرق أعوانه مقرات للحزب الشيوعي العراقي بحراسها.
كانت تلك الجريمة البشعة ضربة تلقاها الشيوعيون العراقيون بصمت، غير أنها وضعت حدا لكل التكهنات التي كانت تميل إلى أن المخطط الأميركي في العراق يقوم على أساس استدراج أحزاب الإسلام السياسي، بفرعه الشيعي، إلى السلطة، ومن ثم الخلاص منها بسبب فشلها في الحكم واستبدالها بأحزاب “مدنية” ومنها الحزب الشيوعي العراقي الذي يمتد عمره إلى أكثر من ثمانين سنة.
حين أحرقهم الصدريون انحصرت أحلام الشيوعيين في ما تراه قيادتهم مناسبا لها. وهو الفتات الذي عُرض عليهم.
لقد استفاد الشيوعيون أفرادا من ذلك الفتات. حصل الكثيرون على حقوقهم التقاعدية التي صاروا يستلمونها في بلدان إقامتهم من خلال احتساب سنوات نضالهم في أوروبا سنوات خـدمة في الـدولة العراقية.
من خلال ذلك الإنجاز انتهت مرحلة مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي. لقد تم الاعتراف بأعضائه مواطنين، بعد أن كانت تطاردهم تهمة “الشيوعية كفر وإلحاد” التي قيل إن المرجع الشيعي الأعلى السيد محسن الحكيم قد أفتى بها قبل حوالي ستين سنة.
ولكن ماذا عن مقتدى الصدر؟
سيضحك السيد حين تصل إليه استنتاجات المحللين التي يصر أصحابها على أن الصدر صار يتفهم ضرورة قيام الدولة المدنية، كما لو أننا أمام نسخة عراقية من “محمد عبده” المصري.
لا يعاني الصدر من مشكلة في الانتخابات القادمة. إنه مطمئن إلى أن تياره سيحصل على نسبة مريحة يؤكد من خلالها حضوره في توليفة الأحزاب الحاكمة. وهو ليس مضطرا إلى التحالف مع الشيوعيين الذين لا يشكل وجودهم رقما في العملية الانتخابية.
ثم هل يحتاج مقتدى الصدر إلى منبوذين لأسباب دينية لينافس بهم الأحزاب الطائفية التي لا تقبل الاعتراف بشرعية أفكار متدينين ينتسبون إلى مذهب إسلامي مختلف، فإذا بالصدر يصدمهم بمَن لا يعترف بالدين قاعدة للحياة؟
تلك الصدمة هي الغاية الأخيرة لمقتدى من تحالفه مع الشيوعيين. فإضافة إلى أن السيد مقتدى الصدر ضمّهم تحت عمامته لينهي بذلك استقلالهم، فإنه نجح في أن يضمهم إلى تياره من منطلق هداية الضالين.
سيبدو مقتدى الصدر زعيما معاصرا، عابرا لعقدته الدينية. وهنا بالضبط يكمن نفعه الذي سيخسر من خلاله الشيوعيون سمعتهم باعتبارهم دعاة للفصل بين الدين والدولة
من السخف التفكير في أن رجل الدين الشاب يفكر في الدعوة إلى إقامة دولة مدنية لن يكون له مكان فيها.
لقد سبق لمقتدى الصدر أن دعا لإقامة حكومة كفاءات، وحرض جمهوره على اقتحام مجلسي النواب والوزراء للمطالبة بذلك. وكانت النتيجة التي تمخض عنها ذلك الحراك حكومة كفاءات حزبية، لم تخرج عن نطاق نظام المحاصصة الرث الذي دمّر العراق بفساده.
ربما يتمنى الشيوعيون لو أن السيد استعملهم دمى في اللعبة الانتخابية. وهو ما يمكن أن يفعله لكن في الحدود الدنيا.
يعرف الصدر أن تحالفه مع قوى سياسية مدنية لا يفرض عليه التزامات يجب عليه أداؤها بعد الانتخابات. فهو لن يتعهد بشيء في ظل خلوّ السوق الانتخابية من مشاريع سياسية مؤكدة. فالصراع على السلطة في العراق يكاد يكون محسوما، وتوزيع المقاعد في مجلس النواب هو الآخر لا يمكن القفز على حقيقة أن هناك آلية تتحكم به بمعزل عن أصوات الناخبين.
لذلك يمكن القول إن لعبة الولد المشاغب هي ما أغرت الصدر في القبول بالتحالف مع الشيوعيين. تلك ورقة جديدة يرميها على طاولة التحالف الشيعي ليفاجئ بها خصومه.
لا يراهن مقتدى على شعبية الحزب الشيوعي في حد ذاته. فهو يعرف أن لا أحد من الشباب وهم أغلبية الناخبين يعرف شيئا عن الشيوعية، غير أن استضافة الشيوعيين في قوائمه ستضمن له أسبابا جديدة، يبدو من خلالها مختلفا عن سواه من زعماء الأحزاب الشيعية.
من خلال تلك الأسباب سيبدو مقتدى الصدر زعيما معاصرا، عابرا لعقدته الدينية. وهنا بالضبط يكمن نفعه الذي سيخسر من خلاله الشيوعيون سمعتهم باعتبارهم دعاة للفصل بين الدين والدولة.
فاروق يوسف