إستهلّ الكاتب فيصل اليافعي مقاله في صحيفة ذا ناشونال الإماراتية بالإشارة إلى أنه حين كان العالم مركزاً على الحصار والقصف اللذين تعرضت لهما الغوطة الشرقية خلال الأسبوع الماضي، كاد ينسى أنّ الأحداث نفسها وقعت في حلب منذ 18 شهراً تقريباً
 

فقواعد الحرب هي نفسها ولا مصادفة هنا، بحسب الكاتب الذي أضاف: "فالغارات على الغوطة وحلب كانت كثيفة وأدت إلى مقتل المئات فيما كان العالم يدعو إلى وجوب التحرك لوقف المعاناة. وسط المجزرة، أعلنت روسيا عن وقف يوميّ محدود لإطلاق النار. في حلب كان لثماني ساعات أمّا في الغوطة فلخمسٍ فقط. وهدفت روسيا من خلال الهدنة تلك إلى إظهار أنّها طرف قوي يفهم المعاناة الإنسانية. في حلب، أعلن مسؤول روسيّ عن الهدنة، بينما في الغوطة، أعلن عنها الرئيس الروسي نفسه على بعد حوالي شهر واحد من الانتخابات".

وتابع: "بموازاة الهدنة أتى إنشاء الممر الإنساني. وستعقبه أسابيع من المفاوضات التي ستتمحور حول من سيغادر المدينة وكيف. ستُفتح الممرات ثمّ تُغلق، وبعضها سيكون عرضة للقصف. لكن في النهاية سيغادر المدنيون وسيستعيد النظام السوري المنطقة. هذه المراحل النهائية لم تحصل بعد في الغوطة، باستثناء مقترح الممر الإنساني. لكنّ اليافعي يؤكد أنّها ستحصل على الأرجح خلال أيام أو أسابيع. أعطت قواعد الحرب هذه نتائج إيجابية بالنسبة إلى النظام والروس في حلب وينوون استخدامها مجدداً".

بوتين قلق

يركز العالم على الغوطة وعلى فظائع الحصار كما لو كانت تلك الجرائم فريدة من نوعها في سوريا. غير أنها ليست كذلك. هي جزء من خطة طويلة للنظام من أجل تحييد أي تهديد لدمشق ولقوة النظام. ومع اقتصار الرد الدولي على الكلمات، يعلم النظام أن لا شيء سينفذه المجتمع الدولي من أجل إيقاف هذا المخطط. إنّ الغوطة هي آخر منطقة يسيطر عليها المعارضون وهي قريبة من دمشق، لذلك سيكون النظام مسروراً باستعادتها. لكنْ هنالك سبب آخر لاستهدافها اليوم. مع بقاء أقل من شهر على انطلاق الانتخابات الرئاسية في روسيا، يريد بوتين ألّا يعكّر أي شيء فوزه الكبير فيها. فهو قلق من "مفاجأة تشرين الأول" وهي عبارة برزت كثيراً خلال الأسابيع الأخيرة من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي غيّرت النتائج في نهاية المطاف.

هل تتحقق "مفاجأة آذار"؟

يشدّد اليافعي على أنّه من المستحيل تخيّل "مفاجأة آذار" تغير نتائج الانتخابات الروسية مع إشارة جميع استطلاعات الرأي في شباط الحالي إلى أنّ بوتين في الطليعة وبفارق كبير جداً عن منافسيه. لكنّ الرئيس الروسي يقظ إلى أنّ الحرب في سوريا يمكن أن تخفف من وهج فوزه.

منذ ثلاثة أسابيع، تورط "المرتزقة" الروس في هجوم فاشل شرق سوريا وقد اعترفت موسكو بمقتل عشرات منهم عقب قصفهم من قبل الأميركيين. بالنسبة إلى بوتين، يشكل النصر في سوريا جزءاً من خطاب يظهره مسؤولاً شخصياً عن ضمان قوة أكبر لروسيا وقادراً على إحباط الثورات على حدود بلاده وتوسيع نفوذها الخارجي. إن هجوماً ناجحاً على العاصمة السورية سيقوّض هذا الخطاب.

وينطبق الأمر نفسه على الهجمات الفوضوية التي حصلت في دير الزور أوائل شباط والتي بقيت موسكو وواشنطن صامتتين إزاءها.

ويتابع اليافعي الكتابة عن الأخطار المحدقة بمصالح بوتين في سوريا والتي تشكل السبب الدافع كي يركز على نقل النزاع من الحملة العسكرية إلى الحملة السياسية. إنّ حرباً سورية تتضمن الرشاشات والدبابات والمقاتلات الجوية فيها الكثير من المخاطرة بالنسبة إلى بوتين الذي كان يأمل نصراً في سوريا بكلفة منخفضة. لكن إيران وإسرائيل وتركيا تتمتع بمدى زمني أطول بكثير لحروبها ولديها أيضاً الكثير لتخسره وتربحه منها.

ويضيف الكاتب أنه حين تنتهي الحملة العسكرية، ستظهر انشقاقات بين دمشق وموسكو، لكن إلى الآن هما في اتفاق تام، مع الحماية الروسية لدمشق من نيران المعارضة بغض النظر عن السمعة السياسية والكلفة البشرية للصراع على مستوى حياة السوريين. ينطلق النظام وداعموه بسرعة إلى المرحلة الثانية من الحرب الأهلية السورية مستخدمين خارطة الطريق نفسها التي أرشدتهم في حلب. وبالنسبة إليهم، إنّ السبيل الوحيد للوصول إلى هناك هو عبر أنقاض الغوطة.