اعتادت الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية تبنّي المناضلين لتحقيق سياستها على مدى سنوات طويلة من الولاء والوفاء الأعمى للنهج الذي يؤمن به هذا الحزب ويسير على دربه ذاك التيار.
ولطالما كان هذا النضال شرطاً أساسياً لتبوّء مقعد نيابي أو الحصول على حقيبة وزارية. أما اليوم، تدور في الفلك السياسي ملامح جديدة بدأت تصبغ التبني النيابي بشروط على مبدأ "أنت متموّل... إذاً أنت مرشح" حتى لو كنت حديث العهد بالانضمام أو تأييد الحزب. وأكثر من ذلك، يمكن أن يكون لك تاريخ من الولاء لحزب آخر إلا أن أموالك لها أن تغيّر المعادلة وتجعل منك مرشحاً يتربّع على رأس اللائحة وإن كان هذا الحزب يبتعد عن ذاك ولا يتشارك معه الأفكار لا من قريب ولا من بعيد.
ما الذي تغيّر اليوم؟ ما هي المعايير التي رفعت حظوظ المتمولين على حساب المناضلين؟ وما الذي يستطيع المتمول أن يقدمه للحزب المنتمي له مصلحياً لا سياسياً، لا يستطيع تقديمه المناضل، وبالتالي ما الذي يمكن أن يقدمه هذا المتمول للبلد؟
يؤكد المحلل السياسي الياس الزغبي لـ"ليبانون ديبايت" أننا "نعاين منذ انتخابات 2005 تحولا نوعيا في الانتخابات النيابية لجهة اختيار المرشحين خصوصا على مستوى الأحزاب والتيارات. واللافت أن هناك اتجاهاً إلى اختيار رجال أعمال ومتمولين وأصحاب نفوذ مالي واضح لاستقدامهم إلى لوائح التيارات والأحزاب بحجة تمويل المعركة الانتخابية".
ويلفت الزغبي إلى أن "هذه الاختيارات تحصل على حساب المنتسبين الأساسيين ومن ذوي الكفاءات داخل هذه التيارات والأحزاب، ويتسبب ذلك بصراعات داخلية لمسناها خصوصا في انتخابات 2009 في صفوف التيار العوني الذي كان يَعِد نفسه ويعد الناس بأنه جسم سياسي جديد متجدد ومختلف، جاء ليطور الحياة السياسية اللبنانية نحو الأفضل ونحو تخليصها وإنقاذها من الزبائنية السياسية والمالية. وإذا به تحول إلى نموذج أول في اختيار أصحاب الأموال والنفوذ المالي ورجال الأعمال لترشيحهم على لوائحه في الانتخابات".
وانتقلت هذه العدوى إلى الأحزاب والتيارات الأخرى التي بدأت تتخذ المنحى نفسه، إذ إن هناك أحزابا لم تكن تقيم اعتبارا لأصحاب الأموال، حين وجدت أن هناك من سبقها إلى هذه الآفة بدأت تتحول بدورها إلى اختيار بعض رجال الأعمال ولكنها حافظت بنسبة مرتفعة على اختيار المناضلين في صفوفها ووضعهم في الواجهة. وبالتالي لم تقدم حتى الساعة وجها سياسيا وقحاً بمعنى تغليب الأكثرية المالية داخل التكتلات النيابية التابعة لها، بينما تفرّد التيار الوطني الحر باختيار أصحاب الأموال بالدرجة الاولى.
وعن الآثار والمفاعيل السلبية الخطيرة لهذا الخلل، يلفت الزغبي إلى أن هذا الخلل يضرب باتجاهات عدة: داخلي يكون تأثيره السلبي داخل الأحزاب نفسها، وما له من تأجيج للصراعات بين المناضلين وبين المتمولين الطارئين. وخارجي يمتد تأثيره السلبي إلى مجلس النواب وبالتالي داخل الحياة السياسية برمتها.
ويوضح الزغبي أن هذا لا يعني أن كل متمول يجب أن يُحرم من أن يكون نائبا ولكن ألا تبالغ التيارات والأحزاب بالتسابق على تبني أصحاب الأموال على حساب المناضلين الملتزمين وأصحاب الكفاءات داخل تياراتهم وأحزابهم.
ويلفت إلى أن هناك خللاً سياسياً خطيراً غير ذلك المالي، وهو محاولات لاختزال بعض الطوائف بثنائيات أو أحاديات طائفية، إذ إن هناك عدوى سياسية لدى الأحزاب والتيارات لتقليد الثنائية الشيعية التي باتت مثالا أعلى تنسج الأحزاب والتيارات على منواله كي تنجح في الانتخابات وتشكل كتلاً نيابية وازنة.
على أمل ألا يُصبح تبني المتمولين عرفاً انتخابياً، لأن معظم من خلقوا وفي فمهم ملعقة من ذهب لا يعرفون سعر ربطة الخبز، ومجلس النواب بحاجة لممثلين من رحم الشعب يعرفون معاناة وحاجات البيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها والتي أوصلتهم بأصواتها إلى الندوة البرلمانية.