هل كان من الضروري ان يلقي دونالد ترامب كل هذا الملح على جروح الفلسطينيين التي عمّقها قراره نقل السفارة الأميركية الى القدس، وهو ما يساوي وضع شاهد أخير على قبر التسوية السلمية التي صرفت الديبلوماسية الأميركية ردحاً من الزمن في محاولات يائسة لإنجاحها؟
ليست المشكلة في إستعجال هذا الإنتقال وإختيار تاريخ النكبة في ١٤ إيار لتنفيذ الجريمة، وهو ما يوازي توقيع أسوأ من وعد بلفور، لأن جعل القدس عاصمة لإسرائيل سيقفل باب التسوية السلمية نهائياً، والمشكلة ان البيت الأبيض يحاول التعمية على قراره بالإعلان أنه اقترب من وضع النقاط الأخيرة على بنود “خطة السلام” التي يقول إنه صرف ٢٣ شهراً على إعدادها!
هذه الخطة لن تكون طبعاً من خارج دفتر الشروط الإسرائيلية، فمن المعروف ان ثلاثة من اليهود المتحمسن وضعوها: جاريد كوشنير صديق نتنياهو الحميم، وجيسون غرينبلات مبعوث ترامب الى فلسطين المحتلة، والسفير الاميركي في تل أبيب ديفد فريدمان الذي يعتمر قلنسوة يهودية وعقلاً صهيونياً!
في أي حال، كان من الغريب فعلاً ان يجتمع كوشنير وغرينبلات مع أعضاء مجلس الأمن الـ ١٥ ويطلبا منهم دعم الأمم المتحدة لـ”خطة التسوية”، بعد ساعات من إلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابه، الذي قال فيه إن إسرائيل امتنعت عن تطبيق مئات القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة لمصلحة القضية الفلسطينية، وفي مقدمها القرار ٢٤٢ الذي دعا الى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية!
لست أدري إن كانت هذه فظاظة أو محاولة تسخيف لقرارات الأمم المتحدة التي تطالبها واشنطن بالدعم، لأن الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يسقط نهائيا التسوية السلمية، ويهدم كل قرارات الشرعية الدولية، وإختيار يوم النكبة لتنفيذ هذه الخطوة يشكّل إهانة موصوفة للفلسطينيين والعرب والأمم المتحدة وكل دول العالم التي عارضت قرار ترامب، في مجلس الأمن، وهو ما وصفته نيكي هايلي في حينه بأنه “إهانة لن ننساها”!
لكنه الزمن العربي الرديء يا أبو مازن، نعم فقد كدت ان تختنق وأنت تدعو الى مؤتمر دولي يفرز آلية ملزمة للتسوية، ويكفي ان ينظر المرء من المحيط الى الخليج لكي يرى الكوارث تتراكم:
سوريا تحترق، العراق ينزف، مصر تتهالك وتشتري الغاز من اسرائيل، ليبيا حطام واليمن حمامات نار ودم، وماذا بعد غير أولئك الذين يقرعون طبول القدس ومحاربة اسرائيل، لكنهم ينخرطون في الحروب العربية العربية إدارة وتأجيجاً، ثم يتباهون بأنهم باتوا يسيطرون على عواصم المنطقة ويضعون أقدامهم في مياه المتوسط؟
القدس مصادرة، والأقصى يتألم، وكنيسة القيامة على طريق الجلجلة، والجرائم تتمادى لخنق ما تبقى من الوجود المسيحي وليس من صوت يرتفع، والنكبة تُغرق شرف المنطقة والعالم.