ليس هذا السجال هو الأول بين هذه المنطقة وقيادة «حزب الله»، فخلال الانتخابات البلدية الاخيرة، اعترضت فعاليات فيها على لوائح الحزب وحركة «أمل» في العديد من مدن تلك المنطقة وبلداتها، وخصوصاً في مدينة بعلبك.
وتحرص غالبية المعترضين دوماً على الإشارة الى أنّ تباينها الانتخابي مع نوعية خيارات الترشيح للحزب في منطقتها، ليس سياسياً ولا يعبّر عن إدارة ظهر لخيار المقاومة المستمرة في التزامه، بل هو حصراً تباين ذات خصوصية بهموم المنطقة المعيشية والإنمائية والاجتماعية، ويتصل بأنّ هذه المنطقة ترى أنّ على الحزب أن يترك لها خياراً في تسمية ممثليها الى البلديات والمجلس النيابي، أو أقله الوقوف عند رأيها في هذا المجال.
ويتميّز هذا النوع من الإعتراض، في أنّ بيئاتٍ شعبيّة عدة تشترك فيه، وبينها بيئات داخل القاعدة الاجتماعية لـ»حزب الله»، وأيضاً بيئات مستقلّة، جزءٌ منها بعيد عن الحزب وجزءٌ آخر أوسع بكثير، سِمته الاساسية أنه ليس من البيئة اللصيقة بالحزب ولكنه يناصر مشروع المقاومة الذي ترفعه.
وكان السيد نصرالله لخّص «ماهية هذا الإعتراض» خلال إطلالته الأخيرة التي وجّه فيها كلاماً مباشراً وجدانياً وسياسياً لأهل منطقة بعلبك - الهرمل، ورأى البعض في اطلالته أنها تمثل إستدراكاً من «السيد» لتصحيح عدم سلاسة سادت لقاء «نائبه الشيخ» مع فعالياتها.
ومفاد تلخيص هذا الاعتراض حسب حرفية وصف نصرالله له، يتمثل في أنّ أصحابه يقولون: «يا سيد نخوض غمار المقاومة معك حيثما تريد، ولكن اترك لنا هامش حرّية في اختيار ممثلينا الى البرلمان». وعلى رغم وصف السيد هذه البيئة الشعبية الشيعية المعترضة بأنها محدودة، غير أنّ مجرد توجيه كلامه اليها يشي في أنها حالة تتّسم بالدينامية.
ويعترف الحزب بأنّ هناك أزمة معيشية وقانونية (آلاف المطلوبين) وإنمائية قاسية في منطقة بعلبك ـ الهرمل، ويعترف بأنّ الجهود التي بذلها لجبه هذه الأزمة لم ترتقِ الى المستوى المطلوب.
في المقابل فإنّ فعاليات في المنطقة مؤيّدة للحزب بهذه النسبة او تلك، ترى أنه حان الوقت لبلورة خيار تمثيلي إنمائي محلّي في بعلبك - الهرمل، لا يكون خارج مشروع المقاومة، ولكنّ منشأ قراره وممثليه ينبع من صلب خصوصية بنية المنطقة الاجتماعية ومشكلاتها التنموية وحاجتها الى تسوية اوضاعها مع الدولة.
وفي شكل من الاشكال يمكن وصفُ ما يحدث في منطقة بعلبك ـ الهرمل في مناسبة انتخابات 2018، هو أنه يوجد تباين بين شريحة واسعة من أبنائها المؤيّدين للمقاومة وبين الحزب، وذلك حول إشكالية عنوانها: «مَن يقود مطالب هذه المنطقة المعيشية والاجتماعية، حزب الله أم فاعلياتها المحلية؟».
فالأخيرة تعتقد أنّ الحزب، لألف سبب وسبب، وكلّها محقّة ومفهومة من منظار همومها الإستراتيجية، بات حالة قوية إقليمياً وضد إسرائيل، ولكنه ليس بالشكيمة نفسها في مواجهة الفساد داخل الدولة، علماً أنّ هذا الفساد المصحوب بإهمال الدولة لظروف الناس المعيشية الصعبة، تحوّل من منظار «ابن هذه المنطقة» الى عدوّ، له تقريباً منزلة العدوّ الإرهابي والإسرائيلي..
لا شك في أنّ لائحة مطالب منطقة بعلبك ـ الهرمل المعيشية والإنمائية طويلة جداً، غير أنّ ما يميّزها هو أنها متواصلة بلا حلول منذ الجمهورية الأولى الى الجمهورية الثانية الراهنة. وعلى رغم أنه لا يوجد شك داخل بيئاتها الاجتماعية، في صدق نيّة الحزب لحلّها، ولكن بعد التجربة، بات يوجد شكّ كبير لديها في أنّ الحزب قادر على ذلك.
والسبب من وجهة نظرها هو أنّ ظروف «حزب الله» الداخلية تجعله يتجنّب فتحَ اشتباك سياسي مع القوى السياسية المستفيدة من الفساد في الدولة، وذلك في الوقت الذي يريد التقليل من حدة الإشتباك الداخلي مع مشروعه، وأيضاً في الوقت الذي ينشغل بمواجهات عسكرية على غير جبهة.
ومن خلال آراء متقاطعة لفاعليات من منطقة بعلبك - الهرمل، يمكن تصوير واقع العلاقة في لحظة مناسبة انتخابات 2018 الراهنة كالآتي:
• أولاً، مشكلة تعثّر الإنماء في منطقة بعلبك - الهرمل باتت تلقي بظلّها السلبي نوعاً ما على موضوع العلاقة الانتخابية، وليس السياسية، بين أبناء هذه المنطقة وممثلهم السياسي الأقوى «حزب الله». وثمّة لوم على نواب الحزب في المنطقة أنهم لم ينجزوا الإنماء الذي وُعدوا به.
• ثانياً، الاجتماع الانتخابي الذي حصل قبل أيام بين فاعليات والماكينة الانتخابية في المنطقة (خصوصاً في مدينة بعلبك) من جهة، وبين نائب الأمين العام لـ»حزب الله» من جهة ثانية، لم يكن سلساً، وشابه نقاش يتصل بإعتراضات مباشرة على تسميات في لائحة الحزب ـ «أمل» في البقاع الشمالي. وركّزت هذه الإعتراضات على عدم وجود مرشّحين شيعة فيها من مدينة بعلبك، على رغم أنها مركز ثقل المنطقة.
وداخل بيئات الحزب الداخلية البقاعية حصل تباين حول مَن يرشح الحزب مكان النائب حسين الموسوي، حيث برز اتّجاهٌ واسع لترشيح ياسر الموسوي نجل الامين العام السابق لـ»حزب الله» السيد عباس الموسوي، لكنّ قيادة الحزب رشّحت أحد نخبه وقيادييه البارزين ابراهيم الموسوي. إضافة الى اعتراض حصل بين بيئات بقاعية مناصرة للحزب على تسمية أحد حلفائها ليحظى بدعم الحزب من خارج لائحته..
• ثالثاً، ثمّة إجماع على أنّ التدخّل الشخصي الأخير للسيد نصرالله لمعالجة جزئية ما يحدث في منطقة بعلبك ـ الهرمل، والمتوقع أن تكون له تتمة في إطلالات تلفزيونية لاحقة، قادر على استيعاب حالة الاعتراض فيها، وبالتالي شدّ عصب قاعدتها الناخبة وراء شعار أنّ المقاومة تجمع الصفوف على رغم التباينات حول المشروع الإنمائي والخصوصية الاجتماعية.
يبقى من المهم الاشارة الى أنّ «حزب الله» يريد رفع منسوب التصويت الشيعي في هذه الدائرة من 120 الفاً تقريباً في الانتخابات الماضية الى 150 الفاً في الانتخابات الحالية وذلك حتى يحرم اللوائح الأُخرى من كسب اكثر من مقعد الى اثنين غير شيعيَّين. وفي المقابل فهناك جزءٌ من الناخبين داخل عشائر المنطقة المعترضة على بعض التسميات في اللائحة تتّجه للإقتراع للائحة الحزب ـ «أمل» وذلك «كرمى لعيون نصرالله»، ولكنها لن تعطي الصوت التفضيلي لأيِّ مرشّح فيها.