في موازاة النقاش الانتخابي الاستثماري الذي يدور بين ثلاثي شركاء الحكومة والحكم «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، حول التحالفات الانتخابية، مرة ترجيحاً للتحالفات «على القطعة»، ومرّات ترويجاً لمحاسن الذهاب الى المجلس النيابي منفردين من دون عزلة، تدور في أروقة المعارضين للتسوية افكار سريعة لصوغ تحالفات سياسية في اكثر من دائرة، وستشهد الايام المقبلة اجتماعات تفصيلية لترجمة هذه التحالفات، وما سرّع بهذه الاتصالات قناة مشتركة بأن لا مصلحة ولا قدرة على الكلام مع مَن شرّعوا علناً منطق المساكنة «على القطعة»، خصوصاً عندما يتعلق الامر بالتحالف مع حليف «حزب الله»
 

الصورة باتت اكثر وضوحاً، فلا المحاولات الاضافية لانتظار الخيارات النهائية لبعض قوى الحكومة تنفع، ولا وهم الرهان على قدرة هؤلاء على التفلّت من تغطية التسوية أو الانفصال عنها، يسمح بمزيد من الانتظار.

قراءة بعض معارضي التسوية لما جرى في الأيام الماضية يمكن تلخيصها بالآتي:

أولاً: ما جرى قبل وخلال زيارة الوفد السعودي الى بيروت وزيارة الرئيس سعد الحريري الى الرياض، شكّل عاملاً ايجاباً، فهذه الزيارة ستكون المدخل الى ترتيب العلاقة انطلاقاً من تحديد المسؤوليات وتوضيح الخيارات، واذا كان السعوديون ارادوا إغلاق ملف تداعيات الاستقالة، فهم في الوقت نفسه لم يغيّروا قيد انملة في ما طلبوه قبل الاستقالة وبعدها، وعودتهم الى فتح القنوات مع الرئيس سعد الحريري وفق هذه القاعدة، وأيّاً كانت النتائج ستؤدّي الى اختبار جديد، نهاياته على عاتق أركان التسوية وليس الحريري وحده.

ثانياً: أيّاً كانت طبيعة المسار الذي ستسلكه المبادرة السعودية، فإنّ الترجمات الانتخابية قد تبقى على حالها، وفي هذا الإطار يمكن توقع تعديلات جوهرية على التحالفات خصوصاً تحالف تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، كذلك يمكن توقّع أن يتّجه «المستقبل» في غالبية الدوائر الى السير وحيداً، أو الى «النأي بالنفس» عن الحلفاء والشركاء، وهو ما لن يعني بالنسبة الى القوى المعارضة للتسوية أيّ تغيير سلبي، لا بل إنّ أيَّ تبديل في طبيعة تحالفات القوى الحكومية، سيهبط برداً وسلاماً على معارضي التسوية، الذين كانوا منذ انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل الحكومة في موقعهم الطبيعي وهم مستمرون فيه، ويوماً بعد يوم ترتفع احتمالات شراكتهم في لوائح متجانسة، وتنتظر جلسات تفصيلية للأسماء والأرقام.

ثالثاً: في الترجمة العملية بات يمكن الكلام عن معارضين للتسوية ولمشروع «حزب الله»، كل على طريقته: الرئيس ميشال سليمان، اللواء أشرف ريفي، حزبا «الكتائب» و«الأحرار»، الدكتور فارس سعيد، مستقلّون مهيَّؤون للمشاركة في اكثر من لائحة ومنطقة.

هؤلاء باتت الصورة لديهم أكثر وضوحاً، فلا هم توقّفوا عند محاولات الإقصاء والاختزال التي تمارس باسم مشروع 14 آذار، ولا هم يعانون من اعراض الانتفاخ أو سوء تقدير الأحجام، ولا هم لاهثون الى «التحالفات على القطعة» التي تشبه الشركات المساهمة المحدودة المسؤولية، إذ تعرض على الناخب بضاعة هجينة، وتحتال على صوته، وتجيره لتقاسم مقاعد انتخابية من دون أن تقدّم له خياراً وطنياً صافي اللون والوضوح.

وفيما ينتظر الشركاء في الحكومة عودة الحريري من المملكة العربية السعودية لكي يُبنى على الشيء الانتخابي مقتضاه، يستعدّ معارضو التسوية لإنتاج لوائحهم، حيث يستطيعون الاتفاق، ولكنّ الأهم أنهم يستعدون من أرضهم غير المتحرّكة، لملاقاة أيّ احتمال، بحتمية مروره في معبر الاتفاق على الثوابت أولاً.

هذا كان جواب حزب الكتائب لمحاوريه وكذلك ريفي والنائب دوري شمعون، وهذا هو جوهر حركة سعيد والدكتور رضوان السيد التي تُرجمت بـ«المبادرة الوطنية» التي ستتحدّى القمع بعقد مؤتمرها الأصلي والتأسيسي في المكان الذي وُلدت فيه «ثورة الأرز».