طوى استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس سعد الحريري، بوصفه «رئيس وزراء الجمهورية اللبنانية» صفحة شابتها، تحليلات وربما قراءات خاطئة، بنيت على معلومات مغلوطة، اساءت أو كادت تُسيء لمسيرة عقود من العلاقات التاريخية والاخوية، والمميزة بين لبنان والمملكة العربية السعودية..
ومن زاوية الوقائع التي  لا يرقى إليها الشك أو الفهم غير الدقيق، فإن وكالة الأنباء السعودية (واس) التي نشرت خبر استقبال الملك سلمان للرئيس الحريري في مكتبه بقصر اليمامة في الرياض، ذكرت انه «جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وبحث مستجدات الأحداث على الساحة اللبنانية».
والواضح من الشخصيات السعودية التي حضرت الاستقبال ان هناك اهتماما سعودياً قوياً بالوضع في لبنان، في ضوء المؤتمرات الدولية والعربية التي ستنظم لدعم مؤسساته الأمنية واقتصاده وبناه التحتية، وفي ضوء النزاع النفطي والبري بين لبنان.
والسياسة المعروفة «بالنأي بالنفس» التي يتبعها لبنان بعد عودة الرئيس الحريري عن استقالته قبل عيد الاستقلال عام 2017، وعشية مرحلة جديدة تنتظر هذا البلد، في ضوء نتائج الانتخابات النيابية التي ستجري في 6 أيار المقبل.
والوزراء السعوديون الذين حضروا استقبال الملك سلمان للرئيس الحريري هم وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمّد العيبان، ووزير الخارجية عادل أحمد الجبير، فضلا عن الموفد الملكي إلى بيروت، الذي سلّم الرئيس الحريري دعوة لزيارة المملكة الاثنين الماضي المستشار بالديوان الملكي نزار بن سليمان العلولا، وسفير المملكة لدى لبنان وليد بن محمّد اليعقوب، وسفير لبنان لدى المملكة فوزي كبارة.
وكان المستشار العلولا، والوزير المفوض وليد البخاري والسفير كبارة والمراسم الملكية استقبلوا الرئيس الحريري في مطار الرياض، والذي وصل إليها فجر أمس.
وترددت معلومات ان الرئيس الحريري يُمكن ان يكون التقى ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان الليلة الماضية، ولكن ستكون هناك محادثات اليوم، تدخل في تفاصيل النقاط التي أثيرت في استقبال الملك للرئيس الحريري.
وبالنسبة لعدم مرافقة وزير الخارجية والبلديات نهاد المشنوق لرئيس الحكومة، كما كان مقررا، أوضح الوزير المشنوق الموقف بقوله: تغيبت لظروف طارئة عن المشاركة في زيارة الحريري إلى السعودية، وتلقيت اتصالا من وزير الداخلية السعودي للسؤال والاطمئنان، ودعاني إلى زيارة رسمية نهاية الشهر المقبل..
ولاحظت مصادر دبلوماسية عربية في بيروت الحفاوة التي ابداها الجانب السعودي، والارتياح الذي بدا خلال المحادثات، وأشارت إلى ان المحادثات عكست حجم الاهتمام السعودي بالتوازنات اللبنانية، الذي يحفظ صورة الاستقرار اللبناني.
وأكدت المصادر ان استقبال الملك سلمان للحريري يعكس تجدد الاحتضان العربي للاستقرار في لبنان، وعدم تركه فريسة للتدخلات الأجنبية وسلب قراره الوطني.
وتوقع وزير الثقافة غطاس خوري أن «تعود الحرارة إلى العلاقات اللبنانية- السعودية وان يكون لبنان على رأس اهتماماتها لا ان يكون في مواجهة الوضع الاقليمي المتفجر حولنا وازمة النزوح والاطماع الاسرائيلية والوضع الاقتصادي المتردي»، معتبراً أنه «مطلوب من السعودية الدور الذي لعبته تاريخياً بدعم الشرعية وان يسترجعوا هذا الدور ولدعم لبنان على الاصعدة كافة».
ولاحظ أن «هذه الزيارة هي لتأكيد ان هناك ارتياحا سعوديا لطريقة ادارة الرئيس الحريري البلد وسياسة النأي بالنفس والتي اعلن الحريري انه مسؤول عنها، ولم تكن هذه الزيارة لتأتي لولا الارتياح لمسار الرئيس الحريري».
وعمّا قيل ان هذه الدعوة رغبة فرنسية وتنسيق اميركي، قال خوري: «لا اؤكد هذا الشيء ولا اعرفه ولكن ما اعرفه ان المظلة الدولية على لبنان قائمة بدليل ان المؤتمرات الدولية التي نتكلم عنها بروما وباريس محتضنة دولياً وهناك مشاركة لاوسع مجموعة من الدول العربية والاوروبية والاميركية».
وقالت ان الاستقبال فتح صفحة جديدة أعادت الدفء إلى العلاقات اللبنانية - السعودية، وتزامنت مع مواقف لافتة أيضاً لولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، تناولت في جملة ما تناولت أزمة استقالة الرئيس الحريري في شهر تشرين الثاني الماضي، بحسب الكاتب  الأميركي ديفيد اغناتيوس في صحيفة «الواشنطن بوست»، الذي نقل عن الأمير قوله انه «تعرض للانتقادات بشكل غير مبرر، واتهم بأنه ضغط على الرئيس الحريري لدفعه للاستقالة»، معتبراً ان «وضع الحريري الآن في لبنان أفضل بكثير من ميليشيات «حزب الله»، على حدّ تعبيره.
كذلك، سجلت تغريدة للوزير المفوض في  الديوان الملكي وليد بخاري عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «لبنان.. مهما يطل بعدنا فالجمع يشتمل» ، عكست عاطفة سعودية تجاه لبنان تؤذن بعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين.
وكانت زيارة الموفد الملكي السعودي نزار العلولا إلى لبنان، طغت على أجواء لقاء الأربعاء في عين التينة، إلى جانب التحضيرات للانتخابات النيابية، حيث أشاد الرئيس نبيه برّي بهذه الزيارة، خاصة وانه سادتها أجواء ودية، بحسب ما نقل النواب عن برّي،  وانه سمع منه كلاما ايجابيا للغاية عن لبنان ودوره التاريخي والحضاري.
وأشار إلى ان الموفد السعودي سيستكمل لقاءاته بعد عودته مرّة أخرى من المملكة، مشددا عن ان العلولا لم يتطرق خلال اللقاء إلى الانتخابات النيابية في لبنان.
وفي الشأن الانتخابي، والذي تناول كيفية احتساب الحساب المالي للائحة وكيفية تمويلها قال أحد النواب ان الرئيس برّي مازح النواب خلال اللقاء قائلاً: بكم ستتبرعون..فاخرج بعض النواب جيبه الفارغ، فيما فتح اخر يديه. 
واكد النائب علي بزي: انه لم يتم التطرق خلال اللقاء الى ملفي النفط والموازنة وان الموقف اللبناني منهما موحد.
الموازنة والنفط
إلى ذلك، استبعدت مصادر وزارية عبر لـ«اللواء» انعقاد جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع إلا إذا ظهر أمر جديد حتم انعقادها. وأفادت أنه فور انتهاء اللجنة الوزارية المكلفة بالموازنة من النقاش والتوصل إلى قرار تعقد جلسة لمجلس الوزراء. 
وعلى خط آخر، لفتت المصادر إلى أن الأميركيين جمدوا وساطتهم بشأن الموضوع النفطي بعدما تأكدوا أن التنقيب يتم في منطقة بعيدة عن تلك المتنازع عليها. وأشارت إلى أن لبنان في صدد تقديم خرائط في حال نجح بالحصول عليها تثبت حق لبنان. 
وأفادت أن إسرائيل غير موافقة على تفويض الأمر للجنة الثلاثية في الناقورة في ما يخص الخط البحري حتى أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تتدخل اذا لم يتم تفويضها، مذكرة بأن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا لم يتم على ذكر أي شيء بهذا الخصوص، باستثناء الجدار الاسمنتي خارج الخط الأزرق.
تجدر الإشارة إلى ان اللجنة الوزارية واصلت أمس درس مشروع الموازنة في السراي، رغم غياب الرئيس الحريري في الرياض، وهي ستستكمل بحثها مجدداً اليوم على ان يُشارك في الجلسة وزيرا التربية مروان حمادة والشؤون الاجتماعية بيار بوعاصي، وقد تمكنت أمس في تخفيض الموازنة لأكثر من 20 بالمائة، إلى انه من المستبعد ان تتمكن اليوم من الانتهاء من دراستها باعتبار ان بنود المشروع تبحث بالتفاصيل وبشكل دقيق في ما خصص الأرقام.
وبحسب مصادر المجتمعين فإن الاجتماعات تتسم بجدية علمية خصوصا ان الجميع اصبح على اطلاع كامل حول خطورة الاوضاع المالية اذا ما استمر الوضع على ما عليه، وهناك توافق على ضرورة ان يكون هناك اصلاحات وارشاد مالي قبيل عقد المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان لا سيما بالنسبة الى مؤتمر»سيدر»، وترى المصادر ان هناك صعوبة بإمكانية اقرار مشروع الموازنة في المجلس النيابي قبيل المؤتمر المذكور ولكن هناك اهمية بإقراره من قبل الحكومة لكي تكون حاضرة وفي يدها ورقة عمل اصلاحية الا وهي مشروع الموازنة. 
وعلمت «اللواء» ان اللجنة انهت دراسة موازنات العدل، الخارجية، المال والدفاع وجزء من الاشغال، اضافة الى موازنات الرئاسات الثلاث والتي تمت دراستها في اجتماع الثلاثاء، وتم تخفيض بنسبة 20% للزيادات التي تخطّت موازنة العام 2017، دون المس بالامور الحياتية المتعلقة بالاستشفاء والرواتب. 
وتوقع مصدر وزاري عقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين في بعبدا لعرض الموازنة، تمهيدا لاقرارها في جلسة ثانية، واحالتها إلى المجلس النيابي.
لائحة بيروت اكتملت
انتخابيا، رست بورصة الترشيحات في وزارة الداخلية أمس على 283 مرشحا، بعدما قدم 86 مرشحا اوراقهم الرسمية، كان ابرزهم الرئيس سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، والنواب: محمّد رعد، علي عمار، علي فياض، حسن فضل الله، خالد الضاهر، بالإضافة إلى عدد آخر من نواب ووزراء سابقين وطامحين للوصول إلى الندوة البرلمانية.
وتبين من خلال قراءة أسماء المرشحين عن دائرة بيروت الثانية، ان لائحة تيّار «المستقبل» باتت شبه مكتملة، وفق ما نشرته «اللواء»، أمس، حيث تقدّم للترشح، إلى المقاعد السنية الستة، إلى جانب الرئيس الحريري والرئيس سلام والوزير المشنوق، كل من رولا الطبش، حسان قباني، وربيع حسونة، والنائب غازي يوسف عن أحد المقعدين الشيعيين، والنائب باسم الشاب عن المقعد الانجيلي، علما انه سبق ان ترشح عن المقعد الارثوذكسي نزيه نجم، وفيصل الصايغ عن المقعد الدرزي، وبقي المقعد الشيعي الثاني يتجاذبه مرشحان هما: ماهر بيضون أو يوسف محمّد يوسف بيضون.
واستبعد من هذه اللائحة أربعة من نواب «المستقبل» عن بيروت وهم: عمار حوري، عاطف مجدلاني، محمّد قباني ونبيل دوفريج، الا إذا أصرّ الرئيس الحريري على استعادته لمقعد الأقليات في دائرة بيروت الأولى (8 مقاعد) مع النائب سيبوه كاليكيان عن أحد مقاعد الأرمن الارثوذكس الثلاثة.
معركة طرابلس
وكان الرئيس ميقاتي قد أعلن خلال رعايته افتتاح معرض طرابلس 2018 في معرض رشيد كرامي الدولي، انه في صدد وضع اللمسات الأخيرة على «لائحة العزم» لخوض الانتخابات المقبلة، متمنياً أن تكون هذه الانتخابات فرصة لتجديد الحياة السياسية في لبنان وتفعيل المؤسسات الدستورية فيه.
وأوضح أن «لائحة العزم» ستترجم مبادئ الوسطية والاعتدال، وهي ستكون من نسيج دائرة طرابلس الضنية والمنية تشبه أهلها وتحاكي تطلعاتهم، مشيراً إلى انه يريد كتلة نيابية شمالية طرابلسية المنشأ والمصدر والهوية، ولا نريد كتلة ملحقة بتيارات سياسية من خارج المدينة بل كتلة تستعيد قرار طرابلس وتعيدها الى رأس المعادلة الوطنية.
وفي تقدير مصادر سياسية ان إعلان الرئيس ميقاتي عن عزمه تشكيل «لائحة تيّار العزم» يعني انه سيخوض الانتخابات منفرداً، وبالتالي سقوط كل مؤشرات التحالف مع الزعامات الطرابلسية الأخرى، سواء مع تيّار «المستقبل» أو تيّار الوزير السابق اللواء أشرف ريفي أو تيّار الوزير السابق فيصل كرامي، الأمر الذي يرجح أن تشهد طرابلس 5 لوائح تمثل هذه القيادات بالاضافة إلى لائحة المجتمع المدني التي يسعى النائب السابق مصباح الأحدب إلى تشكيلها ولو كانت غير مكتملة.
أما النائب والوزير السابق محمّد الصفدي فسيعلن اليوم الخميس عزوفه عن الترشح، وبالتالي فإنه لن يخوض الانتخابات مع تيّار «المستقبل»، وهو سبق ان أبلغ الرئيس الحريري عندما زاره الثلاثاء في السراي عن نيته بذلك، شاكيا من «الصوت التفضيلي» في القانون الجديد الذي اعتبره سيئاً وغير عادل بالنسبة إلى المرشحين والذين سيلحق بهم غبن كبير، متوقعا ان تكون معركة طرابلس حامية جدا، ومن شأنها ان تحمل مفاجآت على صعيد الكتل والأسماء النيابية المقبلة.