وُضعت زيارة العلولا على موائد التشريح السياسي الداخلي، خصوصاً انها تعكس حضوراً سعودياً مباشراً على هذا المستوى في لبنان، منذ أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي وما رافقها من التباسات في ذلك الوقت.
واذا كانت تقديرات سياسية قد أحاطت هذه الزيارة بتساؤلات حول توقيتها وموجباتها وأبعادها في هذا الظرف السياسي اللبناني بالذات، الذي يشكّل فيه الاستحقاق الانتخابي البند الاول في جدول اعمال البلد ككل، فإنّ تقديرات اخرى أدرجت الزيارة في سياق انفتاح سعودي متجدّد على لبنان، دخولاً من باب التواصل مع كل الفرقاء، وهو ما يؤشّر اليه برنامج لقاءات الموفد السعودي، سواء في جانبه الرسمي الذي شَمل أمس رئيسَي الجمهورية والحكومة العماد ميشال عون وسعد الحريري، وسيستكمل اليوم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، او برنامج لقاءاته السياسية الذي باشره مساء امس من معراب بلقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
واذا كان بعض المراقبين توقّفوا عند الشكل، وتساءلوا عن سر الزيارة السريعة لرئيس الجمهورية التي دامت نحو ربع ساعة، وما اذا كان خلف هذا الوقت القصير رسالة ما يُراد إيصالها الى اتجاهات لبنانية معينة، الّا انّ مراجع سياسية رفضت فصل الشق الشكلي عن الشق الجوهري الذي تقوم عليه الزيارة، واكّدت انّ فترة «الربع ساعة» وإن كانت قصيرة نسبياً الّا انها كانت كافية لإيصال «الرسالة السياسية الاساسية» التي تحملها الزيارة، يضاف اليها الشق الآخر من الرسالة، الذي بَدا جلياً خلال الزيارة اللافتة للحريري، وهي الأولى له على هذا المستوى منذ أزمة الاستقالة، والتي سادها جوّ ودّي جداً، وترافقت مع تسليم الحريري دعوة خَطيّة، هي الاولى من نوعها، لزيارة المملكة كرئيس للحكومة اللبنانية.
وقد وصف الحريري المحادثات بالممتازة، مشيراً الى انه سيلبّي الدعوة الى السعودية في أقرب وقت ممكن، وقال: هدف السعودية الأساسي «أن يكون لبنان سيّد نفسه، وهي حريصة على استقلال لبنان الكامل، وسنرى كيف سنتعاون معها في شأن المؤتمرات الدولية المقبلة».
وترافقت ايضاً مع التفاتة سعودية معبّرة تَجلّت في زيارة العلولا لضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتدوينه كلمة ذات دلالة في السجل الذهبي جاء فيها: «سيبقى الشهيد رفيق الحريري رمزاً وطنياً وعروبياً، وسيعود لبنان كما أراده الشهيد حرّاً ومنارة للعالم».
وفيما نظرت جهات سياسية الى زيارة العلولا على أنها زيارة «حزبية» يُراد منها تحشيد بعض الاطراف اللبنانية في زمن الانتخابات ومحاولة نسج تحالفات بين بعض الاطراف، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «من غير الجائز إحاطة الزيارة بفرضيّات قد لا تكون صحيحة، وبالتالي من السابق لأوانه الحكم النهائي على النتائج قبل ان تظهر، وفي كل الاحوال يجب النظر الى الرسالة من عنوانها، خصوصاً انّ الاجواء التي رَشحت بعد لقاء الموفد السعودي مع رئيس الجمهورية، أشارت الى ايجابيات جدية والى ارتياح لدى الجانبين وتأكيد على علاقات ودية ووثيقة بين الدولتين».
بعبدا
وعبّرت اوساط قصر بعبدا لـ«الجمهورية» عن انطباعها بأنّ السعودية تعيش أجواء ايجابية ارادت أن تعكسها هذه الزيارة، ذلك انّ ما نقله موفدها وما عَبّرت عنه رسالتها، كان كافياً لجهة حرصها الدائم على دعم لبنان وتعزيز ما يوفّر استقراره ويحمي سيادته وسلامة أراضيه. فهي لم ولن تنسى انّ اولى زيارات الرئيس عون العربية بعد انتخابه كانت إليها.
وأبدى العلولا استعداد بلاده لأوثق العلاقات بين البلدين في كل المجالات بما يعكس حجم الأخوة بينهما، مجدداً التاكيد على التعاطي مع اللبنانيين جميعاً بعين واحدة مع رغبتها بالتوافق بين الجميع حول كل ما ينعكس خيراً على البلاد.
بدوره، أكد عون انّ لبنان لم يَتمنَّ يوماً سوى ان تكون علاقته مع السعودية من افضل العلاقات بين دولتين عربيتين، وأكد انّ عودة السعوديين الى لبنان ضرورية وملحّة، فسلامتهم مُصانة والأمن مستقر الى الحدود القصوى، ولعلّ في شهادة سفرائكم في الفترة الأخيرة ما يمكن تعميمه على باقي الرعايا السعوديين، فكانوا دائماً يتنقّلون حيثما شاؤوا على الأراضي اللبنانية من دون اي عائق او مخاوف أمنية.
ورَدّ الموفد السعودي مؤكّداً ثقة المملكة بما حَققه لبنان من امن واستقرار نتيجة سياسته الحكيمة، واستأذنه القيام بزيارة الرئيسين بري وكذلك الحريري لتوجيه الدعوة إليه لزيارة الرياض، آملاً في ان تكون هذه الزيارة فاتحة خير وبداية للكثير من الخطوات الإيجابية، وفي ان تسلك العلاقات بعدها المسار الذي يرضي اللبنانيين والسعوديين معاً.
وهنا، رَدّ رئيس الجمهورية مُباركاً الخطوات التي سيقوم بها، ومُرحّباً بها آملاً ان تترك هذه الحركة المزيد من الارتياح في الأوساط اللبنانية من الآن وصاعداً، مجدّداً الترحيب بالسعوديين في لبنان. وأكّد العلولا انّ محبّة السعوديين للبنان لم ولن تتغير، وإن شاء الله نحمل الأخبار الطيبة للشعبين ونحقق كل ما يريحهما. فلبنان جبل لا يهتز بسهولة، وسيبقى صامداً مهما عصفت به الأعاصير.
وفي برنامج زيارات الموفد السعودي اليوم لقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي، وكذلك الرئيس تمام سلام، وبعد الظهر مع بري، بالاضافة الى لقاءات سياسية قالت مصادر مواكبة للزيارة إنها ستظهر في حينها، وتشمل قيادات في فريق 14 آذار، وربما مع سياسيين آخرين، من دون ان تستبعد المصادر ان يُمدّد الموفد السعودي زيارته حتى نهاية الاسبوع، اذ انّ برنامج اللقاءات يشمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
الحدود والنفط
من جهة ثانية، شكّلت زيارة وكيل الامين العام للأمم المتحدة لإدارة عمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا الى بيروت، مناسبة جديدة للبنان للتأكيد على موقفه الثابت المتمسّك بسيادته وحقوقه، وهذا الموقف عَبّر عنه عون وبري، لناحية التشديد على رفض المساس بالحدود البحرية والبرية للبنان، وعدم التراجع عن ذلك، مع التأكيد على المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل لوَقف محاولاتها المتمادية للمَسّ بالسيادة اللبنانية وحقوقه في الثروات النفطية والغازية ضمن حدوده ومياهه الاقليمية التي تسعى اسرائيل الى انتهاكها.
وعلمت «الجمهورية» انّ المسؤول الدولي كان مُتفهّماً للموقف اللبناني، معبّراً عن تقديره للعلاقة التاريخية والطيبة التي ربطت اللبنانيين بـ«اليونيفيل»، ومُعبّراً في الوقت ذاته عن استعداد الامم المتحدة للمساعدة في مجال ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل في البر والبحر.
وموضوع الحدود، اشار اليه عون خلال زيارته امس لقيادة الجيش في اليرزة، حيث نَوّه بجهود الجيش «في الحفاظ على استقرار البلاد والدفاع عن الوطن في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب»، وأكّد وحدة الموقف الرسمي والشعبي الداعم لجهوزية الجيش على الحدود الجنوبية لضمان حقوق لبنان في حدوده البرية والبحرية واستثمار كامل موارده النفطية والاقتصادية، وذلك جنباً إلى جنب مع الحفاظ على استقرار هذه المنطقة بالتعاون والتنسيق مع القوات الدولية تنفيذاً للقرار 1701.
موازنة 2018
في موضوع مشروع قانون موازنة 2018، تواصل اللجنة الوزارية اجتماعاتها برئاسة الحريري، وركّزت في اجتماعها أمس على الارقام.
وقال وزير المالية علي حسن خليل لـ«الجمهورية» انّ العمل أصبح في مراحله الاخيرة، واللجنة ستكون قادرة على إحالة مشروع قانون الموازنة في المهلة المحددة، اي قبل 6 آذار المقبل، لكي يتمكّن المجلس النيابي من مناقشتها وإقرارها.
وقال الوزير يوسف فنيانوس لـ«الجمهورية»: «لا خلاف سياسياً حول ملف البواخر ونحن لا نعمل بهذه الطريقة، هناك عجز يفوق الـ 800 مليار ليرة سيبقى حتى إذا أمَنَّا الكهرباء للمواطن 22 ساعة او 24. ونحن نسأل لماذا لا نترك دائرة المناقصات تقوم بعملها من دون تدخّلات ومن دون ان نضع أمامها شروطاً لأنّ مجلس الوزراء مجتمعاً هو الذي قرّر إحالة المناقصة الى دائرة المناقصات».
وشَكّك فنيانوس في إمكانية الذهاب الى التصويت في الحكومة.
حاصباني لـ«الجمهورية»
وأوضح الوزير غسان حاصباني لـ«الجمهورية» انّ مداولات اللجنة الوزارية تركّز على خفض الارقام ولو بنسَب بسيطة، مؤكداً انّ ترشيق الانفاق في الوزارات ممكن من خلال مراجعة موازنات هذه الوزارات في العام 2017، وبحث أسباب ارتفاع الانفاق وإمكانية خفضه ليكون كما كان في العام الماضي. وكشف انّ الارتفاع الكبير في الإنفاق يعود الى كلفة سلسلة الرتب والرواتب، والتي تبيّن انها مرتفعة اكثر من التقديرات السابقة. وبالتالي، هناك مشكلة على هذا الصعيد.
فرعون لـ«الجمهورية»
وقال الوزير ميشال فرعون لـ«الجمهورية» انّ هناك صعوبة في ان تنجح اللجنة الوزارية في مهمتها، على اعتبار انّ التراكمات الانفاقية كبيرة، ولا يمكن إجراء خفض فعليّ في مهلة زمنية قصيرة.
ورأى انّ غياب الموازنة طوال السنوات الماضية أوجَد أزمة إنفاقية مُزمنة، ومن الصعب تحقيق خفوضات أساسية من خلال خفض موازنات الوزارات، فالأمر يتطلّب اكثر من ذلك.
في النتيجة، هناك حقيقتان واضحتان في ملف الموازنة. الحقيقة الاولى انّ الحكومة ستنجزها وستُحيلها الى المجلس النيابي. الحقيقة الثانية، انّ خفض العجز المقدّر سيكون خجولاً ولا يرتقي الى المستويات المطلوبة لإقناع المجتمع الدولي بأنّ لبنان بدأ عملية الاصلاح، وانه يستحق الدعم والمساعدة