أكَّد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أنَّ "التجربة اللبنانية في العيش المشترك وإن لم ترتق إلى المستوى المثالي إلا أنَّها جديرة بالاقتداء".
كلام دريان جاء خلال كلمة له في افتتاح أعمال اللقاء الدولي في العاصمة النمساوية فيينا بعنوان: "الحوار بين الأديان من أجل السلام: تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة"، بدعوة من "مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، بحضور العديد من الشخصيات السياسية والدينية من لبنان والعالم.
وقال: "لقد أقفلت الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، كلَّ الثغرات التي كان يمكن أن يتسلل منها التطرف الإرهابي إلى لبنان. وفي الوقت ذاته، مكنت هذه الوحدة، المجتمع والدولة، من استقبال المظلومين المهجرين من ديارهم هرباً من جرائم القتل العشوائي، وتقاسمنا معهم رغيف الخبز ولا نزال حتَّى الآن".
وأضاف: "علمتنا التجربة المرة والصعبة والمؤلمة، التي عصفت بنا، مسلمين ومسيحيين، ومن كل المذاهب، ألا نكون إلا معاً، ولا نسلم إلا معاً، وأننا كما بنينا حضارتنا معا، فإننا قادرون على أن نبني مستقبلنا معا أيضا، وأن المستقبل الأفضل، الذي نتطلع إليه، لا يقوم إلا على وحدتنا، وبسواعدنا المتشابكة".
وشدّد على أنّ "التجربة علمتنا أنّ الدفاع عن كرامتنا الإنسانية، وعن حقوقنا وحرياتنا، يبدأ بالدفاع عن كرامة الإنسان، كّل إنسان وعن حقوقه وحرياته. فالإنسانية كلها أسرة واحدة، لا نستطيع أن نتمتع بالحرية وأن ننعم بالاطمئنان والقلق يعصف بمجتمعات شقيقة في الجوار القريب والبعيد".
وتابع: "إنّ بناء هذا المستقبل المنشود، ينطلق من إعادة بناء الحاضر، بشراً وحجراً، وبناء الحاضر يقوم على إسقاط مقولات الأكثرية والأقلية، وعلى اعتماد أسس المواطنة، بما تعنيه من مساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الحريات، وفي مقدمها الحريات الدينية".
وختم: "التطرف كالورم السرطاني، خبيث وسريع الانتشار، وإذا لم نستأصله منذ البداية، فإنه يزداد شراسة ووحشية وانتشارا، إنه وباء فتاك، إذا لم تقلته قتلك. في التطرف إلغاء للآخر، والآخر ليس من دين مختلف فقط، إن الآخر الذي تحول إلى ضحية، كان من أهل الدين ذاته، ومن أهل المذهب ذاته أيضا. وليس فقط من أهل الأديان والمذاهب الأخرى، فالتطرّف هو ألا يكون هناك آخر، إنّه يعني القضاء على الغيرية".