يقول الدكتور علي شريعتي المفكر الإسلامي الإيراني وأحد أهم ملهمي الثورة الإيرانية: "إن أكبر قيم الإنسان هي تلك التي يبدأ منها بالرفض وعدم التسليم اللذين يتلخصان بكلمة (لا)".
لا شك أن من أدرك لذة التمرد والرفض والأخلاقية والنباهة، لن يبدلها بأي شيء، ولن يبيعها بأي ثمن، ولكن ماذا حدث لنا حتى بدلنا ذلك بسهولة ؟ المسألة هو أنه لا نباهة لنا، فنحن لا نستقيم إلا أن علتنا يد أقوى، أو سوط قاس، يظل فوقنا مدى الحياة.
وقال أيضًا: إن الوعي النفسي والنباهة الشخصية هي التي يمكن أن تُشعر الإنسان بما فات منه، وبما يستهلكه العالم منه، كما أن الوعي الإجتماعي هو الذي يمكن أن يشعره بما يجري على مصير مجتمعه في الخفاء.
أما التخلي عن النباهة فهو يؤدي إلى الاستحمار حيث يقول شريعتي بأن التخلي عن النباهة سيؤدي بالضرورة إلى ما يقابلها، وإن أي دعوة أو دعاية وكلام وتقدم وحضارة وثقافة وقدرة تكون خارجة عن إطار هاتين الدرايتين (الوعي والنباهة) فهي ليست إلا تخديرًا للأفكار، وللانصراف عن الإنسانية والاستقلال والحرية.
إنه تسخير للإنسان كما يُسخّر الحمار، ومن هنا أطلق عليه شريعتي إسم (استحمار) إذًا فمعنى الاستحمار، تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره، وحرف مسار النباهة الإنسانية والإجتماعية لديه.
إقرأ أيضًا: الثنائي الشيعي أمام معضلة إنتخابية حقيقية
واليوم وعلى مقربة من الإنتخابات النيابية تؤخذ الجماهير وفقًا لهذه القاعدة القائمة كما أشار شريعتي على تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره وحرف المسار الإنساني لديه من خلال ما يجري على مصيره ومصير مجتمعه بالخفاء، وبطريقة أخرى من خلال بث الخطاب التحريضي وفقا لأهداف وغايات محددة فيبنى على هذا الخطاب مصير شعب وأمة ووطن، والمعنى الآخر لهذا الخطاب التحريضي والتعبوي هو "الإستحمار" وهو ما يلجأ إليه اليوم حزب الله للتأثير على قواعده الشعبية من خلال بثّ جملة من الأكاذيب لخلق رأي عام ضد كل معارضيه، ولخلق سياسية إستقطابية إستيعابية لكل المعترضين على سياساته الإنتخابية ترشيحًا واقتراعًا.
من خطاب المقاومة وشعاراتها إلى خطاب التحرير إلى خطاب محاربة الإرهاب إلى التجييش باتجاه خلق أسماء وعناوين غير موجودة "الجيش الإلكتروني" و "السفارات" و"المال الأجنبي" يجد حزب الله نفسه بحاجة ماسّة لإستخدام هذه المصطلحات لاستحمار جماهيره وتحريض الرأي العام على التصويت لصالح لوائحة بالرغم من الإعتراضات المتراكمة والتي تزداد يوما بعد يوم.
ومن المؤسف أن ينحدر خطاب المقاومة اليوم إلى هذا المستوى، ومن المؤسف أيضًا أن تكون هذه المقاومة نفسها وسيلة لاستحمار الناس والتأثير عليهم بل ومن المؤسف والمعيب استغلال ثقة الناس بالمقاومة بهذه الطريقة وإلى هذا الحد.
إن الخطاب المسؤول هو الذي يقارب الواقع بدقة ودراية، الخطاب الذي يقترب أكثر من الناس وهواجسهم، أما سياسة الهروب إلى الأمام فهي حجة الضعيف المرتهن خصوصا عندما تقوم هذه السياسة على اختلاق الأكاذيب وبث الترهات للتأثير على الناخب واستقطاب الأصوات من خلال أسماء وعناوين وهمية لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة نظير ما يسمى بـ "الجيش الإلكتروني" و "أموال السفارات" وغيرها.
إقرأ أيضًا: لوائح الثنائي الشيعي إصرار على تجاهل الإنتقادات الشعبية!
إن قمع حالة الإعتراض الشعبي بهذه الطريقة تؤكد إفلاس الحزب وضعفه أمام هذه الإنتقادات والإعتراضات، وتؤكد تورط الحزب بإخفاقات كبيرة على مستوى الخدمات المعيشية المطلوبة لأي مواطن، وأن نواب الحزب أنفسهم متورطون بالمماطلة والتسويف والإهمال وزيادة الحرمان.
الإعتراض حق مشروع والتعبير عن الرأي بطريقة حضارية سلمية سواء من خلال بعض المرشحين أو من خلال صناديق الإقتراع هو أمر يعطي العملية الإنتخابية بعدها الديمقراطي والحضاري، فلماذا إذن لغة التحريض؟ هذه اللغة الرخيصة التي تلجأ إليها ماكينات الحزب بل ومسؤولوه وإعلاميوه في اعتبار المنافس إما عميلا أو تابعا للسفارات أو عديم الخبرة؟
هذا هو خطاب الإستحمار وهو تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره، وحرف مسار النباهة الإنسانية والإجتماعية لديه وهو بالتحديد خطاب المقاومة الذي يريده حزب الله اليوم.
والطريف أن شريعتي نفسه قسم الإستحمار كمفهون إلى نوعين هما: استحمار مباشر وغير مباشر، المباشر منه عبارة عن تحريك الأذهان إلى الجهل والغفلة، أو سوق الأذهان إلى الضلال، أما غير المباشر منه فهو عبارة عن إلهاء الأذهان بالحقوق الجزئية البسيطة اللافورية لتنشغل عن المطالبة أو التفكير بالحقوق الأساسية والحياتية الكبيرة والفورية.
أليس في ذلك شيء من واقع الحال ؟