لا أحد يعرف موعد انتهاء الجولة المكوكيّة بين لبنان وإسرائيل التي يقوم بها منذ أكثر من أسبوع مساعد وزير الخارجيّة لشؤون الشرق الأوسط والسفير السابق في بيروت ديفيد ساترفيلد. لكن يعتقد مُتابعوها من داخل ومن خارج أنّها مؤشّر إلى رغبة الإدارة في واشنطن في تعطيل لغم كبير قد يؤدّي انفجاره ليس إلى حرب لبنانيّة – إسرائيليّة فقط، بل ربّما إلى حرب إقليميّة أوسع تطاول هذه المرّة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وتُربك القوى الإقليميّة والروسيّة المُتدخّلة في المنطقة وتحديداً في سوريا والعراق واستطراداً اليمن، وربّما تُعقّد العلاقات بين الكبار في العالم أو بالأحرى تزيدها تعقيداً.
ويلفت هؤلاء إلى أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مُصمِّم على منع لبنان من مباشرة عمليّات الحفر والتنقيب في مياهه الإقليميّة المُتاخمة لها لمعرفة إذا كان فيها غاز ونفط، وإذا كانت كميّاته تجعل استثماره تجاريّاً مُربحاً. ودافعه إلى ذلك هو أن “البلوكات” التي قرّرت حكومة لبنان بدء استكشافها ليست فقط مُتاخمة لحدودها، بل أن المنطقة البريّة المجاورة لها (أي الجنوب) تقع تحت السيطرة المُطلقة لحزب الله وقوّاته رغم الوجود الرسمي لقوّات الطوارئ الدوليّة فيها وكذلك للجيش اللبناني. ودافعه الثاني هو معرفته أن المُستفيد الرئيسي من النفط والغاز في حال اكتشافه وافراً وبكميّات تجاريّة سيكون “الحزب”. وهو بادّعائه أن لبلاده حقوقاً في “البلوك رقم 9” وبإصراره على المفاوضات يجعل بدء شركات التنقيب للإستكشاف مستحيلاً، ويدفعها إلى انتظار التسوية التي تعمل عليها واشنطن إذا نجحت. والإنتظار قد يطول وربّما يربطه الإسرائيليّون بالتطوّرات السائدة في المنطقة أو التي ستحصل.
هل ستبادر إيران الإسلاميّة في ضوء تصميم إسرائيل المٌفصّل أعلاه إلى دفع الأوضاع في لبنان أو سوريا إلى التأزُّم بحيث تجد الثانية نفسها مُضطرّة إلى الرّد أو إلى التدخّل، أو كما يتّهمها أعداؤها في المنطقة إلى تنفيذ مشروعاتها المُعادية لدولها العربيّة والإسلاميّة؟
وجّه هذا السؤال مُتابعون جديّون في العاصمة الأميركيّة لا لكي ينتظروا جواباً عنه من أبناء هذه المنطقة، بل ليُقدّموا الجواب الذي يرونه مناسباً وجديّاً. يقول هؤلاء أولاً أنّهم تمنّوا أو يتمنّون أن يكون الهدف من دفع إيران الصراع في سوريا واستطراداً لبنان مع إسرائيل إلى الذروة احتواء الوضع الداخلي فيها، بعد التظاهرات الشعبيّة التي سارت في مشهد ثم في طهران والأحداث، وإن خطيرة التي بدأت تشهدها. ودافعهم إلى التمنّي معرفتهم أن استفزاز إسرائيل أو تحدّيها يمكن أن يكون مُكلفاً جدّاً. إذ في أي مواجهة تقع قد يكون في إمكان إيران وحزب الله إلحاق الأذى بها بواسطة صواريخه الموجودة على أراضيها، كما صواريخها الموجودة في لبنان وسوريا. لكن ردّها عليهما سيكون مُدمّراً نظراً إلى الدعم الذي ستتلقّاه من المملكة العربيّة السعوديّة ومن الولايات المتحدة، وربّما يستعمل الإسرائيليّون إذا اضطرّوا أسلحة غير تقليديّة والمقصود هنا النوويّة، كما أنّهم قد يستهدفون منشآتها النفطية والغازية. فضلاً عن أن لتحدّي إسرائيل أو استفزازها أكلافاً أخرى، منها أنه قد يدفع رئيس روسيا فلاديمير بوتين إلى الغضب لأن علاقاته معها جيّدة، ولأنّه يعتمد عليها في مسائل عدّة أبرزها المعلومات التي تمتلكها عن الإرهاب ومُمارسيه، وعلاقتها الجيّدة مع أميركا. ومنها أيضاً أنه يُهدّد بالخطر الرئيس بشّار الأسد. وهذا أمر لم ترِدْه في السابق، لا بل أنها عارضت أي تحرّك جدّي لإجباره على التنحّي أو لضرب نظامه. ومنها ثالثاً اعتبار لبنان هدفاً للتدمير إذا تورّط “حزب الله” بإطلاق صواريخه على إسرائيل.
هل إيران الإسلاميّة حكيمة أو مُتهوّرة لكي تدفع الوضع إلى الانفجار الكبير؟