اذا كانت مذبحة الغوطة الشرقية هي الرد العملي على النكسات التي تعرض لها الروس في الاسابيع القليلة الماضية، والتي أوحت بان روسيا دخلت بالفعل في طور الاستنزاف، المؤدي الى مسار افغاني جديد، وألمحت بان الغرب قرر أخيراً العمل على كبح جماح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن نجاة المدنيين السوريين لن تتم من غير تدخل غربي مباشر يعيد الامور الى نصابها، ويستعيد قدراً من التوازن المفقود بين المتصارعين في سوريا.. وهو ما يمكن ان يمثله قرار مجلس الامن الجديد الرقم 2401.
لن يتوقف اطلاق النار، وربما لن تتوقف محاولات إخضاع الغوطة الشرقية، لكن القرار الدولي الجديد، الذي ترافق مع تهديدات أميركية وأوروبية بضرب النظام السوري مباشرة، يرسم خطاً أحمر أمام الروس يمنع توسيع رقعة إنتشارهم خارج العاصمة السورية، بقدر ما يبرهن على ان التوازن العسكري -السياسي القائم في الغوطة يحول دون حسم المعركة بسهولة، ويشير الى ان تلك المعركة ستكون واحدة من أقسى المعارك في الحرب السورية، وأكبرها كلفة على الجانبين، وعلى المدنيين طبعا.
لا يمكن عزل مذبحة الغوطة عن الضربات التي تلقتها روسيا أخيرا، بدءا من الاغارة بطائرات درون على قاعدتيها في حميميم وطرطوس، وصولا الى تصفية وحدات عسكرية أرسلها الروس لاستعادة آبار النفط والغاز السورية شرقي دير الزور، مرورا طبعا بمؤتمر سوتشي الذي كان يفترض ان يمثل تظاهرة النصر العسكري الروسي في سوريا الممهد للنصر السياسي على جميع معارضي نظام الرئيس بشار الاسد، فإذا به ينتهي الى إعادة زمام المبادرة السياسية الى الامم المتحدة.
روسيا تنتقم من الغوطة الشرقية.ليس هناك تفسير آخر لتلك المذبحة المرعبة. وإذا اسفر الانتقام عن استعادة السيطرة على تلك المنطقة الحيوية التي تطلق منها بين الحين والاخر قذائف تصيب مبنى السفارة الروسية في دمشق بالذات وتحرم الروس من تحويلها الى قاعدة رئيسية لحملتهم العسكرية والسياسية في سوريا، فإن موسكو تكون قد حققت هدفاً أبعد، وأعمق أثراً في مجرى الصراع السوري. وهو ما ستحدده عملية تنفيذ قرار مجلس الامن الجديد الذي لن يكون مختلفاً عن عشرات القرارات التي صدرت ولم تنفذ ، لكنه أعلن البلاغ الاتي: معركة دمشق لم تنتهِ، لأنها لم تبدأ بعد، ولا يمكن لروسيا وحدها ان تحدد موعدها.
الاستنزاف المتبادل لطرفي الإشتباك الدمشقي ما زال يخدم الجميع، عدا المدنيين السوريين طبعا: يستطيع النظام أن يزعم أنه يدافع عن عاصمته المهددة بشكل يومي بالقذائف والصواريخ العشوائية التي تتساقط على مختلف أحيائها، ويمكن للمعارضة ان تدعي أنها ما زالت تقاتل على تخوم العاصمة ومداخلها الرئيسية.. وكذا الامر بالنسبة الى حلفاء الجانبين الذين لا يمكنهم إنكار رمزية معركة دمشق وضرورة المشاركة فيها بأي شكل من الاشكال. فهي كانت وستبقى أم المعارك السورية، وخاتمتها الكبرى..التي أرجأ قرار مجلس الامن موعدها.
وعدا عن الكلفة الانسانية المرتفعة، فان مذبحة الغوطة، بوصفها من مؤشرات معركة دمشق الختامية المؤجلة، تُفقد طرفي القتال المزيد من الشرعية والمصداقية. فلا النظام سيخرج من المذبحة رابحاً لأي جمهور ، عدا جمهوره الخاص، أو لأي قضية عدا إثبات قدرته المثبتة أصلا وإستعداده الدائم لإعتماد المجازر خياراً عسكرياً وسياسياً وحيداً، ولا المعارضة ستخرج سالمة من تلك المذبحة بإعتبار أنها خاضت مواجهة خاسرة، وتسببت بخسائر بشرية فادحة للمدنيين الذين كانت قد أحالتهم الى رهائن لعمليات الخطف والسلب والنهب والخوة على حواجزها المتناحرة في مختلف مدن الغوطة وبلداتها.
القرار 2401 يؤجل معركة دمشق، لثلاثين يوماً فقط. هي مجرد هدنة جديدة لا تمنح للنظام ولا لمعارضيه، لكنها تستر فضيحة التمثيل بجثث المدنيين السوريين، التي لا يريد العالم الغربي ان تتحول الى مادة يومية على شاشاته.