يبدو هذا الأسبوع حاسماً على صعيد الترشيحات النيابية، إذ يفترض أن يعلن حزبان رئيسيان هما «تيار المستقبل» و «التيار الوطني الحر» أسماء مرشحي كل منهما، بعد الثنائي الشيعي والحزبين «التقدمي الاشتراكي» و «السوري القـــومي الاجــتماعي»، فيما معالم التحالفات ما زالت خاضعة للأخذ والرد على رغم أن اتصالات الفرقاء مازالت قائمة على قدم وساق لرسم صورة المنافسة الانتخابية.
وواصل زعيم «المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل اجتماعاتهما الحزبية لحسم أسماء مرشحيهما، بينما يتريث رئيس حزب «القوات اللبنانية» في اختيار مرشحيه النهائيين حتى مناسبة 14 آذار (مارس)، لإعطاء الإعلان رمزيته.
وعلى رغم أن مهلة تقديم الترشيحات الرسمية تنتهي بعد 9 أيام، أي في 7 آذار المقبل، والمهلة الرسمية لتسجيل المتحالفين لوائحهم الانتخابية تنتهي في 27 آذار بحيث ما زال هناك المزيد من الوقت من أجل إنجاز التحالفات، فإن ملامحها أخذت تظهر بالنسبة إلى الفرقاء الذين بكروا في إعلان مرشحيهم، ولا سيما بالنسبة إلى الثنائي الشيعي في عدد من الدوائر، وهما ينتظران اتضاح وجهة حلفائهم المفترضين وخياراتهم الممكنة في اختيار شركائهم في اللوائح ليبنى على الشيء مقتضاه.
التنافس والاصطفافات
فالتحالفات الانتخابية لن تعبر عن الاصطفافات السياسية التي يمكن أن تظهر بعد صدور النتائج، مع أن القانون الجديد قد يحمل مفاجآت تعاكس بعض التوقعات وتقلص أحجام كتل بعض الفرقاء داخل الندوة النيابية... والأمر نفسه ينطبق على التنافس الانتخابي الذي قد يحصل بين قوى متواجدة في لوائح متقابلة على رغم تقاربهم السياسي، فهذا ما يفرضه النظام النسبي في احتساب النتائج، لأنه يعطي فرصة للائحة المنافسة، الحاصلة على أقل من نصف عدد المقترعين، إذا نالت الحاصل الانتخابي (عدد المقترعين مقسوماً على عدد المقاعد المخصصة للدائرة) بأن تحصد نسبة المقاعد المساوية لنسبة المقترعين الذين أيدوها. فمرشحو كل لائحة قوية يعرفون سلفاً أنهم لن ينجحوا جميعاً، بل أن منافسيهم سيشاركونهم بهذه النسبة أو تلك، للوصول إلى البرلمان. وتصبح مهمة اللوائح المنافسة للأقوياء في طوائفهم ومناطقهم الذي كانوا يحصدون كل مقاعدها أو سوادها الأعظم، بلوغ الحاصل الانتخابي، ثم الحصول على نسبة تمكنهم من اختراق هؤلاء الأقوياء بمقعد أو اثنين... إلخ، وفق موازين القوى الانتخابية، هذا فضلاً عن أن تمكن الخصوم من نيل نسبة وازنة في الصوت التفضيلي يتيح الخرق في مقاعد مهمة، نظراً إلى أن القوى الكبرى لا يمكنها توزيع هذا الصوت التفضيلي على مرشحيها كافة لضمان نجاحهم جميعاً.
نصرالله والعيار الثقيل
يحسب الأقوياء خسارتهم في دائرة على أمل تعويضها في أخرى، وهذا ينطبق على الكتل النيابية الثلاث الكبرى الرئيسة: «المستقبل»، الثنائي الشيعي و «التيار الوطني الحر»، فمجموعها يقارب ثلثي أعضاء البرلمان الحالي.
لكن الاختراقات المحتملة أخذت تقلق القوى الكبرى على ما يبدو، ومنها «حزب الله»، بدليل استنفار أمينه العام السيد حسن نصرالله لخفض عددها قدر الإمكان، فنزل إلى الساحة ليربط اللائحة أو اللوائح التي يمكن أن تنافسه في دائرة بعلبك- الهرمل (10 مقاعد) بـ«المؤامرة» على المقاومة وبالسفارات، لاسيما الأميركية. وترى الأوساط المراقِبة الحملات الانتخابية التي مازالت في بدايتها، أن نصرالله دخلها بخطاب عالي السقف فأعطى الإشارة لمحازبيه لبدء حملتهم الاتهامية للخصوم بشعارات من العيار الثقيل.
ولا تستبعد الأوساط التي ترصد الحملات الإعلامية أن يحذو غيره من أقطاب القوى الكبرى حذوه في رفع الصوت لشد عصب جمهوره ولثني المترددين عن تأييد الخصوم. وفي رأي هذه الأوساط، فإن الحريري كان بدأ هذا النوع من استنهاض جمهوره الانتخابي في مهرجان 14 شباط الماضي، حين أكد امتناع تياره عن التحالف مع الحزب (مع أن الحزب ليس في هذا الوارد) وهاجم المزايدين عليه لعقده تسوية سياسية مع الخصوم، ومنهم الحزب. كما أن هذه الأوساط لم تستبعد أن يكون الهجوم الذي شنه الوزير باسيل على رئيس البرلمان، رئيس حركة «أمل» نبيه بري في سياق استنفار جمهوره انتخابياً أيضاً، لا سيما في الدائرة التي سيخوض المنازلة فيها وتضم أقضية البترون والكورة وزغرتا وبشري المسيحية. وتعتبر الأوساط أن رئيس «التيار الحر» سبق نصرالله والحريري وتسبب بالعاصفة السياسية التي مرت بلبنان نتيجة لهجته التعبوية، متخطياً الحدود حين استخدم عبارات خارجة عن المألوف.
التحالفات حسابية لا سياسية
إلا أن تقصُّد نصرالله الحديث عن دائرة بعلبك- الهرمل يعود إلى أن منافسي الحزب من قوى حزبية وسياسية وعائلية ورموز من المجتمع المدني، يسعون إلى تجميع صفوفهم في لائحة واحدة، على غرار ما فعلوه في الانتخابات البلدية في بعلبك، واســـتطاعوا نيل أكثر من 45 في المئة من الأصوات، ما يعني أنهم إذا تمكنوا من حصد أقل من تلك النسبة بقليل، يستطيعون خرق لائحة الثنائي الشيعي بمقعدين أو أكثر. وهناك عامل آخر قد يلـــعب دوره، هو التململ الذي لقيه اختيار الحزب بعض مرشحيه متجاوزاً تمثيل العائلات التــقليدية، إضافة إلى الاحتجاج الذي تسبب به اختياره مرشحين من خارج مناطقهم، مثل المرشح الشيعي في دائرة كسروان- جبيل، وهذا قد يدفع إلى تعدد اللوائح وبالتالي تشتيت الأصوات، لاسيما التفضيلية منها. هذا بينما يثق مرشحو الحزب بقدرته على إدارة توزيع الأصوات التفضيلية.
ويذهب بعض الأوساط إلى تشبيه اضطرار الحزب إلى تبني ترشيح بعض الأسماء، (والأمر ينطبق على «التيار الوطني الحر» أيضاً) بما كان يحصل سابقاً مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين كانت الوصاية السورية تفرض عليه أن يحمل على لوائحه مرشحين بطلب من دمشق درجت العادة على تسميتهم بـ «الودائع» السورية. ومن يشبههم في بعض اللوائح يشكلون «ثقالات» عليه وعلى غيره. وقد يسهل ذلك لفئة من المقترعين أن يعرضوا عن تأييد لوائح درجت العادة أن يصوتوا لها لأسباب تتعلق بالانتماء المذهبي والسياسي. وتفيد المعلومات بالنسبة إلى «حزب الله» مثلاً، بأن نصرالله سيكثر من إطلالاته التلفزيونية وخطاباته لاستدراك ما يمكن أن يخفض من نسبة المقترعين للوائحه، ولتعويض التململ بشد عصب الجمهور الشيعي إلى جانبه.
وما لفت الأوساط المتابعة اتصالات الفرقاء من أجل صوغ تحالفاتها في الدوائر كافة، أن تأخر بعضها في اختيار مرشحيه يعود إلى أن اختيار الأسماء في بعض الدوائر مرتبط بهوية الحليف وقدرته على أن يشكل رافعة لمرشحه أم لا. وتعتقد هذه الأوساط أن طبيعة القانون فرضت نقاشاً حسابياً بين الفرقاء وليس نقاشاً على تجديد أو تكريس التحالف السياسي، وهذا ما أدى إلى اتفاق على الافتراق الانتخابي بين حلفاء، إلى درجة أن «حزب الله» أبلغ حليفه «التيار الحر» بأن يعقد الاتفاقات التي تريحه وتؤمن له الربح ولو كان ذلك بالتحالف مع خصوم.
إلا أن الأوساط نفسها ترى أن القانون الجديد أربك القوى السياسية كافة بلا استثناء طالما أنه فرض البحث بالحصص في تركيب اللوائح وتمحيصاً للجانب التقني من العملية الانتخابية، بدلاً من التوجهات السياسية.
ويقول المتابعون إن تأخر حسم التحالفات في النقاشات الدائرة بين «التيار الحر» وبين «القوات اللبنانية»، وبين كل منهما و«المستقبل»، وبين الأخير و «الحزب التقدمي الاشتراكي»، الذي لم تؤد الاتصالات إلى توضيح تحالفه أو افتراقه عن «التيار» و«القوات» بعدُ في عاليه- الشوف، وبين «القوات» و«الكتائب»... وبين الأحزاب المسيحية الثلاث والقوى السياسية الفاعلة أو المرشحين أصحاب الأوزان المحلية في الدوائر المسيحية، قد يؤدي إلى تأخير «المستقبل» و «التيار الحر» إعلان أسماء مرشحيهما هذا الأسبوع إلى مطلع الأسبوع المقبل، جرياً على عادة القوى السياسية اللبنانية ترك الأمور إلى اللحظة الأخيرة.