لم يفرّق واضعو الدستور اللبناني بين امرأة ورجل يومَ نصّوا موادّه، فاتحين المجال أمام الجميع في الدفاع عن وطنهم. أما هي فلم تخذلهم، فدخلت المؤسّسة العسكرية يومَ فُتح لها المجال، وأثبتت نفسَها وحاربت يومَ توسّعت مساحة هذا الإنخراط، حتى باتت أخيراً على مشارف تعليق نجمة «العميد».
قبل عام 1989، يومَ كان الرئيس ميشال عون رئيساً للحكومة وقائداً للجيش لم تكن هناك خدمة عسكرية للنساء في الجيش اللبناني، نتيجة ظروفٍ عدّة فرَضت نفسَها آنذاك، أوّلها الحاجة إلى عسكريّين لملء المراكز الإدارية، والحاجة إلى عسكر رجال على الجبهات، وثانيها الضغط من الناس لتحفيز الشباب على الانخراط في الجيش.
أمّا بعد هذا العام فبدأت النساء بالانخراط ولكن بنسبٍ قليلة، واليوم مع وصول العماد جوزف عون إلى قيادة الجيش زادت أعدادُ النساء في هذا المجال خصوصاً أنّه يُولي أهمّية كبرى للمرأة ويرى أنّ وجودَها أساسيٌّ في خطته لبناء جيشٍ حديث ومتطوّر.
في هذا الإطار، نجح منذ فترة في امتحانات التطوّع للجيش لصالح الحرس الجمهوري ما مجموعه 151 فتاة يملكن مستوى علمياً وثقافياً عالياً، قُسّمن الى مجموعتين: الأولى تابعت دورة عدد أعضائها 72 وقد تخرّجن، والثانية 79 يُتابعن دورة في لواء الحرس الجمهوري. وأمس قام قائد الجيش بزيارة تفقّدية مطلعاً على أوضاعهنّ وعايَن عن قرب متابعتهنّ للتدريب.
وأكد عون أنّ «المرأة تؤدّي دوراً أساساً في المجتمع وسبق أن أدّته في مراحل خطرة، فقبل معركة «فجر الجرود» كانت لدينا نساءٌ من الشرطة العسكرية على حاجز وادي حميد وهي أخطر نقطة في عرسال كانت معرّضة لهجمات، لكنني لم ألمَس يوماً تردّداً من هؤلاء النساء»، مضيفاً: «نسعى إلى تفعيل دور المرأة في المؤسّسة العسكرية مع زيادة العديد، وأملنا كبير فيكنّ، وعنصر المرأة في الجيش ممتاز ويعطي صورة أكثر من جيدة عن الجيش خصوصاً من ناحية الانضباط».
إنخراطٌ منضبط
شعار نساء هاتين الدورتين «كل شي منيح كل شي تمام يا ريت فتنا من زمان»، أمّا سبب تطوعهنّ لصالح الحرس الجمهوري، فهو لأنّ قيادة الحرس الجمهوري استطاعت تأمين كلّ التحضيرات اللوجستية اللازمة التي تُسهّل إقامة هؤلاء الفتيات، رغم أنّ قسماً منهنّ فقط سيبقى في الحرس الجمهوري فيما سينتقل قسم آخر الى الجيش.
وهنا لا بد من الإشارة الى أنّ المرأة أصبحت موجودة على المستويات كافة في الجيش، سواءٌ في الإدارة وفي كل الوحدات العسكرية ما عدا الوحدات القتالية، على الرغم من أنّ ثمّة فتيات يقمن بمهمات ذات طابع خطير على الجبهات أو في المناطق القريبة من الجبهات أو الحامية.
مثلاً في عرسال كانت مهمة الفتيات الموجودات على حاجز وادي حميد تفتيش النساء، وفي مخيم عين الحلوة هناك مجنّدات على مداخله يفتّشن النساء، في مديرية المخابرات هناك مجموعة من النساء، كذلك على مستوى الضباط هناك فتيات متخصّصات في الإدارة وغيرها وبعضهنّ وصلن الى رتبة عقيد ومرشحات ليصبحن برتبة عميد قريباً.
أما سبب عدم قيام دورات حربية عادية للفتيات لمدة 3 سنوات في الكلية الحربية على غرار الذكور، فهو ناتج عن أنّه حتى اليوم لم توضع الفتيات في وحدات قتالية رغم أنّ بعض المتميّزات من بينهن تابعن في الفترات الماضية دورات على القتال والاقتحام والمداهمة مع أفواج خاصة من الجيش، لكن من دون أن يشاركن في أيّ عمليات قتالية.
والدورة هي عبارة عن 13 أسبوعاً من التدريب الفعلي، يُتّبع خلالها المنهاج نفسه الذي يتّبعه الذكور، كما أنّ التمارين العسكرية تكون شاقة وقوية وتقام لهنّ محاضرات في مجالات مختلفة، ليتمّ اختيارُ عدد منهنّ لاحقاً لمتابعة دورة أمن وحماية وهو ما يحتاج له الحرس الجمهوري.
اللافت أنّ هذه الدورة مميَّزة جداً لجهة الانضباط حيث لم تسجَّل أيُّ حالة فرار أو انسحاب وهناك التزام لدى الفتيات أكثر من الذكور، كما أنّ قدرة الاستيعاب كبيرة وسريعة، قد تكون عائدة لمستواهنّ الثقافي والتعليمي العالي، والملاحظ حسب المدرّبين أنّ شخصياتهنّ باتت أقوى رغم أنّ بعضهنّ على احتكاك مع هذا النوع من صعوبة الحياة للمرة الأولى.