"لبنان يستعد لإطلاق العملة الرقمية التي ستؤدي إلى تطوير مهم في مجال الاقتصاد الرقمي". قالها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل أيام. ولا يزال هذا التصريح يضجّ بين الأوساط الاقتصادية والمالية، التي وضعت إشارات استفهام حول غاية مصرف لبنان من إصدار عملة رقمية تحذر منها الدول المتقدمة.
يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ"ليبانون ديبايت" أن هناك لغطاً كبيراً بين العملة الرقمية المعروفة في الأسواق، والعملة الرقمية التي تحدث عنها حاكم مصرف لبنان.
العملات الرقمية المطروحة في الأسواق ترفض كثير من السلطات المالية ومن بينها مصرف لبنان تسميتها بالعملة بل يسمونها سلعة، لأن العملة بحسب النظرية الاقتصادية لديها مقومَين أساسيَين: اقتصاد البلد والاحتياطي من العملات الأجنبية الموجود في المصرف المركزي لدعم العملة.
أما العملات الرقمية الموجودة في السوق مثل "بتكوين" وغيرها ليس لديها الأصول المالية والاقتصادية التي تدعمها، وبالتالي لا تملك هذَين المقومَين، لذلك هي عرضة للعرض والطلب بشكل كبير.
ويلفت عجاقة إلى أن العملة الرقمية استفادت من تقنية حسابية تسمى "بلوك تشين" وهي تقنية قوية لا يمكن خرقها وتضمن العمليات التجارية عبر الانترنت، وتوفر على المشتري أو البائع عبر الانترنت استخدام بطاقته المصرفية وتعريضها للسرقة. ويمكن استخدام هذه التقنية بأية عملة مطلوب صنعها من دون الحاجة لأصول مالية أو اقتصاد.
وبالعودة لطرح حاكم مصرف لبنان، يشدد عجاقة على أن سلامة لا يعترف بهذه العملات الرقمية ويسميها سلعة، لكن ما يريد فعله هو الاستفادة من تقنية "بلوك تشين" ومن فكرة العملة الرقمية ولكن بالمعنى الحقيقي للعملة وليس بمعنى السلعة.
يفكر الحاكم بخلق عملة للبنان غير ملموسة عبر الانترنت تكون موازية لليرة، ينظمها ويحميها مصرف لبنان عبر الدعامتين (الاقتصاد اللبناني والاحتياطي)، والهدف من وراء هذه العملة هو دعم الاقتصاد.
هل فعلاً يمكن لهذه العملة أن تدعم الاقتصاد اللبناني؟ لهذه العملة أن تسهل عمليات البيع والشراء على اللبناني عبر الانترنت، بطريقة آمنة ومضمونة من دون تعريض البطاقة المصرفية لخطر السرقة. الأمر الذي يُشجع على زيادة العمليات التجارية أي زيادة الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي دعم الاقتصاد وزيادة الثقة فيه، وفقاً لعجاقة.
ويفسّر الخبير الاقتصادي محاولة خلق العملة الرقمية بدلاً من استخدام الليرة، أولا بحرص مصرف لبنان على الليرة، وثانيا بهدف تفادي التعامل بالدولار في التعاملات الخارجية. فعندما يشتري اللبناني شيئا من الخارج عبر الانترنت يضطر للدفع بالدولار، ولا يمكنه الدفع بالليرة. لكن عندما يكون لديه عملة رقمية يمكنه الدفع بها وإن كانت لبنانية لأن البائع يمكنه تحويلها للدولار أو اليورو أو أي عملة أخرى بكبسة زر واحدة.
لكن هل تتناسب مثل هذه العملة مع الواقع اللبناني؟ يجيب عجاقة: "لا يمكن القول إن لبنان مهيأ لمثل هذه العملة، لأن المشرع اللبناني الذي يختلف على جنس الملائكة غير مهيأ لمواكبة التطور الرقمي العصري".
وعن جهوزية مصرف لبنان لذلك يقول عجاقة: "أنْ يصرّح حاكم مصرف لبنان عن الموضوع هذا يعني أنه أكثر من جاهز، لكن اعتقد أن الأمور متوقفة عند الطبقة السياسية المشرّعة". ويشيد بمبادرة سلامة ويؤكد أنه "بظل كل الأمور السوداء التي تحصل يحمي حاكم مصرف لبنان عملتنا الوطنية ودائما ما يفاجئنا بأفكار ومبادرات جديدة تفيد البلد وتنهض باقتصاده".