فيما لا تزال التحالفات الانتخابية محكومة بالضبابية، بفِعل القانون الذي يعتمِد نظام الاقتراع النسبي مع الصوت التفضيلي الواحد، ما يجعل من الشراكة الانتخابية خياراً معقّداً بالنسبة إلى أغلب القوى، يتّجه تيارا المُستقبل والوطني الحرّ إلى إنجاز اتفاق التحالف بينهما، إذ علِمت «الأخبار» أن «النقاش بين الطرفين حقّق تقدّماً ملحوظاً، لكنه مشروط بالتحالف في كل المناطق التي فيها قواعد شعبية مشتركة».
وفي هذا الإطار، تقول مصادر تيار المُستقبل إنه «على الرغم من إدراك الرئيس سعد الحريري أنه قد يكون من الأفضل له دخول السباق الانتخابي بلوائح ومرشّحين مُستقبليين، لكنه يرى أن التزامه الأخلاقي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يفرِض عليه هذا التحالف، خصوصاً أن عون ملتزم باتفاق التسوية الذي يضمن للحريري البقاء في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة». وأشارت المصادر إلى أن «النقاش في التحالفات الذي شمل كل الدوائر، قد يؤدي إلى سحب بعض الترشيحات واستبدالها بأخرى لمصلحة التحالف الثنائي بينهما».
وأشارت مصادر واسعة الاطلاع في تيار المُستقبل إلى أن «إعلان التحالف النهائي يحتاج إلى بعض الوقت»، وهو مرهون بعاملين أساسيين: الأول، أن «ليس لدى المُستقبل مقاعد يهبها لأحد، وحيث يستطيع أن يحصل على مقعد سيأخذه ولن يجيّره لأي طرف. ومن هذا المنطلق، يُصرّ المُستقبل على أن يكون المقعد الكاثوليكي في جزين من حصّته، كما يُطالب بمقعدين في زحلة، أحدهما المقعد السنّي». أما العامل الثاني، فهو «قرار تيار المُستقبل بعدم التحالف مع فريق سياسي في دائرة معينة، إذا كان هذا الفريق نفسه سيتحالف مع خصومه في دوائر أخرى». ومن بين الأمثلة على ذلك القوات اللبنانية «التي لا تستطيع أن تطلُب منا التحالف في إحدى الدوائر، إذا ما قرّرت دعم أشرف ريفي في طرابلس». لكن المصادر نفسها نفت أن يكون المُستقبل قد اتخذ قراراً بعدم التحالف مع القوات، بل على العكس «نحن نحاول التحالف مع القوات، وقد نتمكّن من ذلك في بعض الدوائر، كعكار وبيروت».
وفيما يعمَل وزير الإعلام ملحم رياشي على بلوغ المحادثات بين القوات وتيار المستقبل نتيجة إيجابية «ستتبلور في اجتماع يعقد غداً (الأحد) بينه وبين رئيس الحكومة ووزير الثقافة غطاس خوري ونادر الحريري لحسم أمر الاتفاق السياسي من عدمه»، من المفترض أن يبلّغ رياشي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع «بالنتيجة التي سيُحسَم على أساسها الاتجاه السياسي العام لمعركة الخط السيادي في لبنان»، بحسب ما قال وزير الإعلام لـ«الأخبار».
أما على مقلب المُفاوضات بين التيار الوطني الحر والقوات، فقد خلص الاجتماع الثلاثي الذي كان قد عُقد في ميرنا شالوحي، وضمّ رياشي والوزير جبران باسيل والنائب إبراهيم كنعان، الى تحديد سقف الاتفاق السياسي وفق ثلاثة أسس، بحسب وزير الإعلام. وهو الاجتماع الذي نتج منه اللقاء الأخير الذي عقد في منزل كنعان وضمّ الى رياشي الأمينة العامة للقوات شانتال سركيس ومسؤول الماكينة الانتخابية في التيار الوطني الحر نسيب حاتم. والأسس الثلاثة بحسب الرياشي هي: تحالف في كل المناطق، تحالف على القطعة في حال فشل الاتفاق الشامل، احترام إعلان النوايا بغية عدم إحياء الشياطين النائمة وتحويل الاختلاف الانتخابي والسياسي الى خلاف مسيحي ــ مسيحي في حال فشل الخيار الثاني لضرورات تخصّ المصالح الانتخابية». ووفقاً لوزير الإعلام، فإن دوره قد انتهى بعد تحديد الأسس، وبات الملف في عهدة الأمينة العامة شانتال سركيس، وهي تُتابعه مع كنعان وحاتم، ويفترض بها أن «تنقُل ما يتوصّل إليه البحث الى جعجع لإعطاء موافقته واتخاذ القرار السياسي المُناسب».
وعن مصير التفاهم مع القوات، يقول النائب كنعان لـ«الأخبار» إن «العمل الآن يرتكِز على تحديد مدى إمكانية التحالف وفي أي دوائر». وأضاف: «سبق الاجتماع في منزلي اجتماع في معراب، تم فيه إجراء جولة على كل المناطق، حيث حدّدنا بشكل عام الدوائر التي يُمكن التعاون فيها. وعلى الاثر، طلب جعجع من سركيس الاجتماع بماكينة التيار. وبعدها حصل اجتماع ميرنا الشالوحي، وتلاه اللقاء في منزلي للإشراف على مسار التفاوض». وتأكد بنتيجته، وفقاً لكنعان، أن «هناك إمكانية للتحالف، خاصة في الشوف وعاليه، وقد تنسحِب إلى بعض المناطق الأخرى، ومنها المتن وبيروت الثانية». وأشار إلى أن «القوات قد أبلغتنا بالمناطق التي ترى أن لا مصلحة للطرفين في التحالف فيها. لكننا مصرّون على استكمال هذا المسار وترجمته بقدر المستطاع في التحالفات المقبلة».
وفيما دشّن كلّ من حزب الله وحركة أمل رسمياً ــ بعد إعلان تحالفِهما الانتخابي في كل الدوائر ــ الترشيحات التي حسمت لائحتيهما في دائرتي «الجنوب 2» و«الجنوب 3»، كرّت السُبحة تِباعاً، إذ أعلن نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أمس، خلال إطلاق الماكينة الانتخابية لدائرتي بعلبك ــ الهرمل وزحلة، أن لائحة بعلبك ــ الهرمل اكتملت باستثناء المقعد الماروني. أما أسماء المرشحين فهي: حسين الحاج حسن، علي المقداد، إيهاب حمادة وإبراهيم الموسوي عن (حزب الله)، غازي زعيتر عن (حركة أمل)، جميل السيد والوليد سكرية (مستقلان). وسينضم إلى لائحة الوفاء للمقاومة يونس الرفاعي (المقعد السنّي)، وهو ممثل جمعية المشاريع الخيرية، والنائب السابق ألبير منصور (عن المقعد الكاثوليكي)، في انتظار التفاهم مع التيار الوطني الحرّ على المقعد الماروني. وبالنسبة إلى دائرة زحلة، أعلن قاسم «أننا اتفقنا على مرشحين: الأول، مرشح حزب الله أنور جمعة، والمرشح الثاني هو الوزير السابق نقولا فتوش، على أن تكتمل اللائحة في الأيام المقبلة». ومن غير المستبعد أن يتطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى الملف الانتخابي، في خطاب يلقيه عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، في ذكرى أربعين عاماً على تأسيس حوزة الامام المنتظر في بعلبك.
«بيروت مدينتي» لا تشارك في الانتخابات وتتنصّل من منيمنة
من جهة أخرى، فاجأ الحزب السوري القومي الاجتماعي الجميع بعدم حسم مرشحيه عن دائرتي بعبدا والمتن الشمالي، لأنهما «يخضعان لمزيد من البحث والتشاور، على أن يصدُر القرار في شأنهما لاحقاً»، كما قال رئيس الحزب حنا الناشف، أمس، خلال إعلان لائحة المرشحين وبرنامج الحزب الانتخابي. وقد تمثّل عنصر المفاجأة تحديداً بعدم تبنّي ترشيح الوزير السابق فادي عبود عن المقعد الماروني في المتن، رغم تأكيد نية الحزب ترشيحه في الفترة الأخيرة. وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد أدى اعتراض بعض المحازبين على تبنّي الحزب القومي ترشيح عبود الى إرجاء إعلان اسماء مرشحي الحزب في المتن الشمالي وبعبدا. وفيما قالت مصادر حزبية إن «الإرجاء مرتبط ببعض الأمور التفصيلية المتعلّقة بالتحالفات»، أوضحت مصادر أخرى أن «اجتماع المجلس الأعلى للحزب شهد اعتراضاً على ترشيح عبود للنيابة، وحصل تراشق كلامي بين المعترضين وعبود، حاول رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان التخفيف من حدته، فتقرّر إرجاء بتّه». وقد أعلن الحزب باقي مرشحيه وهم: أسعد حردان (حاصبيا مرجعيون)، ألبير منصور (بعلبك)، سليم سعاده (الكورة)، فارس سعد (بيروت الثانية)، إميل عبود (عكار)، ناصيف التيني (زحلة)، حسام العسراوي (عاليه) وسمير عون (الشوف).
من جهة ثانية، أعلنت هيئة التنسيق في «بيروت مدينتي» أنه وفقاً لتصويت جمعيتها العمومية، قررت عدم المشاركة في الانتخابات النيابية؛ «وفي هذا السياق يكون ترشح المهندس إبراهيم منيمنة وسواه من الاعضاء ترشحاً شخصياً بالكامل ولا يعبّر عن أي تغيير أو تبدل في قرارات «بيروت مدينتي» ومواقفها»، كما جاء في البيان.