تبقى الأولوية الداخلية محصورة بالتحضير للانتخابات النيابية إن على صعيد الترشيحات التي سيقفل بابها في السادس من الشهر المقبل، او على صعيد اللوائح والتحالفات التي فرضت حالاً من البلبلة في اوساط القوى السياسية وبين بعضها البعض.
الّا انّ أولوية الانتخابات على أهميتها، لم تحجب العنوان الامني، الذي يبدو انه في رأس سلّم الاولويات. ويؤكد ذلك الكم الكبير من الانجازات التي تحققها الاجهزة الامنية والعسكرية على هذا الصعيد، وآخرها ما أفيد قبل ايام قليلة عن كشف الامن العام لمخطط إرهابي كان يستهدف الجيش اللبناني، وتلتها قبل يومين، عملية نوعية لمخابرات الجيش تمكنت خلالها من كشف خلية إرهابية خطيرة وإلقاء القبض على أفرادها.
والواضح في السياق الامني، انّ لبنان نجا من مسلسل ارهابي خطير خلال الاشهر الاخيرة، التي شهدت جهداً امنياً استثنائياً مَكّن الاجهزة الامنية من الإطباق على مجموعات ارهابية كبيرة جداً. وعلمت «الجمهورية» في هذا المجال انه خلال هذه الفترة تمكّنت مديرية المخابرات في الجيش من الاطباق على أعداد ضخمة من الارهابيين وتوقيفهم، واللافت انّ عددهم يزيد عن الألفي إرهابي.
ولا يبدو انّ العنوان الامني يحتلّ فقط اولوية لدى الاجهزة الامنية فقط، بل هو في رأس قائمة اولويات المراجع السياسية، على نحو ما اكد مرجع سياسي لـ«الجمهورية» بقوله: نحن مطمئنّون للوضع الامني بشكل عام، وفق تأكيدات المراجع العسكرية والامنية، ونحن نشهد لها الجهد الذي تقوم به.
ولكن على رغم ذلك، لا نأمن للإرهابيين بأن يغدروا بلبنان بأيّ عملية إرهابية، ومن هنا الاحتياط واجب خصوصاً في هذه المرحلة، ومن هنا اتخذت الاحتياطات والتدابير اللازمة، وتمّت تلبية نصائح أمنية حيث أدخلت تعديلات في أجندة نشاطات وتحركات العديد من المراجع.
النفط البحري
من جهة ثانية، أكّد لبنان الرفض القاطع للمَسّ بسيادته وبحقوقه في ثروته النفطية البحرية، وجاء هذا التأكيد المتجدّد على لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي اكد خلال لقاء تلفزيوني من العراق «انّ الوضع الحالي لا يسمح لإسرائيل ان تتخطى الحدود، لأنّ هناك قراراً لبنانياً بالدفاع عن هذه الحدود براً وبحراً».
وكشف عون أنه اثار أمام وزير الخارجية الاميركية ريكس تيليرسون مشكلة النزاع مع اسرائيل حول حدود لبنان البحرية والبرية، وأوضح له أنّ لدى لبنان خرائط تعود الى عشرينات القرن الماضي تثبت حقوقه بأرضه وهي موجودة بيَد العالم بأسره، ولا يمكن التلاعب بها، مُعتبراً انّ ما تطالب به اسرائيل في هذا السياق يؤدي الى خسارة هذه الحقوق، ومطالباً إيّاها باللجوء الى التحكيم، «وإلّا قد تكون النتائج مأساوية وإسرائيل تدرك ما معنى ان نصل لهذه النتائج».
وعن حلّ النزاع حول الحدود البحرية، اعتبر انه يمكن اللجوء الى طرف ثالث خبير في مثل هذه النزاعات تحت رعاية الامم المتحدة، لتحديد الحدود والبَتّ في هذه المشكلة.
بري
والرفض اللبناني للطرح الاميركي حول النفط البحري والبلوك رقم 9، أعاد التأكيد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، مشدداً «اننا لا يمكن ان نتخلّى عن حبّة تراب في البر، ولا عن نقطة مياه في البحر».
وعلمت «الجمهورية» انّ بري أبلغ هذا الموقف لساترفيلد، بل اكثر من ذلك، حيث شدّد على انّ مساحة الـ860 كلم2 في البحر (البلوك رقم 9)، هي ليست وحدها ملك للبنان وضمن مياهه الاقليمية وحدوده البحرية، بل تُضاف اليها مساحة تزيد عن 500 كلم2 جنوباً، هي ايضاً ملك للبنان. وبالتالي، لا حق لإسرائيل ولا بميليمتر واحد ضمن هذه البقعة اللبنانية».
وعلم ايضاً انّ ساترفيلد تبلّغ ايضاً الموقف اللبناني الرافض لِما سمّيت في عين التينة «عملية التحايل على لبنان، سواء بمحاولة قضم حدوده البحرية او محاولة قضم حدوده البرية»، وذلك بعدما تلقى لبنان من ساترفيلد طرحاً اميركياً اسرائيلياً لحل النقاط الـ13 المختلف عليها في البر، حيث اقترح الاميركيون المقايضة بين البر والبحر، على قاعدة «نعطيكم في البر تعطونا في البحر».
وهو ما اشار اليه الاميركيون بالمناصفة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي في بعض النقاط البرية، اي تقاسمها تحت عنوان انّ مساحتها لا تتعدى امتارا (25 متراً) والتقاسم يزيل سبب توتر بين لبنان واسرائيل حول هذه النقطة. الّا انّ هذا الطرح ينطوي على خطورة كبيرة، إذ مجرد القبول بالتخلي عن الـ12 متراً على البر، وهي تمتد اصلاً الى البحر، يعني التخلّي عن مساحة تزيد عن 300 و400 كلم2 في البحر وما تكتنزه من ثروات.
وقالت اوساط الرئيس بري لـ»الجمهورية»: قلنا ما لدينا في ما خَصّ تمسّكنا بحقوقنا. ولا تراجع عنه، وكان واضحاً امامنا انّ كل الطروحات التي حملها الاميركيون تأتي المصلحة الاسرائيلية في رأس أهدافها، ولا يريدون اكثر من ذلك. والرئيس بري كان واضحاً في رفضه التحايل على لبنان، وتمرير قاعدة ما لنا لنا وما لكم لنا».
في السياق نفسه، كشف مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ لبنان يتعرض لهجمة ديبلوماسية تَصبّ في خدمة الطرح الاميركي حول الحدود البحرية.
وقال المرجع إنه تلقّى من شخصيات دولية أممية واوروبية التقاها في الساعات الماضية، نصائح للبنان لتليين موقفه من الطرح الاميركي، وخصوصاً انه قد تكون لهذا التليين آثاره الايجابية جداً في المؤتمرات الخاصة بلبنان التي تعقد في المرحلة القريبة.
ولاحظ المرجع في هذه «النصائح» بُعداً ابتزازياً للبنان يربط ما قد يُحصّله من تلك المؤتمرات بتنازله عن حقه في حدوده ومياهه وثرواته. واشار المرجع الى انّ جوابه جاء بما حرفيته: لن نضيّع حق لبنان.
البواخر
من جهة ثانية، يبدو انّ بواخر الكهرباء ستُبحر مجدداً على خط الازمة، وسط الحديث المتجدد عن إعادة إحياء الصفقة حولها وتمريرها بالتصويت عليها في مجلس الوزراء. علماً انّ مجرّد طرحها على التصويت سيتسبّب بأزمة بين القوى السياسية، خصوصاً انّ الجبهة الاعتراضية على هذه الصفقة متراصّة اكثر من اي وقت مضى.
وفيما اكد «حزب الله» على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم «انهم يضعوننا امام معادلة إمّا بواخر او لا كهرباء»، قال الرئيس بري: اذا لم يكن هناك معامل كهربائية على البر لا يمكن ان نوافق على الصفقة. وأنا شخصيّاً سبق لي ان حدّدت لهم الاماكن المناسبة على البر لإنشاء معامل، وبالتالي لا عذر.
«القوات»
واكد مصدر في القوات اللبلنانية رفض الصفقة، وقال لـ«الجمهورية»: خلال نقاش موازنة ٢٠١٧ طالبنا بخطة، بهدف تخفيض الهدر وتأمين الكهرباء لأنّ لبنان يدفع ١٫٥ مليار دولار سنوياً كدعم للكهرباء، وهذا المبلغ يزيد مع زيادة سعر النفط. عرضت الخطة ووافقنا عليها، لكن الإجراء غير القانوني وغير التنافسي المتّبَع للاختيار والتلزيم أدى الى توقيف صفقة الانتاج المؤقت لأنها لم تجر حسب الأصول، وأصبح الموضوع مع مجلس شورى الدولة بعد رفض إدارة المناقصات له وطعن المتضررين واعتراض بعض الوزراء الى جانب القوات اللبنانية.
وأشار المصدر الى انه لم يكن هناك أي اعتراض او عرقلة للبدء بمسار المعامل الدائمة بالتوازي، رغم انّ المرحلة التحضيرية لدفتر الشروط تتطلّب مدة سنة، وهذه مدة طويلة، ولكنّ الوزير لم يقم بتلزيم الاستشاري بالمهمة الى الآن. ولو فعلوا ذلك منذ سنة لكنّا الآن في مرحلة المناقصة.
واكد المصدر انّ الإصرار على انّ هناك شركة واحدة فقط يمكنها القيام بالمهمة مرفوض، لأنّ شركات عديدة تقدمت بحلول أفضل على البحر والبر، ولأنّ دفتر الشروط رُفض تعديله بحسب الملاحظات التي قدمت في مجلس الوزراء، وتمّ تقليص مدة التنفيذ لشطب الشركات التي طالبت بضعة أسابيع إضافية، ورفض ان تقدّم الدولة مساحة على الارض بغية استبعاد الحلول على الارض، والتي كان بالإمكان تنفيذها في مدة قصيرة، كما استبعد حلّ الغاز وهو أقل كلفة. فأصبح دفتر الشروط مفصّلاً على قياس باخرة تعمل على الفيول اويل ويمكنها ان تبحر خلال ايّام من شاطئ قريب.
كل ذلك بحجة تأمين الكهرباء في صيف ٢٠١٧ وأين نحن الآن؟ وبالتالي، نرفض تحت اي عنوان تخيير اللبنانيين بين العتمة والبواخر، ونتمسّك بموقف القوات الثابت بضرورة اعتماد الآليات القانونية.