القريبون أنفسهم من فريقي “التفاهم” المتابعون من قرب تطوّر علاقتهما منذ توقيعه ولا سيما في الأشهر الأخيرة، يقولون أن رئيس حركة “أمل” ومجلس النواب نبيه بري أدرك أن الوضع في البلاد اقترب كثيراً من مرحلة الخطر الجدّي والفعلي، فبادر الى الاعتذار الى “الشعب” الذي أساءت إليه تحركات “جماعته” كما قيل، وتخلّى عن طلب اعتذار رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل منه شخصياً مقترحاً عليه الاعتذار للشعب أيضاً. ولم يربط ذلك بالتجاوب مع اتصال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون به. إذ رحّب به ثم التقى الرئيسان في قصر بعبدا وبدأت الحلحلة. وللإنصاف يمكن القول هنا أن بري اقتنع بالفصل بين رئيس الدولة و”التيار” الذي أسّس وفي سرعة، وخصوصاً بعد التهديدات الجدية والخطيرة الاسرائيلية للبنان. وفي هذا المجال يشير هؤلاء الى أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يكن له أي دور في الوساطة بين بري وعون، وتالياً في حل المشكلة. وما قاله لرئيس المجلس عندما اتصل عون به هاتفياً كان “كرامتك من كرامتنا” وكلمات أخرى. ولا يمكن الانكار هنا أنها كانت كلمات ايجابية ومطلوبة.
ويعود القريبون الى مرحلة نشر “الفيديو” المسيء الى بري، فيقولون أن باسيل شعر ربما بالخطأ وساوره القلق من تفاعلات ما قاله فيه، فاتصل بزملاء صحافيين في الزميلة “الأخبار” سائلاً عن ردود الفعل وعن تقويمهم للتطورات الممكنة، فشرحوا له خطورة الوضع وما قال ونصحوه بضرورة الاعتذار السريع والواضح. فأبدى أسفه لما حصل وطلب منهم نشر ذلك عن لسانه. فأجابوه أنهم سينشرونه رغم اقتناعهم بأنه ليس كافياً. لكنه رفض التجاوب مع نصائحهم. علماً أن الاعتذار الصريح والواضح كان مطلب بري و”حزب الله” وجهات أخرى كثيرة من مكوّنات لبنانية عدة. وعندما تجمهر مؤيدو “أمل” حول “ميرنا الشالوحي” مقر قيادة “التيار” ثم عندما توجه مسلحون منهم الى الحدث، شعر بأن ذلك يفيده شعبياً فتمسك بتشدده. ما هدفه من ذلك؟ يعتقد “حزب الله” استناداً الى القريبين أو المتابعين أنفسهم أن لباسيل هدفين واحد مهم وربما ضروري شعبياً وليس قانونياً أو دستورياً، وآخر أكثر أهمية وبما لا يُقاس. الأول هو النجاح في حصوله على ثقة شعبية واسعة في البترون أولاً وفي الكورة وبشرّي وزغرتا ثانياً تمكنه من دخول مجلس النواب. وهو أمر فشل في تحقيقه سابقاً. والثاني الأكثر أهمية هو خلافة مؤسس “تياره” الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية اللبنانية. ومن أجل تحقيقه الهدف الثاني هذا رأى أن عليه الانفتاح على المملكة العربية السعودية وعلى دول عربية أخرى، كانت علاقته بها فاترة جرّاء تناقض موقعه كوزير للخارجية و”كمفوّض” من رئيس الدولة ومن “التفاهم”، كما جرّاء تناقض المواقف بينه وبينها من قضايا الداخل وقضايا المنطقة العائد الى كون من ينطق باسمهم حلفاء للجمهورية الاسلامية الايرانية العمود الفقري لمحور “الممانعة والمقاومة” الذي يواجه محور السعودية وحلفائها. ورأى باسيل أيضاً أن عليه الانفتاح على أميركا وأوروبا. أما في الداخل فإن عليه الانفتاح على “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري لأنهما لا يزالان الأكثر شعبية عند الطائفة السنية في البلاد. علماً أن نسبتها لم تعد كما كانت أيام المؤسس الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومن أجل ذلك كله لم يعد يتورّع عن شيء. ماذا عن “مرسوم الأقدمية” والخلاف حوله؟ وهل طغى عليه الخلاف بين بري و”أمل” من جهة وباسيل و”التيار” من جهة أخرى، أم وُجد له حلّ؟ خلاف المرسوم حُلّ، يجيب القريبون أو المتابعون أنفسهم. إذ وضع وزير المال الشيعي وعضو حركة “أمل” علي حسن خليل توقيعه على مرسوم واحد ضمّ مرسومي الاقدمية والترقية في الجيش، الى جانب توقيع وزيري الدفاع والداخلية ورئيسي مجلس الوزراء والجمهورية. وربما يكرّس ذلك في المستقبل القريب أي بعد الانتخابات النيابية لزومية “شيعية” وزارة المال وتوقيع شاغلها على المراسيم.
في النهاية هل ربح باسيل أو خسر؟ يجيب هؤلاء أن الرئيس المؤسس عون أبلغ منذ وقت طويل “حزب الله” أن باسيل وريثه السياسي. ويرجّحون على الأقل حتى الآن تمسّكه بتوريثه وعدم “تغيير الوصية” أطال الله عمره. لكن باسيل في رأي حزبيين عديدين خسر كثيراً. فالتساؤلات حوله داخل “الحزب” كثيرة. والثقة به لم تعد مطلقة. ورئاسته للجمهورية التي فكّر فيها “الحزب” لم تعد واردة أو ربما ضعفت حظوظها على نحو كبير. فـ”الحزب” “زعّل” حليفه نائب زغرتا سليمان فرنجيه من أجل “عمّ” جبران باسيل رغم اقتناعه بأنه مجرّب ومختبر ويمكن أن يأمن له. وقد أثبت ذلك له مرات عدة رغم “النقزة” التي تسبّب بها “للحزب” بـ”الكَوْلَسَة” التي قام بها مع رئيس “المستقبل” سعد الحريري والسعودية وأميركا وفرنسا من أجل الوصول الى الرئاسة وخفيت بداياتها عنه، والتي مكّنته من الحصول على ترشيح الحريري له. و”زعل” “الحزب” من برّي مرات عدّة لأسباب متنوعة قد تكون رئاسة عون من بينها، لكنه “أقنعه” بعدم تعطيل جلسة الانتخاب وكان ذلك في مقدوره وقبل إصراره على الاقتراع بورقة بيضاء مع أعضاء كتلته النيابية وحلفائه. وطبعاً كان ذلك أحد الأسباب المهمة، ليس للجفاء بين الرئيسين (عون وبري) لأنه موجود ومن زمان وأسبابه أكثر من أن تُعدّ، بل لتعمّقه.
وطبيعي أن يكون هذا الجفاء انتقل الى باسيل وأن يكون تحوّل لاحقاً الى جفاء مباشر بينه وبين برّي.