لا يقتصر تشبيه المجزرة المرتكبة في الغوطة الشرقية لدمشق بتلك التي ارتكبت في شرق حلب وأدت إلى دخول قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية ووحدات روسية من الشرطة العسكرية إليها، على وجه واحد هو حملة الإبادة التي يرتكبها المثلث الجهنمي النظام- إيران- روسيا فقط. الأسلوب نفسه يعتمد: قصف وحشي من الجو يطال المدنيين، إخراج المستشفيات من الخدمة، منع وصول مواد الإغاثة تمهيداً لإتعاب مئات الآلاف واستسلامهم أو نقل المقاتلين إلى منطقة أخرى، هي على الأرجح إدلب.
النتيجة واحدة وهي أن الشعب السوري باق تحت المقصلة نتيجة السلوك الجهنمي للمثلث، فيما المجتمع الدولي يتفرج أو يتواطأ، وبينما تأخذ هواجس رجب طيب أردوغان أنقرة نحو الانخراط في المقصلة مع دفن الرأس بالرمال.
ومع فارق الزمن بين كانون الأول (ديسمبر) 2016 تاريخ سقوط حلب الذي أنتج وقائع جديدة، وبين ما يجري في الغوطة اليوم، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يكرر الدعوة إلى الهدنة لعل اتفاقاً يقود إلى دخول الشرطة العسكرية الروسية الغوطة كما فعلت في حلب، ويكرر استخدام حجة القضاء على الإرهاب فيها بحجة وجود «جبهة النصرة»، في وقت تتألف القوى العسكرية المعارضة التي تتحصن في الغوطة من «فيلق الرحمن» و «جيش الإسلام» إضافة إلى مئات آلاف المدنيين.
مثل حلب، حيث سحب الجانب التركي فصائل من «الجيش السوري الحر»، تقع تحت نفوذه، من المدينة، كي يسهل دخول القوات السورية- الإيرانية إليها، لأن موسكو قررت مراعاة تنفيذ الجيش التركي عملية «درع الفرات» لإبعاد القوات الكردية عن حدوده، تسكت تركيا عن مجزرة الغوطة مقابل غض النظر الروسي عن خوضها المعركة في عفرين ضد قوات «سورية الديموقراطية» لأن مصلحتها تقضي بتشجيع تصاعد الخلاف بين تركيا وأميركا التي تدعم الأكراد. ولا يهتز السلطان العثماني لإهانة صورة بلاده كقوة سياسية- عسكرية كبرى في الإقليم، بظهورها متواطئة، نتيجة قبولها إسقاط الاتفاق على شمول الغوطة ضمن مناطق خفض التصعيد، أنجزه اتفاق روسي- إيراني- تركي في أيار (مايو) الماضي. سبق له أن «بلع» الإهانة في إدلب قبل أسابيع، حين صعّدت قوات النظام قصفها للمنطقة. فطهران وموسكو (شريكتا أنقرة في أستانا وسوتشي)، بدلاً من إدارتهما خفض التصعيد في الغوطة تديران التصعيد الوحشي الذي وصفته «الغارديان» بأنه «ليس حرباً بل إبادة». وبلغ التخبط لدى أنقرة أنها تركض الآن وراء نظام دمشق للتفاهم معه على وقف مساعدته الأكراد في عفرين، عن طريق السماح لمقاتليهم في حلب بالانتقال إليها لمقاتلة الجيش التركي، مقابل استعادة «القوات الشعبية» التابعة للنظام المواقع التي يسيطرون عليها. فمعركة عفرين جعلت النظام في موقع يدفع تركيا والأكراد إلى التنافس على التفاهم معه.
وعلى رغم الأنباء عن التعارض بين النظام وروسيا في شأن الاندفاعة الوحشية لقوات بشار الأسد نحو الغوطة، فإن النكوث بالتعهدات الروسية بإنجاح مناطق خفض التصعيد لا يزيد سوى توريط موسكو أكثر فأكثر في وحول الحرب إلى جانب النظام الذي يتصرف على أنه منتصر، إلى درجة التنصل حتى من نتائج مؤتمر سوتشي الذي جهدت موسكو لعقده، وإعلانه أن الاتفاق فيه على لجنة صوغ الدستور غير ملزم له. فالكرملين يسعى لتكريس شرعية قيادته للحل السياسي المزعوم في سورية، بعد إعلان انتصاره في الحرب على «داعش» وسحب جزء من قواته، لكن تحالف إيران- النظام يجبره على العودة إلى الانغماس في القتال، سواء عبر التشكيلات العسكرية غير الرسمية التي تكبدت خسائر بشرية ضخمة مطلع هذا الشهر في دير الزور على يد الأميركيين، أم عبر الاشتراك في القصف الجوي، لعجزه عن الانسحاب من المواجهات العسكرية، طالما لم يحصد بعد أي نتيجة سياسية من دخوله الحرب منذ عام 2015، لا في المفاوضات مع واشنطن ومع الاتحاد الأوروبي حول رفع العقوبات ولا حول الدرع الصاروخية للناتو في أوروبا الشرقية، ولا حول أوكرانيا...
مع معركة النظام وإيران للسيطرة على الغوطة بحجة حماية دمشق، فإن التخبط والفوضى لدى الدول المتورطة في الآتون السوري دفعا طهران إلى طمأنة إسرائيل أمس، بلسان نائب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، بأن هدف إيران من دخولها سورية لم يكن فتح جبهة مع إسرائيل، بل مواجهة الإرهاب. هذا من مستجدات الميدان السوري.