لا يفهم الشخص باكراً ما السياسة وطرقها وأساليبها الظاهرة والخفيّة. لا وجود لميول سياسية حقيقية نابعة من قناعة الشخص، بل رأي هذا الأخير يشبه رأي محيطه وأهله من دون فهم الحقائق والأوضاع.
لا للطائفيّة! لا للدين! لا للحزب! هي جمل وتعابير يسمعها المرء منذ دخوله سن المراهقة إلى أن يصبح طالباً في الجامعة، ويكون قد كوّن فكره السياسي المتأثّر ببيئته أو المبني على نظرة نقديّة مع تقيّده بحزبٍ ما. هذه المرحلة التي يمكن أن تمتد لمدى الحياة، تتمثّل بإدخال فكرة "ضرورة سيطرة الهوية الوطنية على الهويات الدينية والحزبية" عقول الشباب وتحوّلها إلى مخدّر عند الذين يمتلكون حسًّا نقديًّا وميولاً لقيام ثورة. ها قد تمّت المهمّة. تتخلّى هذه الفئة من الشباب المقترعين عن انتماءاتها الطائفية والحزبيّة وتقرّر انتخاب المرشّح الأفضل بالنسبة إليها وفقاً لمعايير علميّة. المحطّة الأولى: الإنترنت وأرشيف الصحف ووسائل الإعلام لاكتشاف حاضر المرشحين وماضيهم وأعمالهم وأفكارهم وآرائهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. المحطة الثانية: الحملات الانتخابية التي تُتابع بأدق تفاصيلها وتُقوّم بموضوعية بعيداً من الانحياز والمشاعر والأحاسيس. أخيراً، يتمّ اختيار المرشّح الأنسب بغض النّظر عن طائفته وانتمائه الحزبي نظراً لتطابق أفكاره وأفكار الشباب. يضع هؤلاء الشباب، إذاً، كل آمالهم بين يده، ويعبّرون له عن جميع تطلّعاتهم بثقةٍ تامّة متأملين بناء وطن أفضل وسليم.
ها قد حقّقت هذه الفئة من الشباب اللبناني هدفها وأضحت الدولة الحالمة بها قريبة جدًّا بنظرها: تفكير علماني، غير أحادي ومتحرّر من الطائفيّة في بلد اسمه لبنان. لبنان الصغير الذي هو ضحيّة حروب متعدّدة متتالية، ساحة للصراعات الخارجية، المتأثر حتى اليوم بجروح الماضي، ماضٍ لا جزءاً منه، ماضٍ يتجوّل داخل مؤسسات الدولة وعروق الحكّام والشعب. في بلدٍ يعيش وهم الماضي تحت شعار "العيش المشترك"، تنتخب فئة الشباب هذه المرشح الأفضل بنظرها. بطبيعة الحال، السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل هذا المرشّح الذي انتُخب سيعمل بالمقابل لمصلحة هؤلاء الشباب على حساب مصالح أفراد طائفته وحزبه"؟
الجواب عن هذا السؤال يبقى مجهولاً، وربما الحل في وطننا لا يتحقق في ثورة الشباب هذه فقط بل في التخلّص من جروح الماضي والانفتاح على كل فكر جديد يهدف إلى إعادة بناء الوطن الحقيقي، وطن الحرّيات.
(سيلينا بريدي)