المتظاهرون لخصوا أسباب غضبهم بأن سياسات النظام الخارجية التي تقوم على إنفاق المال والرجال من أجل احتلال دول عديدة في المنطقة، هي التي جرت عليهم البطالة والفساد والفقر
 

لا نملك غير الاحترام الشديد للغضب العراقي الشعبي والسياسي والنخبوي الثقافي على التصريحات الأخيرة التي أدلى بها في بغداد مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، بحضور قادة الأحزاب والميليشيات العراقية الشيعية والسنية والكردية الحاكمة، والتي تباهى فيها بقدرة نظام وليّه الفقيه على تقرير مصير الانتخابات القادمة.

مع العلم بأن تصريحات علي أكبر ولايتي ليست الأولى ولا الأخيرة. فقد توالت التصريحات الأخرى العدائية المشابهة التي دأب قادة إيرانيون عسكريون وسياسيون آخرون، منذ أشهر، على إطلاقها، وفيها جرعات عالية من التهريج والاستفزاز لشعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والسعودية والإمارات، وكثير من التهديد.

والعقل السياسي السليم لا يجد مبررا واحدا مقنعا بأن ولايتي والقادة الإيرانيين الآخرين يجهلون أصول السياسة، وما تتطلبه من الكياسة لتهدئة خواطر الشعوب التي يجاهرون باحتلالها. وهم ليسوا في حاجة إلى إهانة العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحارنة، واستفزازهم، وإحراج وكلائهم وجواسيسهم، وفضحهم، وتحريض شعوبهم عليهم وعلى الاحتلال الإيراني الذي التقطهم من منافي الدنيا الواسعة ونصبهم رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء ووزراء وقادة أحزاب وميليشيات.

والملاحظ أن أغلب أصحاب تلك التصريحات النارية التي يطيّرها القادة الإيرانيون الكبار تركّز على أن كلفة الدفاع عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من مال ورجال، تتحمّلها شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، ولا يتحمّل الشعب الإيراني منها أي شيء.

فالذي أراد ولايتي قوله للشعب الإيراني هو أن الانتخابات القادمة ستضع وكلاءنا وجواسيسنا سادةً في البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، وسوف يحاربون أعداءنا بأموالهم ودماء شبابهم، لا بأموالكم ولا رجالكم أيها الإيرانيون.

ليس صعبا أن ندرك حقيقة أن النظام الإيراني بكل أجهزة قمعه المتعددة، لم يستطع أن يقنع الشعب الإيراني بأن يتحمل القهْر والفقر اليوم من أجل غد مشرق وزاهر توفره أموال الشعوب التي تحتلها الإمبراطورية الفارسية

وبعده بقليل أطلق عضو المجلس الأعلى للثورة الإيرانية، رحيم بور أزغدي، فقاعة أخرى أكبر منها.

ففي مقابلة مع تليفزيون “أفق” الإيراني قال “لقد آن الأوان لإعلان الإمبراطورية الفارسية في المنطقة، ومن قلبها النابض، العراق”.

ثم قال “إن هناك خمس دول تحت سيطرة نظام المرشد الأعلى، وهي لبنان واليمن وسوريا والعراق والبحرين، وقريبا السعودية”.

أما المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، فقد كان أكثر من غيره صراحةً، حين قال، “إن إيران ستقاتل الأميركان بشباب العراق وأمواله في خدمة مشروع الإمام الخميني”.

وأوضح قائلا “إن الانتخابات القادمة ستجعل القرار السياسي بيد الحشد ومن يتحالف معه من سنة العراق”.

والعقيد أحمد غلامبور، أحد أبرز قيادات الحرس الثوري الإيراني سابقا، والأستاذ في الجامعة العسكرية بطهران، في مقابلة مع وكالة فارس نيوز أكد “أن جميع المحللين العسكريين يرون أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، وبناء على ذلك، وبفضل الاستراتيجيات التي وضعها المرشد، فإننا نقلنا معركتنا مع العدو إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان”.

وقال “إن الأمان الذي ينعم به الشعب الإيراني هو بفضل خدماتنا بطرد العدوّ خارج حدودنا، والحرب معـه خارج أراضينا”.

وبرغم كل هذه الحماقات التي يرتكبها مساعدوه المقربون لم يوبّخ المرشد الأعلى أحدا منهم على أي من تصريحاته الغبية الاستفزازية المتلاحقة التي تغضب شعوب مستعمراته بدل ترضيتها.

ولو دققنا في ما جرى في إيران ويجري من توترات لوجدنا أن هذه التصريحات، جميعها، رسائل مصمّمة ومبرمجة لمغازلة الداخل الإيراني المتفجّر الذي يختزن أنواعا عديدة من التحديات والزلازل، إن لم تسقط النظام فسوف تربكه وتحدّ من قدرته على ضمان أمنه الداخلي وعلى منع توفّر الظروف الأمنية المتفجّرة التي تسهّل على القوى المعادية الخارجية أن تتدخل وتعمل على تفكيك الوحدة الداخلية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان الإيراني.

ولعل أهم ما حدث في التظاهرات السابقة والجديدة أن المتظاهرين لخصوا أسباب غضبهم بأن سياسات النظام الخارجية التي تقوم على إنفاق المال والرجال من أجل احتلال دول عديدة في المنطقة، وإخضاع أخرى تحت هيمنته في العالم، هي التي جرّت عليهم البطالة والفساد والفقر، وأدّت إلى خنق المواطن اقتصاديا.

وقد اعترف أكثر من مسؤول كبير في النظام نفسه بأن ما يقارب خمسة وعشرين مليونا من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. وكان هتاف المتظاهرين “انسحبوا من سوريا وفكروا بنا” و“لا للبنان ولا لغزة، ونعم نعم لإيران” أكثر ما يزعج النظام ويخيفه.

ويعتقد كثيرون من الإيرانيين بأن وضعهم الاقتصادي لم يتحسن، بسبب سوء الإدارة والفساد، مع بقاء العقوبات الدولية الخانقة، رغم تراجع النظام عن مشروعه النووي بعد كل ما كلّف البلاد والعباد.

وليس صعبا، بعد ما جرى ويجري، أن ندرك حقيقة أن النظام، بكل أجهزة قمعه المتعددة، وبكل إعداماته واعتقالاته وتهديداته، لم يستطع أن يقنع الشعب الإيراني بأن يتحمّل القهْر والفقر اليوم من أجل غدٍ مشرق وزاهر توفره أموال الشعوب التي تحتلها الإمبراطورية الفارسية العائدة إلى الوجود من جديد.

ولكن الحقيقـة أن الإيرانيين خسروا أمس، ويخسرون اليوم، وسيخسرون غدا، أموالهم ورجالهم، في ظل نظام أحمق وجاهل ومكابر ومغرور يعيش على أوهام لا يمكن تحقيقها.