"قومي ليش نايمة؟! روحي اشتغلي وجيبي مصاري، دبري كم زبون وما ترجعي وإيدك فاضية"، جملة اعتادت سميرة (اسم مستعار) أن تسمعها من زوجها الذي ادخلها إلى عالم الدعارة ثلاث سنوات رغماً عنها، قبل أن تكسر قيده وتنتفض عليه، نافضة غبار القذارة التي لطخها بها. وها هي اليوم تتسلم ثلاث شهادات في الكمبيوتر والمكياج وتصليح الهواتف الخليوية من جمعية "دار الأمل" علّها تساعدها على إكمال حياتها من دون ان تعاود الغرق في مستنقع القوادين وزبائن الجسد.
ارتباط بالمجهول
كان هدف سميرة (32 عاماً) كما شرحت لـ"النهار"، دخول قفص الزوجية مع حبيبها الذي يحمل الجنسية السورية. انتظرت اليوم الذي عقد قرانه عليها، تركت اهلها وأحبابها وذكرياتها في سوريا وانتقلت مع من اختارته شريكا لحياتها للعيش معه في لبنان حيث يعمل دهاناً... فكانت صدمتها عندما أدخلها عالم الدعارة مرغماً إياها على ممارسة الجنس من اجل تأمين المال، ولفتت: "ما إن مرّ وقت قصير على زواجنا، (قبل 12 سنة) حتى بدأ يعرّفني إلى قوّادين. وعلى الرغم من رفضي بيع جسدي، إلا انه كان يهددني بحرماني من أولادي، الامر الذي اجبرني على الانصياع له".
جنس وانتقام
يوميا كانت تضطر سميرة للتوجه إلى منازل "قوادات في النبعة وعين الرمانة وغيرهما الكثير من المناطق" كما قالت، مشيرة: "كنت أكره نفسي وانا على سرير مع زبون، كنت افكر وهو في عز لحظاته الحميمة كيف اتخلص منه بعد الانتهاء من العملية الجنسية، لكن كنت أضعف من الإقدام على هذه الخطوة. وكل ما كنت افعله بعد ان ينهش جسدي، ارتداء ملابسي لأعود بعدها الى البيت واعطي المال الى زوجي". وعن المبلغ الذي كانت تحصل عليه أجابت "حسب جنسية الزبون ووضعه وعدد الزبائن الذين امارس الجنس معهم، لكن بشكل عام بين 150$ الى 200$ يومياً". ولفتت "في الوقت الذي كنت ابيع جسدي كي اؤمن المال، كان هو عاطلاً من العمل، الى ان جاء اليوم وقررت ان اقلب الطاولة عليه".
تحرر وانطلاق
انفجر "بركان" سميرة على واقعها المرّ في احدى الليالي. "كنت مريضة نائمة في سريري، دخل زوجي وايقظني كي أذهب وآتيه بالمال، عندها سارعت الى خارج المنزل وبدأت بالصراخ حتى اجتمع الجيران، اطلعتهم على أنه يجبرني على ممارسة الدعارة، حاول سحبي من يدي، عضضته بقوة، حضرت القوى الامنية، فتحت تحقيقا بالقضية والنتيجة اني تحررت من هذا العالم القذر، بدأت حياتي من جديد مع اولادي الثلاثة. تعرفت إلى جمعية "دار الامل" التي وقفت الى جانبي وساندتني كي اواجه الصعاب والعقبات التي قد تعترضني".
خطوة الدمج في المجتمع
وكانت جمعية "دار الامل" عقدت حفلا اليوم في بلدية سن الفيل وزعت خلاله شهادات لنساء وفتيات وفتيان شاركوا في خمس دورات تدريب مهني في المكياج والكمبيوتر وتصليح الهواتف الخليوية وخدمة الصالة وأشغال يدوية للحلى. ووفق ما قالته الناطقة الاعلامية للجمعية تيريز روميه: "هذه الدورات هي جزء من مشروع التأهيل الاجتماعي وإعادة دمج النساء والفتيات المهمشات في المجتمع بتمويل من الصندوق الكندي للمبادرات المحلية، لا سيما الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للاستغلال والعنف وإساءة المعاملة، وهو يغطي مناطق مختلفة من ضواحي بيروت الاكثر احتياجاً: شمالاً (النبعة - برج حمود) جنوباً (صبرا - حي السلم - الشياح - الليلكي ...)، حيث يعيش الكثير من اللاجئين السوريين في هذه المناطق التي تتميز بالاكتظاظ السكاني وانخفاض مستوى الخدمات، والبطالة والفقر وانخفاض المستوى التعليمي، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية أخرى مثل الزواج المبكر، والبغاء، والادمان على المخدرات، والتسرب المدرسي، وما إلى ذلك".
هدف وامل
الهدف الرئيسي للمشروع وفق روميه، "تمكين النساء والفتيات وتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال الخدمات المباشرة والمناصرة، فالانتماء إلى الفئات المهمشة، يعني أن المستفيدات يعانين الكثير من المشاكل، كما ان الافتقار إلى المهارات المهنية والنقد الذاتي يعرضهن إلى الكثير من الأخطار والأضرار". شارحة "تفتقر النساء اللواتي يمارسن الجنس مقابل المال إلى الخدمات الطبية والحماية ويتعرضن للمخاطر والتهديدات، اما بالنسبة إلى السجينات السابقات، فإن عقوبة السجن تظل لسنوات على سجلهن العدلي، ما يشكل عقبة امام حصولهن على وظيفة، وذلك عدا عن المشاكل النفسية التي تصاحب العنف وسوء المعاملة والرفض، كما ان إساءة معاملة النساء وزعزعة الأسرة والعنف المنزلي، تؤثر على الأطفال ويظهر ذلك من خلال علامات عديدة مثل التسرب من المدرسة، والانخراط في السلوكيات الخطرة".
ويبقى الامل ان تتحرر جميع النساء من القيود التي فرضت عليهن مجبرتهن على السير عكس رغباتهن وإرادتهن.