أخطأ حزب الله والتيّار الوطني الحر في تعاطيهما مع بعض بعد توقيعهما ورقة التفاهم في 6 شباط 2006، يقول قريبون جدّاً من الفريقين في تلك المرحلة وبعدها. فالعمل المشترك بينهما بقي محصوراً في أقنيةٍ شخصيّة، ولم تولد حال تفاعليّة بين الحزبَيْن والحزبيّين من الجهتين. ولهذا السبب كان كل اختلاف يقع بينهما على موضوعات كبيرة أو صغيرة يتحوّل مشكلة.
في أي حال، أبلغ العماد ميشال عون قبل انتخابه رئيساً للجمهوريّة وبعد تربُّعه على سُدّتها في قصر بعبدا أن جبران باسيل هو وريثه السياسي في لبنان، واستمرّ مُتمسّكاً به رغم التطوّرات والظروف والاختلافات، الأمر الذي أوحى أنه قد يكون يُفكِّر في توريثه رئاسة الدولة أيضاً. وبدأ “الوريث” يتصرّف على أساس أنه بدأ معركته للوصول إلى هذه الرئاسة.
أمّا في موضوع العلاقة بين حزب الله وشريكه في “الثنائيّة الشيعيّة” حركة أمل وتحديداً رئيسها ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، فإن قيادته أبلغت إلى باسيل أن نبيه برّي وحركة أمل هما توأم “الحزب” والمعنى الوجودي له. فهو يضع نفسه في تصرّفه ويتعاون معه من دون قيد أو شرط عند حصول أي خطب وخصوصاً من عدوٍّ كإسرائيل مثلاً.
وعلى كلٍّ فإن الفريقين يتذكّران تماماً ما حصل بينهما من اشتباكات بل معارك قاسية في الثمانينات وقد استخلصا منه العبر والدروس اللّازمة، وهما يرفضان وعلى نحو قاطع تجدّده أو تكراره. ويُعطي القريبون أنفسهم مثلاً على ذلك هو موقف برّي وتالياً حركة أمل من إرسال حزب الله مقاوميه أي جزءاً من قوّاته العسكريّة إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام ورأسه بشّار الأسد في مواجهة ما سمّاه “المؤامرة الكونيّة”، والتنظيمات الإرهابيّة المُتستّرة بالدين الإسلامي.
كان برّي غير مُوافق على هذا الإنخراط في الحرب السوريّة، لكنّه دعم “الحزب” بقوّة ولم تطلع منه كلمة أو موقف تظهر امتعاضه أو انزعاجه أو عدم موافقته. اكتفى بعدم إرسال “مقاومين” من حركة أمل للإشتراك مع مقاومي “الحزب” في القتال. ولم يضغط عليه “الحزب” لتغيير هذا الموقف أو ليعاقبه عليه. فهو ليس في حاجة إلى مزيد من المقاتلين هناك إذ لديه ما يكفي منهم (نحو تسعة آلاف مقاتل)، فضلاً عن أنه اعتبر “الامتناع الأملي” مُفيد للمجتمع الشيعي كي لا يتحمّل كلّه كلفة الحرب بشريّاً سواء بـ”الاستشهاد” أو بالإصابة بالجروح وأيضاً بالإعاقة.
لم يغلط عون مع “الحزب”، يُضيف القريبون أنفسهم، ولا سيّما من الناحية الاستراتيجيّة (الصراع العسكري والسياسي مع العدوّ الإسرائيلي، والمواجهة مع “العدو الأميركي”، والحليف الفلسطيني، و”المقاومة” والسلاح). وكانت مواقفه مماثلة لمواقف برّي، حيث باسيل لم يغلط في تعاطيه مع الموضوعات نفسها في المواقع الوزاريّة التي “احتلّها” وفي مقدّمها وزارة الخارجيّة، ولا سيّما بعد الانقسام الذي حصل في العالم العربي، وتحديداً بين السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين ومصر من جهة وإيران الإسلاميّة من جهة أخرى.
ففي اجتماعات جامعة الدول العربيّة كانت له مواقف صلبة وجريئة استفزّت أعداء حزب الله وأخصامه من عرب وجهات دوليّة. لكنّه كان قام قبل ذلك ثم بعده بأمور بدأت تُثير التساؤلات وأحياناً الريبة ليس عند قيادته فقط بل أيضاً عند “شعبه”، مثل موقفه من قانون الانتخاب في مرحلة البحث فيه والتفاوض عليه. فهو اخترع أو تبنّى ما سُمّي “القانون الارثوذكسي” المنطلق من الطائفيّة والمذهبيّة. ثم رفض لاحقاً “النسبيّة” رغم أنه وتيّاره ومؤسِّس هذا التيّار كان معها في السابق وربّما منذ تفاهم التيّار الوطني الحر مع حزب الله.
وقد عبَّر عن ذلك لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أمام الرئيس عون في القصر الجمهوري وبطريقة فظّة إذا جاز التعبير، ولم يوقفه رئيس الدولة ورئيسه عند حدِّه. وهو دأب منذ مدّة لم تعد قصيرة على استنهاض المسيحيّين وعلى إحياء نزعة “التشدّد” عندهم أو التطرّف التي كانت سائدة قبل الحرب المشؤومة (1975 – 1990) وفي أثنائها. وبدت مواقفه عنصريّة مسيحيّاً إلى حدٍّ كبير وخصوصاً عندما ضرب باتفاق الطائف عرض الحائط بالإصرار على تجاوز أحد نصوصه المُهمّة المتعلّق بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيّين، وإن أدّى ذلك إلى تعطيل عدد من المؤسّسات في الدولة.
وكان حزب الله ظنّ منذ توقيع “ورقة التفاهم” قبل عشر سنوات أن العنصريّة التي يُحييها باسيل قد اختفت أو زالت. لكنّه أدرك متأخّراً استمرار وجودها.
أمّا في موضوع إسرائيل العدوّ فقد فاجأ “الوريث” جبران “الحزب” عندما قال للبنانيّين في مقابلة أجرتها معه فضائيّة “الميادين” في منزله الجبلي حيث كان يرتاح وذهنه صافٍ إلى أبعد الحدود أن لا عداء إيديولوجيّاً بينه أو بالأحرى بين لبنان وإسرائيل. ثم استرسل في هذا الكلام فأوحى كأنّه شخصٌ أميركيٌّ أو أوروبيٌّ أو اسكندنافيٌّ يتحدّث عن هذا الموضوع، وليس وزير خارجيّة لبنان الذي كان في الأمس القريب يُدافع عن فلسطين وعن حزب الله ومقاومته وحلفائه، ويُهاجم جهات دوليّة وأخرى شقيقة في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة ومحافل دوليّة عدّة. واستمرّ دفاعه وهجومه سنوات. فما الذي حصل معه وسبّب هذا التغيّر؟
ولا ينسى القريبون أنفسهم اعتراض السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله على عرض فيلم The Post للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ في الصالات السينمائيّة اللبنانيّة. إذ كان هدفه تعزيز روح المقاومة وليس تقييد الحريّة. لكن قامت قيامة الـ OTV (قناة التيّار) بلسان جان عزيز المسؤول المُهم فيها وهاجمت “الحزب” وموقفه.