أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني، في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر "تبادل المهارات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا" في الجامعة الاميركية، "أهمية هذا المؤتمر، ان منطقتنا العربية تعاني من أحداث خطيرة مخلفة وراءها المآسي الانسانية والدمار والخراب، والأخطر من كل ذلك إننا لا نرى في الأفق بدايات النهاية، ولبنان وكما تعلمون، نال نصيبا كبيرا من الكوارث والأحداث، وكلها من صنع الانسان، من الأحداث الداخلية 1975، 1989 إلى الحروب مع العدو الصهيوني 82-96 و 2006، إلى التفجيرات الارهابية والاغتيالات، وانتهاء بالاحداث في سوريا الشقيقة وتداعياتها الكارثية على لبنان في كل المجالات والصحية منها بنوع خاص. فنحن معنيون بهذا المؤتمر وتوجهاته وحداثة الأفكار التي يمكن أن تطرح فيه".
وأشار الى أنه "لنا الحق في القول اننا في لبنان نمتلك خبرات واسعة في الاستجابة للكوارث مع كل الأحداث التي ذكرت، لن أغوص في التفاصيل، سأتركها لعنايتكم، بل سأتوقف أمام بعض الخلاصات التي توصلنا اليها نتيجة للممارسات الحية خلال الأحداث"، ذكراً أنه "اولاً، لا بد من الاشارة إلى اننا في لبنان نمتلك سوقا صحيا كبيرا متنوع الخدمات وموزع بشكل جيد على كافة المناطق، الأمر الذي سهل استيعاب الأحداث ونتائجها الانسانية، ثانيا، التشديد على اهمية الشراكة الكاملة بين الادارات العامة والقطاعين الخاص والأهلي والمهن الطبية"، لافتاً الى ان "هذه الشراكة ساهمت وبفاعلية بالتخفيف من هول الكارثة، والحقيقة أننا نمتلك قطاعا خاصا استشفائيا معروف بديناميكيته وفاعليته وعراقته، كذلك نمتلك قطاعا أهليا نعتبره ثروتنا الوطنية. يجب الحفاظ على هذه الشراكة وتعزيزها وتطويرها"، مشدداً على "أهمية العمل لاعتماد استراتيجية وطنية للاستجابة للكوارث. وتم إنجازها والتدريب على تنفيذ مكوناتها".
كما نوه الى ان "المهم ايضا ان تمتلك كل مؤسسة صحية خطتها للطوارئ وجرى تنفيذ دورات تدريب للمستشفيات والمؤسسات الأهلية لوضع خطتها، وذلك بالتعاون مع نقابة المستشفيات الخاصة ومنظمة الصحة العالمية"، مشيراً الى أنه "من الأهمية بمكان أن نطور النظام المعتمد حاليا للطوارئ. فهو ما يزال بحاجة للتحديث والتطوير، أكان على مستوى النظام والمؤسسات والأفراد. مع تقديرنا الكامل للخدمات التي يقدمها الصليب الاحمر اللبناني".
وأكد حاصباني "أهمية بناء نظام معلومات شامل للقطاع الصحي GIS Geographique Information System ونحن ونقابة المستشفيات نمتلك ذلك. ويحتاج بصورة دائمة إلى التحديث والطوير"، معتبراً أنه "يجب أن نعرف ان كل كارثة تنتج حالة نزوح لأعداد كبيرة من المواطنين من مناطق الأحداث إلى مناطق أكثر أمنا. هذه العملية تعتبر في نظرنا من أصعب وأخطر ما واجهناه خلال كل أنواع الكوارث، وهنا يبرز الدور الوطني الكبير للقطاع الأهلي وللبلديات".
وتابع حاصباني بالقول أن "هنا تبرز أيضا أهمية أن تشمل الخطة المعتمدة للاستجابة للكوارث عدة أمور، وهي أن تعتمد مستودعات للأدوية واللوازم الطبية وبعض المخزون من المحروقات وسواها في المحافظات وتكون كافية لتلبية الحاجة لأسبوع أو لأسبوعين، إنشاء المجالس الصحية المناطقية والتي توحد عمل القطاع الأهلي والبلديات والمهن الطبية والقوى الأمنية، أهمية تعزيز الرعاية الصحية الأولية وخدمات الترصد الوبائي وخدمات معالجة الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية. وكان واضحا خلال كل الأحداث المتنوعة سجلنا ازديادا ملحوظا للطلب على ادوية الأمراض المزمنة، خصوصا عند المسنين، واستطعنا وبفضل حسن تنظيم القدرات المتوفرة في المناطق وفاعلية خدمات الترصد الوبائي والأمراض الانتقالية ونشاط وديناميكية، إدارة الرعاية الصحية الوطنية في الوزارة من استيعاب التداعيات الصحية للنزوح السوري الكثيف والفوضوي في تموضعه وتنقلاته، وكان ينذر بكوارث صحية".
أما عن مرحلة ما بعد الكارثة، فذكر حاصباني "اننا نواجه عادة كمية من المتطلبات التي تحتاج إعادة التأهيل والبناء، عامل اساسي يلعب دورا مهما في إعادة التأهيل والإعمار هو نوعية الحدث، ففي الحوادث الناتجة عن العدوان الاسرائيلي ورد الفعل الوطني، ساهم أولا في استيعاب النتائج المباشرة للعدوان، نزوح المواطنين وحاجاتهم، نشهد الحماس والاندفاع في تشغيل المؤسسات".
وأوضح أنه "في مرحلة ما بعد الأحداث، سجلنا الوقائع التالية: أولها، أهمية الانتباه لحال المواطنين، وخصوصا النازحين، وهم يمرون بثلاث مراحل مرتبطة بالحالة النفسية والعقلية، وهي مرحلة النزوح من منطقة الخطر إلى منطقة الأمان، مرحلة الاقامة حيث ينصب الجهد على تأمين لوازم الاقامة وتحسين ظروف الحياة، وهنا تتزايد الطلبات على الأدوية خاصة للأمراض المزمنة، مرحلة انتهاء الأحداث والعودة للقرى والمدن والاحياء ليكتشفوا هول الكارثة التي حلت بهم، خصوصا تدمير المنازل والمؤسسات والبساتين، هذه أخطر مرحلة يتوجب اعطاءها ما يلزم من اهتمام طبي متخصص".
أما عن اعادة الأعمار والتأهيل، فنوه الى "اننا سجلنا بعد العدوان الاسرائيلي المبادرات الفردية تارة والمؤسساتية تارة اخرى، وهي تبرعت بإعادة بناء الجسور التي دمرها العدوان، طبعا لا بد من تنظيم الادارات المحلية في المناطق، بلديات وإدارات عامة وقطاع أهلي وقطاع خاص مدعمين بالاخصائيين في مجالات الهندسة والبناء ليتم في المرحلة الأولى إحصاء الحاجات وتحديد أولويات المدارس والمستشفيات والمؤسسات والخدمات عامة ثم إعادة البناء والاعمار".
ولفت الى انه "يجب ان نكون حذرين من تقديرنا لما يمكن أن يصلنا من هبات، مثلا، تقدر قيمة خسائر لبنان من أحداث سوريا 17 مليار دولار، ولبنان قدم العديد من الدراسات حول الحاجات، وفي مجال الصحة كانت الوزارة هي الوحيدة التي قدرت في حينه منذ العام 2011 تقديرات كلفة النازح سنويا في مجالات الصحة وهي 349,26 دولار ولم يصلنا كما تؤكد تقارير الوزارات أكثر من 19% من حاجاتنا. لذلك يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار. طبعا لا بد من تنظيم طلبات المساعدة بشكل دقيق شفاف وتقديم الطلبات بالمساعدة من الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة".
وختم بالقول أن "الكل يعلم أهمية الطب النفسي خلال فترة الأحداث، خصوصا عند انتهائها، حيث يكتشف الناس هول الكارثة التي حلت بأرزاقهم وممتلكاتهم فتقع المصيبة"، متمنيا "للحضور التوفيق ونأمل ان تتوصلوا إلى كل ما من شأنه أن يساعد مجتمعاتنا العربية على تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات التي تواجهها".
من جهته، لفت رئيس الصليب الاحمر انطوان الزغبي، الى أنه "كما تعلمون جميعا مرت على لبنان أزمات، أكبر منه أحيانا، جعلت الصليب الأحمر اللبناني يواجه في كل مرة أنواعا عدة من كوارث مختلفة الأبعاد والعناوين، ولو جوهرها واحد في الحاجة والمعاناة والقهر، ولكن التعامل معها يختلف إن من الناحية العملانية أو من الناحية المبدئية حيث تتخبط المفاهيم وتتقلص المبادئ وتعلو الغرائز في أرض محدودة جغرافيتها وإمكاناتها ولا تاريخها ولا مستقبلها موحد"، مشيراً الى أن "الصليب الأحمر اللبناني عمل في ظروف قاسية غير مسبوقة وغير عادية، فعرف كيف نسج التجارب وطور مفهوم العلاج والوقاية وعمق دراسة أسبابها وأبعادها وظهر مكان قوتها وضعفها وتعلم أهمية التحضير والتخطيط الإستباقي لإستجابة منظمة وأكثر فاعلية. تعلمنا من تجاربنا وتجاربكم، تعلمنا من الماضي البعيد ومن الحاضر القريب، أهمية القدرة على الصمود في ظل أوضاع معقدة وهشة. من هنا أهمية تبادل الخبرات والبحث العلمي والتعمق الأكاديمي في فهم التركيبات المعقدة في مجتمعاتنا وكيفية إنخراط المجتمع المدني بكل مكوناته: في التحضير والإستجابة، في الدعم المستدام، في خلق أطر التكامل القطاعي وتحديث أدوار جديدة للعمل الإنساني في مناطقنا المختلفة وفي هذه الظروف غير العادية وغير المسبوقة".
كما اعتبر أن "التحدي اليوم هو تعزيز قدرة مجتمعاتنا على الصمود، فنحن جميعا نعرف الصعوبات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحن صامدون منذ سنين في ظل أزمات وويلات من صنع الإنسان بغالبيتها، نخفف وطأتها تارة وتقوى علينا أحيانا أخرى، ولكننا في جمعياتنا الوطنية، نذرنا النفس بتطوع مثالي وطورنا قدراتنا، ونحن اليوم ننظر اليكم للمزيد من التعاون والتنسيق من أجل إرساء قواعد جديدة تقوي القدرة على الصمود وتساعد على إستجابة أفضل في وقت الأزمات والكوارث".