فتحت الحرب السورية شهية روسيا على دور كبير في الشرق الأوسط بعد أن جالت بطائراتها وصواريخها الفضاء السوري واستطاعت أن تهدم بلحظات ما بناه التاريخ لتثبّت موقعاً لها في خارطة المنطقة من خلال التحكم المروري بالحلّ السوري وما يستلزم ذلك من حسابات سياسية مربحة لروسيا كونها باتت شريكاً رئيساً في أزمات وحروب المنطقة وبات من الصعب على أميركا اللعب وحدها في ملاعب الحروب واجتراح الحلول المناسبة لها.
قبل سورية لم تكن روسيا حاضرة في ملفات وأزمات المنطقة ولم تكن مذكورة وليس لها أي دور في أرض خصبة يتدافع عليها الجميع لنهب ثروات شعوبها وكان لتصرف الادارة الأميركية بعهد أوباما السيء الذكر من حروب الربيع العربي وخاصة في الحرب السورية السبب الكافي لدفع روسيا الى الأمام وإعطائها الفرص الثمينة كيّ تطل بقوّتها على السوريين وكيّ تفرض بأسها على العرب من محور تقوده إيران التي تقابل العرب وسط هذه الحروب لحسم السيطرة على سياسات المنطقة.
إقرأ أيضًا: إيران أكذب من العرب
تعتقد روسيا أنها بقوتها المسلحة تستطيع أن تكون شريكاً أساسياً لأميركا و أوروبا كبداية لمشروع سيطرة كاملة كونها البديل المحتمل عن الغرب الذي يكرهه العرب خاصة وأنها تلمع حذاءها العسكري لتزيل عنه دماء السوريين بلسان دبلوماسي هادىء لا يجعل من روسيا طرفاً بل وسيطاً نزيهاً يبحث عن أمن السوريين وعن مصالحهم ويرعى المكونات السورية والوحدة السورية والدولة السورية الجديدة من خلال سوتشي والاستانة والتوافق مع تركيا وايران لردع أميركا الداعمة للارهاب.
مشكلة روسيا أنها تريد أن تقدّم خدمات تدميرية للمنطقة كيّ تكون مؤثرة فيها أيّ أنها حاضرة كي تنافس أميركا وأوروبا بالسلاح في حين أنها تعلم أن دور السلاح ليس كاف لدور متحكم بمنطقة الشرق الأوسط صحيح أن أميركا وأوروبا هم ما عليه من سطوة على المنطقة ولكن مصادر هذه السطوة متعددة ولا يمكن حصرها بالسلاح الذي تلوح به روسيا ومن هذه المصادر ما هو ثقافي وما هو مالي وما هو تاريخي وما هو واقعي مرتبط بالتوازنات الدولية وبسيطرة الغرب على العالم وروسيا نفسها تخضع لهذه السيطرة فكيف يمكن لخاضع أن يكون محرراً لخاضعين من أمثاله؟
إقرأ أيضًا: الطائرة التي سقطت أسقطت الحرب
لو قلنا لروسيا تعالي وكوني بديلاً عن أميركا وقدمي لمصر المساعدات التي توفرها لها أميركا ولبي حاجات الشعب الفلسطيني وادعمي السلطة الفلسطينية كيّ تكوني مكان أوروبا وساهمي مالياً في دعم دول المنطقة سواء بالقروض أو بالمنح وسواء بالمباشرة أو بواسطة البنك الدولي وبوسائط دولية أخرى تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية بحكم سيطرتها على العالم فهل تستطيع روسيا إطعام فقراء الصومال؟ هل يستطيع شعب جائع إطعام شعوب جائعة؟ وهل تستطيع دولة محكومة أن تكون حاكمة لدول؟ وهل تصلح دولة تسيطر عليها المافيات أن تكون مشروع سيطرة على العالم ؟و في الوقت الذي تناضل فيه الشعوب المستضعفة للحصول على دولة كسويسرا تأتي روسيا كي تبني لنا دولاً على شاكلتها محكومة من قبل تجّار الممنوعات ومن قبل العقل الأمني المتبقي من مخلفات الاتحاد السوفياتي وكيف يمكن لدولة محكومة لقائد الى الأبد هو فلاديمير بوتين أن تكون طموحاً لشعوب حرقت كل شيء للتخلص من لصوص قادة الى الأبد؟ ما تريده روسيا هو إستمرار الإستبداد لأنها تحاكي في ذلك جوهرها والعالم العربي والإسلامي ملّ سياسات الاستبداد وتأتي روسيا كي تعيده اليه وبالقوّة وما تهديدها للمعارضة السورية بتدمير ما تبقى من سورية اذا لم تستجب للمقررات الروسية في سوتشي إلا تأكيد على ذلك.
يقترح الفيلسوف السياسي الروسي لافروف إقامة بنية أمنية في الشرق الأوسط مع أميركا و أوروبا والصين ويستثني كل دول المنطقة أي أنه يريد تقاسم الأمن مع غرباء المنطقة ويريد أن يكون بلطجياً يفرض أتاوة حماية ليسد جوعه تماماً كما كان يفعل بلطجيو الشوارع و الأزقة.