لم يكن خبراً عادياً. ذُبِح رجلٌ ستّيني على يد ابنه في شقته في جبيل، أجهز الشاب (مواليد عام 1991) على والده بسكّين احتزّ به رقبته، أخفى أداة الجريمة برميها في أحد الأحراج، ثمّ وقف يتلقّى التعازي بموت والده. لم تكد تمر ٤٨ ساعة حتى تمكنت «شعبة المعلومات» من توقيفه، فاعترف بأنّه ارتكب الجريمة عن سبق الإصرار والترصّد. وعلى الفور، أصدرت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن بياناً حول توقيف المشتبه فيه بارتكاب الجريمة، عازية الدوافع إلى «أسباب شخصية ومادية».
ما الذي قد يدفع أيّاً كان إلى قتل والده؟ لماذا اختار الذبح؟ المشتبه فيه ليس مجنوناً، ولا يزعم أنه كان تحت تأثير المخدرات أو السكر. كان في «كامل قواه العقلية». والخلاف لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة تراكمات عمرها أربع سنوات، ومخطط الجريمة أُعِدّ سلفاً.
الوالد سعيد لديه ثروة تقدّر بثمانية ملايين دولار. يملك محفاراً ومرملة في بلحص الجبيلية. بدأت مشاكله مع زوجته قبل أربع سنوات. دخل الشكّ إلى قلب سعيد الذي راح يتّهم زوجته وأم أبنائه بخيانته. ترك منزله الزوجي ليسكن في شقة وحده. لكن تفاقمت المشكلة حتى تملّكه الهوس. بات لديه اقتناع راسخ بأنّ أبناءه الأربعة (أحدهم قاصر) ليسوا أولاده. ورغم أنّه لم يكن مقصّراً بحقهم من الناحية المادية، إلّا أنّه طلب إجراء فحص الحمض النووي لأبنائه ليتثبّت من أنّهم من لحمه ودمه.
هذا الأمر زاد من حدة الخلاف بين الأب وأبنائه الذين وقفوا إلى جانب أُمّهم، لا سيما أنّ والدهم بدأ يشهّر بأمهم أمام عائلتها ويتّهمها بالخيانة والعمل بالدعارة. وكان الأبناء يرون أمهم تتحمّل كل هذا الظلم من والدهم. بدأت الشكاوى المتبادلة بين الأب وأبنائه. ورغم ذلك، رضخوا لإجراء فحص الـDNA نزولاً عند رغبته وإصراره. حتى إنّ والدتهم حثّتهم على إجراء الفحوصات. لكن النتيجة جاءت غير متوقّعة بالنسبة إلى الوالد، إذ ظهر أنّ الأربعة هم أبناؤه فعلاً. ورغم أن الـDNA «برّأ الوالدة ممّا يتّهمها به زوجها»، إلا أنّ الزوج طردها. نتائج الفحوصات وطرد سعيد لزوجته كانا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى علي الذي كان مقرّباً من أمه. اتّخذ قراره بقتل والده «ليريح أمه منه». هكذا قال للمحققين. اختار الذبح طريقة للقتل ليشنّع بوالده من شدة كرهه له وحقده عليه جراء اتهاماته المهينة لوالدته. اعترف علي بكل ذلك. الموقوف الذي ليس لديه سوابق في سجله وسمعته جيدة، قال إنّه قتل والده بدافع الكره فقط، بعدما تسبّب في كل هذه المشاكل للعائلة. أكّد الموقوف أنّ الإرث لم يعنِ له أبداً، ولم يكن دافعه، وإلا كان انتظر والده ليموت. ورغم فظاعة الجريمة، لفت نظر من يتابعون القضية أن سمعة علي جيدة. رغم ذلك، للمفارقة، يوم توقيفه، كان يرتدي قميصاً مكتوباً عليه «يوم سعيد»: HAPPY DAY.