صدر عن تحالف متحدون البيان التالي:
"تقدم تحالف "متحدون" الى النيابة العامة المالية اليوم (19-02-2018) بـدعوى قاضية أطلق عليها اسم "الشكوى الأم" تسجلت تحت الرقم 1749/2018، وهي تفند كل الارتكابات التي حصلت في الضمان الاجتماعي وتشرح القصة الكاملة لعمليات اختلاس قام بها "ضمان الظل" ظاهرها يفوق الـ130 مليون دولار سنوياً وذلك على حساب الصندوق الوطني الذي يعيل أكثر من ثلث اللبنانيين.
وادعى الفريق القانوني في تحالف متحدون بالوكالة عن كل من بلال مهدي ودينا حلاوي، وبالأصالة عن نفسه (المحامون: رامي عليق – محمد رحيمي – جورج كيروز – عباس سرور – فيروز عليق – جوزيف وانيس – ماريانا برو – فرانسواز كامل) في الدعوى التي تشرح أن مؤسسة الضمان التي نراها ما هي إلا صورة عن "ضمان ظل" يعمل بالخفاء ضمن إطار واسع من السمسرات والاختلاسات، وقد أسس لأرضية فساد واسعة امتدت لشركات تبييض أموال وتجارة مخدرات استفادت من براءات الذمة لتحقيق أعمال غير مشروعة ضمن مسلسل الفساد الذي يمتد إلى معظم مؤسسات الدولة.
وأدعى التحالف عبر فريقه القانوني على 26 شخصاً بين إداريين وموظفين وسماسرة، وعلى رأسهم رئيس اللجنة الفنية سمير عون وسكرتيرته التنفيذية وديعة توما ورئيس مجلس الادارة طوبيا زخيا وعضوي مجلس الإدارة جورج علم وبطرس سعادة وآخرين، ضمن إطار الدعوى التي قاربت 30 صفحة مرفقة بأكثر من 20 مستند (حتى الآن حيث يتم العمل على تفنيد أكثر من مئة مستند آخر في الاطار نفسه).
والجرائم التي لحظتها الدعوى شملت:
تزوير في السجلات الرسمية، تزوير تواقيع المفوضين والوقائع والبيانات عن المؤسسات وأنظمتها الأساسية وشهادات التسجيل، استعمال مزور، تقليد خاتم لإدارة رسمية، تبديل معاملات منها براءات الذمة لتغطية السرقات وتنظيم إيصالات مزورة، دس كتابات غير صحيحة في المستندات الرسمية، إثبات وقائع كاذبة، اختلاس أموال عمومية ومنها تلك التي سددت إلى الصندوق لإنجاز براءات ذمة، الرشوة، هدر أموال عامة، الاستيلاء احتيالاً على أموال الغير، ابتزاز المؤسسات والشركات والمصارف للحصول على المال، إساءة الأمانة.
يذكر أن هذه القضية ما هي إلا نموذج صارخ عما حصل وما زال يحصل في الضمان وقد بينت الدعوى كيفية حصول ذلك بالتفاصيل والأدلة القاطعة.
مرفق ربطاً:
1 - صورة عن مقدمة الدعوى القضائية
2- نص اعده الفريق الاعلامي في تحالف متحدون، وعدد فيه جميع تفاصيل "القصة الكاملة" وتوزيع الادوار التي تم اعتمادها في الدعوى القضائية.
"الشكوى الأم" التي تفضح "ضمان الظل"
القصة الكاملة لعمليات اختلاس بمئات ملايين الدولارات في "مغارة الضمان الكبرى"
قد يخال قارئ هذا التحقيق أنه أمام فيلم هوليوودي أخرجه فرانسيس فورد كوبولا (مخرج فيلم العراب The Godfather)، ولكن الأمر حقيقي، ونحن أمام واقعة فاضحة يديرها عراب لبناني في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد أدت إلى هدر واختلاسات ظاهرها يفوق الـ130 مليون دولار سنوياً!
عند قراءة هذا التحقيق ستتأكد أن مؤسسة الضمان التي تراها ما هي إلا صورة عن "ضمان ظل" يعمل بالخفاء ضمن إطار واسع من السمسرات والاختلاسات يرأسه "العراب" الذي يدير اللعبة بخطة مُحكمة، وقد أسس بذلك لأرضية فساد واسعة امتدت لشركات تبييض أموال وتجارة مخدرات استفادت من براءات الذمة لتحقيق أعمال غير مشروعة ضمن مسلسل الفساد الذي يمتد إلى معظم مؤسسات الدولة، ويستفيد منه بعض الموظفين المرتشين الفاسدين لتعبئة جيوبهم من جهة، ومن جهة أخرى تستفيد شركات خاصة تمكنت من تخليص معاملاتها ووفرت ملايين الدولارات (التي لم تدخل إلى مالية الصندوق!) بطريقة ملتوية، وكل ذلك يحصل على حساب حقوق المضمونين في صندوق الضمان الاجتماعي.
ولعل خير وصف للفظائع المرتكبة موضوع القضية الحالية (الجريمة الكاملة) هو ما أطلقته الهيئة الاتهامية في بيروت على جزء منها بقرارها الاتهامي بتاريخ 23 حزيران 2016 بأنها "لم تكن لتحصل لولا قيام كل من المدعى عليهم بالدور المنوط به، ضمن سلسلة مترابطة من الأفعال أدت بالنتيجة إلى الاستيلاء على أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المؤسسة التي تضمن المرض والأمومة، وطوارىء العمل والأمراض المهنية، ونظام التعويضات العائلية، ونظام تعويض نهاية الخدمة، للعمال والمستخدمين الدائمين والمؤقتين والمتمرنين والموسميين والمتدربين، وسواهم ممن عددتهم المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي، وهي الأموال التي تدفعها هذه الفئة من اليد العاملة اللبنانية لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار لحياتها، وقد استوقفها امتداد هذا الاستيلاء على سنوات عديدة في ظل غياب كامل للرقابة والمحاسبة، لا بل في ظل تواطؤ وتغطية واضحين وممنهجين أديا إلى أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه".
تجدر الإشارة إلى أن القضية المطروحة أمامنا هي نموذج صارخ عما حصل وما زال يحصل في مؤسسات الدولة التي نخرها الفساد حتى العظم، وفي ما يلي نُبين كيف استشرى في هذه المؤسسة وأوصلها إلى حد الانهيار.
"التلفون"
بداية لا بد من تنشيط الذاكرة عبر معرفة الطريقة التي وصل فيها العراب إلى منصبه.
في 2003 ورد اتصال للرئيس الشهيد رفيق الحريري من قطب النظام السوري في لبنان حينها غازي كنعان يطلب فيه تعيين "العراب" في الضمان الاجتماعي، فرد الحريري أن الأخير غير مؤهل قانوناً لهذا المنصب.
زاد الضغط على الحريري لأن "العراب" مقرب من وزير العمل آنذاك أسعد حردان أو علي قانصو، وورده اتصال آخر من نائب الرئيس السوري حينها عبد الحليم خدام يبلغه بطلب التعيين كما جاء "من فوق"، فكان للطالب ما أراد ووصل "العراب" بشكل مخالف للقانون إلى منصبه في الضمان.
(موضوع شكاوى تقدت بها مجموعة لهون وبس من "متحدون" بالبراهين والوثائق الثابتة أمام النيابة العامة المالية وقضاء التحقيق في بيروت في 2016)
فور دخوله إلى الضمان وسع العراب صلاحياته لتكريس نفسه سيداً على الضمان، وبات كل معارض لقراراته مهما علا شأنه يصطدم بوزير العمل حردان، وبعد انتهاء ولاية الأخير على رأس وزارة العمل بقي العراب بالصلاحيات نفسها التي توسعت بشكل كبير وصولاً إلى اليوم.
البداية... أول 83 مليون ليرة
منذ تعيينه بدأت منظومة المصالح للمنتفعين بالتطور على حساب الطبقة الكادحة وأموال المضمونين.
بدأ العراب بتنفيذ ارتكاباته وأولها موضوع تعاقده مع 12 موظفاً بصورة مخالفة للقانون لإشغال وظائف في ملاك اللجنة الفنية، إلا أن المدير العام آنذاك اعتبر ان ما فعله العراب يعتبر مخالفة لأحكام قانون الضمان (لكن الرضوخ أصبح سيد الموقف بعدها).
محكمة التمييز الناظرة بقضايا العمل أصدرت قرارها الذي أبطلت فيه قرار العراب بتوظيف الـ12 شخصاً، وحملت العراب المسؤولية الكاملة بهذا الشأن (إلزامه بـ83 مليون ليرة لمخالفته القانون)، إلا أنه لم يحاسب على "عدم صلاحية توقيعه المخالف للقانون وأحكام النظام الداخلي للضمان"....
وبعد أخذ وردّ، تم دفع مستحقات الموظفين البالغة 83,100,000 ليرة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع حفظ حق الضمان الاجتماعي بملاحقة العراب، ولكن المتابعة انتهت بتكبيد الصندوق لهذا المبلغ من دون وجه حق بدلاً عن العراب.
النتيجة: ضرب بعرض الحائط لقرار محكمة التمييز وللقانون الساري المفعول.
(هذه القضية هي موضوع شكاوى عدة تقدمت بها مجموعة "لهون وبس" من "متحدون" عام 2016 وما زالت عالقة أمام النيابة العامة المالية وقضاء التحقيق في بيروت، وهي تفند بالبرهان والدليل الثابت بالوثائق والمستندات الجرائم المرتكبة)
مخالفة أخرى ارتكبها العراب لبسط سيطرته على الضمان عبر تفعيل عملية التعاقد مع مياومين لدى صندوق الضمان في مخالفة واضحة للقانون...
يعود تاريخ عمل غالبية المياومين إلى العام 2005، عندما بدأ التعامل معهم على أساس ما يسمى بـ "أعمال العتالة"، لكن تحولت أعمالهم إلى سد شواغر عديدة في فروع الضمان الاجتماعي بشكل قد أدى الى ضرب مبدأ الكفاءة المطلوبة في الصميم، لا بل صرف مستحقات معظمهم من مالية الصندوق في وقت لا يقدم فيه معظمهم أي عمل فعلي (تنفيعات لأصحاب النفوذ!!)
النتيجة: مخالفة للقانون تتمثل بعدم الاكتراث بقرار مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي أوقف العمل بنظام المياومين اعتباراً من 7/12/1990، كما ومخالفة واضحة للمادة 54 من قانون الموازنة العامة للعام 2004، ما يعني هدراً إضافياً بملايين الدولارات (حتى أن البعض منهم كان يتقاضى راتبه وهو خارج البلاد)!
يذكر أن هذه القضية هي موضوع شكوى تقدم بها "متحدون" وفقاً لقرار مجلس شورى الدولة تاريخ 17 شباط 2015 الذي أبطل التعيينات للمياومين).
خلت الساحة...
تزامن توسع واستشراء فساد العراب في الضمان مع شغور مراكز اللجنة الفنية وبعض المناصب في مجلس الإدارة، ما عزز سلطة "ضمان الظل" أو "الضمان الأسود" على حساب "مؤسسة الضمان" الفعلية.
هذا الأمر شجع العراب على اعتماد سياسة الترهيب والترغيب في التعاطي مع المستخدمين، بمعنى أنه من يخضع ويدخل في تركيبة الفساد يبقى في مكانه ويصبح متورطاً فيضطر للسكوت ويتم ابتزازه بمخالفاته بشكل ممنهج!
أما من يعترض فيتم تهديده بلقمة عيشه وعدم تجديد التعاقد معه (بالنظر إلى أن معظم المناصب تُشغل بالوكالة وليس بالأصالة مما يجعلها تخضع للتجديد بشكل دوري).
آخرون لم يتمكنوا من الوقوف بوجه هجمة الفساد لقلة حيلتهم وبدأوا بتكوين "لوبي" إصلاحي من داخل الضمان، في وقت يتصدى فيه تحالف متحدون للفساد في الضمان من خارج الصندوق.
مجلس الإدارة "المشلول" والـ63 مليون ليرة
وعند الحديث عن شغور بعض المناصب الهامة من المفيد الحديث عن مجلس إدارة الضمان الذي يتألف من 26 عضواً، 10 منهم يمثلون العمال و10 يمثلون أرباب العمل و6 يمثلون الدولة. ولا بد من الإشارة إلى أن الخلل الكبير الذي يحصل حالياً في سد الشغور عبر التعيينات التي يقوم بها أركان السلطة الحالية هو اللجوء إلى تعيينات جديدة تخضع للمحاصصة الطائفية والحزبية قبل لجم الفساد والهدر والاختلاس الحاصل، فالأحرى هو تنظيف المؤسسات من الفاسدين والمفسدين كخطوة أولى ثم سد الشغور بأصحاب الكفاءة كخطوة ثانية، كون "ما بني على باطل فهو باطل".
وفي هذا السياق الذي يتبناه "متحدون" ساهم التحالف في إلغاء الانتخابات لممثلي العمال في الاتحاد العمالي العام، والتي كانت مقررة بتاريخ 26/1/2018 عبر مراجعة تقدم بها أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت وقتها.
مجلس الإدارة الذي أنيطت به مهمة السهر على أموال الصندوق نص نظامه الداخلي على "ألا يكون لرئيسه وأعضائه أي منفعة شخصية مباشرة أو غير مباشرة من الصفقات التي يجريها الصندوق استناداً إلى أحكام النظام المالي"، كما أن "أعضاء مجلس الإدارة مسؤولون شخصياً، حتى اتجاه الغير، عن أعمال الغش التي يرتكبونها في ممارسة مهامهم، وهم مسؤولون إفرادياً وبالتضامن عن أعمالهم في المجلس وفي هيئة المكتب وعن كل عطل وضرر يترتب للمتضررين باستثناء من خالف القرار المشكو منه ودّون مخالفته في محضر الاجتماع".
كذلك "أعطي مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي صلاحيات واسعة في ما يتعلق بإدارته الداخلية وكذلك في ما يتعلق بتسيير مرفق الضمان الاجتماعي... كما يتمتع المجلس بصلاحية تأديبية بالنسبة للمدير العام..."
فكيف للشلل والتواطئ والسمسرات أن لا تصيب مجلس الإدارة في ظل غياب رئيسه الحالي طوبيا زخيا خارج البلاد متنكراً لمسؤولياته وترك الساحة تخلو لمن يعتمدون آلية التهديد والترغيب التي تم التطرق إليها أعلاه؟
ورغم الشلل الحاصل وبكل وقاحة يصدر بعض المنتفعين قراراً بتأهيل القاعة المخصصة لاجتماعات مجلس الإدارة بتاريخ 27-07-2017 بقيمة 63 مليون ليرة (بالتراضي بدل المناقصة، إن لم نأتِ على ذكر تعويضات حضور الجلسات المتكررة بلا نتيجة تذكر!) في وقت يعاني المواطنون المضمونون من أقصى درجات الذل للحصول على مستحقاتهم وحقوقهم!
فرئيس مجلس الإدارة المذكور الذي أنيطت به سلطة الدفع قدماً لتنفيذ قرارات المجلس قد وضع نفسه خارج الخدمة، مع ما رافق ذلك من تعطيل لقرارات المجلس.
وكيف لعضوي مجلس الإدارة بطرس سعادة وجورج علم اللذين أن يملكا مكاتب سمسرة لتخليص معاملات الضمان ويشارك أحدهما في الاعتصامات التضامنية مع "الفساد في الضمان"، وهما في الوقت نفسه ضمن أعضاء مجلس الإدارة؟ هل يوجد أوقح استغلالاً للمنصب واستفادة من المنافع الشخصية المباشرة أكثر من ذلك النموذج عن "حاميها حراميها"؟!
ناهيك عن قيام عضو المجلس مهدي سليمان بالتعاون مع العراب باقتسام محاصصة وغنائم ملف المياومين (مرافقين وسائقين...)، إلى توظيف أولاده في ملاك الضمان.
النتيجة: ضرب لسلطة "مؤسسة الضمان" لصالح "ضمان الظل" وهيمنة من العراب على مفاصله، ما أدى إلى قمة التواطؤ في "ضرب الطين بالعجين".
من مجلس الإدارة إلى "بيضة القبان"
تبعاً لما تقدم أضحت أرضية الفساد في "ضمان الظل" تشبه السرداب المهترئ، كلما حاولت إصلاحه من زاوية يُثقب من أخرى، وقد شمل ذلك تعيينات أخرى غير تعيين العراب، كتعيين رئيس الأطباء ورئيس اللجنة الطبية في العام 1998 مثلاً.
من رأس الهرم (مجلس الإدارة) إلى المديريات والمصالح وغيرها، يظهر سعيد القعقور "الموظف المطيع" الذي يتقاضى أحد أعلى الرواتب في الضمان بصفته رئيس مكتب المعلوماتية، يساهم بالتلاعب بكل الـ"داتا" الداخلية للضمان بطلب من العراب وهو مالك "الكودات" التي تخوله إدخال أو سحب أو تعديل أو محو أي شيء يتعلق ب"داتا" الضمان الداخلية (المسجل منها!)، بما يضمن محو أثار الجرائم المرتكبة عندما تقتضي الحاجة!!
أما روبير عطاالله الذي تم تعيينه في 2005 كرئيس لمركز الشويفات في الضمان، المركز المختص بضمان السيارات العمومية، فقد حوّل هذا المكتب إلى مكتب تنفيعات خاص عبر ابتداع طرق ملتوية لتسوية أوضاع المخالفين من السائقين العموميين، وإحدى هذه الطرق أن يأتي السائق بورقة من المختار تثبت أنه لا يستخدم سيارته العمومية فيتم إعفاؤه من الاشتراكات والغرامات المتراكمة عليه، وقد وصل به التمادي إلى أن يقوم وشركائه بشراء السيارات "المكسور" عليها اشتراكات للضمان بالتعاون مع العراب، ولانه "موظف مطيع" أيضاً تم نقله إلى مركز بدارو المخصص لتخليص معاملات شركات التأمين والمصارف.
أمينة المغارة... ومفتاح الأسرار
كما أن كل الطرق تؤدي إلى روما، فإن كل سراديب الضمان تؤدي إلى "توما" التي تعتبر اليد الضاربة للعراب في الضمان، فهي، أي وديعة توما، تعمل في الظاهر كمترجمة محلفة عن طريق التعاقد مع مؤسسة الضمان (رغم أن التعاقد معها لا يخولها الاستفادة من امتيازات الضمان)، ولكن الارتكابات المفتعلة من قبل العراب جعلتها شريكة معه في تسهيل جميع ارتكاباته في المؤسسة. يكفي اعترافها أمام الهيئة الاتهامية في بيروت في حزيران 2017 بأن العراب "كان صاحب سلطة كبيرة على موظفي اللجنة الفنية وكان يرعبها شخصياً بمعنى أنها لم تكن تتصرف أي تصرف بمفردها دون معرفته وعلمه، وأن جميع الأمور التي كانت تقوم بها كان بعلم ومعرفة المدعى عليه (العراب)"!
وبما أن الحديث عن المتهمة وديعة توما يطول فمن المفيد التذكير بما اعترفت به حول علاقتها بالعراب، التي "بدأت في العام 2003 عندما كان هو مستشاراً لوزير العمل علي قانصو وكانت هي مترجمة متعاقدة مع الوزارة". ثم عادت لتبرر "قبولها للهدايا" من المتهم جورج بعينو الـ "5 آلاف دولار شهرياً، من شهر 1 عام 2016 إلى شهر 8 عام 2016"، والـ "4 ملايين ليرة عن جمعية مصارف لبنان وشركة رخام الهبر، و10% لتسيير المعاملات"، ودفع "المبلغ نقداً في مكتبها"، إهداءها لـ "ساعة رولكس الخ..." (غيض من فيض)!
وبعد توقيفها ومعاملتها بطريقة خاصة خرجت توما بكفالة مالية مثيرة للريبة بلغت 25 مليون ليرة وبكل "ثقة" ووقاحة، مشفوعة بالضغط على القضاء، طلبت آنذاك من الضمان دفع مستحقاتها خلال فترة التوقيف، الأمر الذي قوبل بالرفض من بعض المدراء الذين يعول عليهم في الضمان الاجتماعي. أما اللافت في تلك الفترة (فترة التوقيف) فكان الانخفاض الكبير الذي طرأ على فواتير "التشريفات" الخاصة بالعراب التي سنتطرق إليها لاحقاً.
إذاً نحن أمام جريمة كاملة "Perfect Crime" من بطولة توما الوفية بالكامل لأوامر العراب، إذ تعمل على تهديد الموظفين "غير المطيعين" وعند عدم التجاوب مع طلباتها يتدخل "العراب" مهدداً ومتوعداً بطرق متعددة تعتمد على "مكمش" سابق بحق الموظف، حتى اللجوء إلى التهديد باسم "الحزب" في حال الإصرار على عدم التجاوب!
براءات الذمة وملايين الدولارات المنهوبة...
هنا بيت القصيد فبراءات الذمة حكايتها طويلة وهي فعلياً أحد أهم موارد الرشوة والثراء الجرمي لأصحاب النفوذ، والطرق المؤدية إلى ذلك عديدة، ولكن أولاً للتوضيح فإن براءات الذمة تنقسم إلى تلك المتعلقة بمؤسسات أو شركات مسجلة (تحتوي على موظفين) وأخرى لمؤسسات أو شركات غير مسجلة (تكون بالعادة صغيرة ولا موظفين مسجلين في الضمان داخلها).
للحصول على براءة ذمة لأي شركة أو مؤسسة يحال الملف إلى دائرة الإحصاء وأساليب العمل، ووفقاً للمعطيات يحال بعدها إلى دائرة التفتيش أو عدمه، وهنا يصدر أمر مهمة للمفتشين الذين يدققون صحة المعلومات، وهذا ما يحتاج إلى أشهر لإتمام العملية في حال إحالة المؤسسة أمام التفتيش. ومن الثابت أن هذه العملية تستغرق أشهراً طويلة أو سنوات لإنجازها، فكيف يُصدر "ضمان الظل" براءات ذمة لمؤسسات معروفة بتوظيفاتها الهائلة ومنها مصارف خلال أيام فقط؟ فهل يجوز أن يُحرم صندوق الضمان مئات المليارات من الليرات المستحقة على تلك المؤسسات لصالح جيوب أصحاب النفوذ والمتنفعين وعلى رأسهم العراب، عبر خط "خلفي" لا تدخل من خلاله المبالغ المستحقة إلى مالية الصندوق؟
"دود الخل منو وفيه"
آلاف براءات الذمة صدرت عن الضمان دون أن يتم تسجيلها في الـ قيود أو النظام ومنها ما هو موثق في سجلات دفترية تم إخفاؤها أو حرقها، ما يعني أن صندوق الضمان خسر عشرات ملايين الدولارات من جراء ذلك في السنوات العشر الأخيرة، حتى باتت هذه السياسة هي أهم موارد العجز في الضمان، حتى لو أعادت الدولة كل ديونها فلن تكف إلى حل هذه الأزمة بسبب المبالغ الطائلة المنهوبة!
ففي قانون الضمان مثلاً للحصول على براءة الذمة للمؤسسات يجب على رب العمل أن يحضر شخصياً أو من ينوب عنه بوكالة قانونية، ولكن في "ضمان الظل" يمكن أن تفعل ذلك عبر رشوة تصل إلى آلاف الدولارات (بعد تراكم الديون المستحقة للضمان على الشركات الخاصة أو بهدف التهرب من دفع المستحقات المتوجبة لصالح الصندوق) حيث لا يذهب الطلب عبر الأطر الرسمية ومن ثم يُمهر (بين أفراد عصابة النهب) بكلمتين هما "مكتب العراب" فيسلك هذا الطلب الخط "الخلفي" ويتخطى كل إجراءات التفتيش! حتى أن التمادي في الارتكابات في ظل غياب كامل للرقابة والمحاسبة، قد دفع المرتكبين إلى القيام بكل أنواع التزوير الممكنة، من تحريف الوقائع إلى التواقيع (عن المستخدمين وعن أصحاب المؤسسات) إلى اللعب بالبيانات والقيود والأرقام دون أي رادع!!
100 مليون دولار!!!
هذه المستندات (براءات الذمة وتسجيل الشركات وغيرها...) لا يوجد في مبنى الضمان ما يوثق أنها فعلاً دخلت في الحسابات المالية للصندوق (أحد مكامن العجز الأساسية)، وهي بالآلاف لأنها متراكمة منذ 2006 وهي لا تظهر لا في دفتر تسجيل المعاملات ولا في نظام المكننة الداخلي، وذلك لأنها كلها قد سلكت "الخط الخلفي"، وإذا تم التحقق منها سوف يظهر أن هذه المؤسسات مدينة للضمان بمبالغ ضخمة تمت الاستعاضة عنها برشاوى دخلت جيوب "العراب" ومعاونيه، فهل لنا أن نتخيل كم المبالغ التي خسرها صندوق الضمان جراء التمادي في التزوير والنهب والسرقة؟ وخصوصاً أن بعض الشركات تصل ديونها إلى ما يفوق مئات الملايين من الليرات سنوياً، ما يعني أن خسارة صندوق الضمان بلغت خلال السنوات العشر الماضية ما لا يقل عن مليار دولار بحسب تقديرات أولية!!!
فقضية جورج بعينو كشفت الكثير رغم أنها استملت على طرق "معروفة مجهولة"، ولكن تدخل "متحدون" وضع هذه القضية أمام الرأي العام لتشكيل جبهة ضغط على إدارة الضمان أو من اختار التواطؤ من القضاة للعبور بهذا الملف (الذي وصل إلى محكمة الجنايات وهو أول ملفات الفساد الراهنة التي تصل إلى هذه المرحلة) إلى الإدانة والتوقيف الفعلي للمرتكبين وإعادة أموال الناس والمضمونين المنهوبة إليهم (أو لا يكون هنالك من طائل لكل ما يُحكى عن مكافحة الفساد)!!
بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت في القضاء والإعلام بعد التوقيف جورج بعينو في 2014 وكل ما ترتب على ذلك من تحقيقات وأخذ وردّ، لاحظ "مهتمون" داخل الضمان أن نظام كاميرات المراقبة داخل بعض دوائر الضمان قد جرى إتلافه، فالحاكم بأمره في المؤسسة قادر على إتلاف أو تزوير أو حرق أو إخفاء ما يدينه في ظل تيقنه من الإفلات من المحاسبة والعقاب بغطاء قضائي!
من الذي أحرق المستندات؟
وثائق ومستندات وسجلات وبراءات ذمة بالآلاف تراكمت على مدى السنوات الماضية وكلها تقريباً مخالفة إذا لم يكن في سرعة إعادتها من مديرية التفتيش فتكون المخالفة أنها غير مدرجة على نظام المكننة في المؤسسة ولا في أي من دفاتر تسجيل الطلبات، ولكن السؤال ماذا سيحصل إذا تم اكتشاف هذه الفضيحة؟
الجواب يعود بنا إلى 25 تشرين الثاني 2013 حين وقع حريق كبير في قسم الأرشيف في مبنى الضمان الاجتماعي الرئيسي في منطقة وطى المصيطبة بهدف إتلاف متعمد لوثائق ومستندات لمواطنين ومؤسسات، تم انجاز معاملاتهم وفق الطريقة التي تحدثنا عنها مسبقاً، وبعد فترة أوقف موظف يدعى ربيع قبيسي وأدخل إلى السجن بجرائم متعددة منها التزوير واستخدام المزور واحراق الأرشيف، فهل باستطاعة شخص واحد القيام بكل هذه الأمور منفرداً؟؟
أسلوب التهديد والترغيب نفسه جرى تطبيقه معه فهو طرد من الضمان وتم سجنه، ثم تم تهديده بحياته وحياة المقربين منه كي يبقى على صمته بعد خروجه من السجن، وما زال الملف نائماً في أدراج القضاء!
ورغم أن التحقيقات أظهرت أن شركاء قبيسي كانوا 6 سماسرة، أو معقبي معاملات، خمسة منهم لديهم مكاتب تقع بالقرب من المقرّ الرئيسي للضمان، ومن الشركاء أيضاً كاتب عدل "نفد بريشو"، "طلعت براس" قبيسي وحده، ناهيك عن محاولة إخفاء الأدلة التي تربط أعضاء من مجلس الإدارة كبطرس سعادة وجورج علم بمكاتب السمسرة، ومنها التابعة لفادي الرومي وآلان عون وأصغرها كان لجورج بعينو تحت إشراف العراب. فهل يمكن أن ينتهي تحقيق بهذه الأهمية بهذه الطريقة؟
التشريفات والشوكولا.. . وأثاث مكتب بـ63 مليون ليرة!!
وكأنه لا يكفي تلك الفظائع من تحويل الضمان إلى ضحية والمضمونين أذلاء على أبوابه، لتطفو على السطح فضيحة أخرى تقضي على ما تبقى من فتات أموال تحت عنوان "التشبيح والتفشيخ" وصرف النفوذ على حساب أموال المضمونين وحقوقهم.
فقد ابتدع "العراب" بالتنسيق مع وديعة توما ما يُعرف بالتشريفات (من نوع آخر)، وكثيرة هي المستندات الصادمة التي تظهر كيف تحولت التشريفات إلى إرسال هدايا أشهرها "الطقم الجزيني" وأفخر أنواع الشوكولا وغيرها إلى قضاة وبلديات ومسؤولين ونسباء وآخرين بمبالغ خيالية صادرة عن صندوق الضمان، في وقت لا علاقة لكل ذلك بعمل الضمان!
للدلالة فقط على هذه الكارثة:
- تكاليف سيارة العراب الشخصية تصل إلى 2 مليون ليرة شهرياً.
- شراء تجهيزات لقاعة مجلس الإدارة بموجب عقد رضائي(بدل اجراء مناقصة وفقاً للأصول) بمبلغ فاق 63 مليون ليرة، تم توقيعه في شهر 9 عام 2017 حين كان صندوق الضمان يئن من جراء الانهيار الذي أصابه.
- طقم جزيني لزوم اللجنة الفنية بمبالغ تفوق معدلها 5 مليون ليرة سنوياً... (بعيداً عن الدخول في ماهية الطقم الجزيني، ولكن أي لجنة تحتاج إلى هدايا عبارة عن أطقم بقيمة ملايين الليرات سنوياً وهي أصلا غير موجودة بالمعنى الفعلي؟
- "باقة" مزينة من الشوكولا وصلت تكلفتها إلى 700 ألف ليرة وأخرى فاقت المليون ذهبتا إلى نسيب، في معاملة لا تمت إلى الضمان بأي صلة؟!
اللافت وكما ذكرنا انه عند توقيف وديعة توما انخفضت بعض تكاليف "التشريفات" بشكل كبير، ربما لعدم لفت النظر إلى هذه الفضيحة أو لأن "نفخ" الأرقام أو محو الدليل كان وظيفتها.
النتيجة: إفلاس متعمد لصندوق الضمان على حساب تعزيز ضمان الظل (ضمان النهب والفساد واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع على حساب حقوق الناس). هذه القضية برمتها موثقة بمستندات مرفقة مع "الدعوى الأم" التي تقدم بها تحالف متحدون إلى القضاء بتاريخ 19 شباط 2018.
القضاء المتواطئ!!
كل ما ذكر في هذا التحقيق تم وضعه بين يدي القضاء، ويبقى رهان "متحدون" الأساسي على القضاء النزيه الذي يتعهد التحالف بمؤازرته إلى أقصى الحدود، لكن ليس على شاكلة ما شهدناه من بعض القضاء مؤخراً، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- محاولة تحييد "متحدون" عن ملف بعينو المحال أمام محكمة الجنايات في بيروت (رفض طلب الانضمام أمام محكمة الجنايات على الرغم من أحقية الانضمام وفق القانون والأهم لما لدى التحالف من أدلة وبراهين دامغة وثابتة لإحقاق الحق وحسن سير العدالة، ما اضطرنا إلى التقدم بهذه "الشكوى الام" التي ندين بها إلى الخيرين من داخل الضمان وخارجه من أجل مصارحة الناس، وذلك بعد لجوئنا خائبين إلى "التفتيش القضائي" بتاريخ 29 كانون الأول2017 وبعده إلى محكمة التمييز الجزائية بتاريخ 6 شباط 2018، هذا إن لم نأتِ على ذكر التخفيض المريب في كفالة وديعة توما إلى حوالي 25 مليون ليرة مقابل 500 مليون لمتهمين في نفس القضية.
- تسليم رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي سامي صدقي المستهجن باستخفاف العراب المفرط بالقضاء، بعد قيام الأخير بالتغيب عن جلسة المحاكمة بتاريخ 27 كانون الأول 2017 دون غيره من المُتهمين المبلغين، على الرغم من وجود مذكرة إلقاء قبض وقرار مهل بحقه مما يوجب حضوره بالذات أو سريان قرار المهل بحقه تنفيذاً لهذه المذكرة!!
- تعمد عدم توسع قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات في التحقيق والاستغناء عن الأدلة التي تدين الرأس المدبر على رغم الاعترافات الخطيرة التي تضمنها هذا الملف (متخطياً بذلك أبسط قواعد التحقيق) والاكتفاء بتوجيه التهم إلى صغار المرتكبين، في حين توسعت، بخلاف ذلك، النيابة العامة المالية والهيئة الاتهامية في بيروت في التحقيق الذي أدى إلى اعترافات خطيرة واتهام العراب بمواد جنائية.
ما الذي يدفعنا لأن نقول كل ذلك؟
لأن رهاننا على قضاء حر مستقل عادل لن يتوقف، ورهاننا على قضاة أكفاء يعملون لما فيه مصلحة اللبنانيين لن يتوقف، رافضين أن يراهن أي أحد على تغطية المرتكبين لحسابات سياسية حزبية أو طائفية، لأن هناك شعب معظمه يئن تحت خط الفقر ولن يحاكي وجعه سوى محاسبة المرتكبين ووضعهم خلف القضبان وإعادة كل الأموال المنهوبة إلى أصحابها. ومن هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي!
...للحديث تتمة
ختاماً، هل يعقل أن يبقى هذا التسيب والفساد، والمفسدون ينعمون بمئات ملايين الدولارات من صندوق وصل إلى حافة الإفلاس؟ وهل يمكن أن يعاني المضمونون أشد المذلة والهوان على أبواب الضمان بانتظار صرف أموالهم المستحقة، فيما ينعم المجرمون بهذه الأموال لشراء شقق وسيارات وغيرها من سبل البذخ والرخاء؟ أين يقف عهد "استعادة الثقة" من هذه القضية، ولماذا السكوت المتعمد عن هدر واختلاس أموال بحجم دولة؟
الضمان الاجتماعي في أي بلد يعتبر مقياسا" لرفاهية الفرد، فهل نقبل أن يبقى ضماننا الاجتماعي رهينة "ضمان الظل"؟ وماذا سيحصل إن بقي الوضع على ما هو عليه، يُداوى عجز هائل بنقل (سرقة) أموال من صندوق تعويضات نهاية الخدمة، ماذا يبقى لمن قضوا عمرهم في الكد والعمل في ظل غياب ضمان الشيخوخة؟؟
نعم، الضمان يستأهل أن ندافع عنه باللحم الحي.
نعم إن المضمونين الكادحين بحاجة إلى من يقف إلى جانبهم.
من هنا تبدأ حكاية وطن، وهنا تنتهي...