في أحد مقاطع حواره المسرب مع رئيس تحرير "المصري اليوم" السابق، الصحافي ياسر رزق، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في معرض حديثه عن "تاريخه مع الرؤى والمنامات"، إنه رأى الرئيس الراحل أنور السادات في حلمه، وأن الآخير أخبره أنه كان يدرك أنه سيصبح رئيساً لمصر، ورد عليه السيسي بأنه أيضاً يعلم أنه سيكون رئيساً لمصر.
بعيداً من أحلام الرجلين، فإن مسيرتهما تبدو متقاربة إلى حد كبير، فالرجلان صعدا إلى السلطة بعد تغيير الحكم والقضاء على المعترضين؛ السادات لم يكن صاحب حضور قوي ضمن الضباط الأحرار عام 1952 عقب إطاحتهم بالملك فاروق، والسيسي لم يكن ذلك الرجل البارز ضمن أعضاء المجلس العسكري الذي حكم مصر عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن دهاء الرجلين ومكرهما، وتدخلات الأقدار ربما، أوصلتهما للرئاسة في مسيرة تبدو متشابهة إلى حد كبير.
بعد أن حسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر صراعات مجلس قيادة الثورة لصالحه، بدءاً من فرض الإقامة الجبرية على قائد الثورة محمد نجيب، وانتهاءً بالوفاة المثيرة للجدل حتى الآن لقائد الجيش عبدالحكيم عامر، عقب نكسة 1967، اختار السادات نائباً له، كهدنة وتبريد للأجواء الساخنة التي خلفتها النكسة، إلا أن الوفاة المفاجئة لعبدالناصر بعد ثلاث سنوات، أوصلت السادات للرئاسة بعد أن مُهدت الطريق له عندما أطاح عبد الناصر بجميع خصومه.
ولم يتبق في ذلك الحين أمام السادات سوى صراع واحد مع بقايا عهد عبدالناصر، حسمه لصالحه في ما أسماه "ثورة التصحيح" التي اعتقل فيها العديد من قيادات الدولة بينهم نائب رئيس الجمهورية، ووزراء الدفاع والداخلية والإعلام، ورئيس مجلس الشعب، وسكرتير رئيس الجمهورية، وآخرين، أحيلوا للمحاكمة وأدينوا بالسجن فترات متفاوتة.
آنذاك وفي خطبته بعد القبض على خصومه قال السادات "إحقاقاً للحق ولمسؤوليتي التاريخية، لن أفرط في المسؤولية، إطلاقاً، لن أسمح بقيام أي مركز من مراكز القوى، مهما كان مكانه، ومهما كانت قوته أبداً".
وكما مهد عبدالناصر الطريق للسادات لرئاسة الجمهورية، مهد الرئيس المعزول محمد مرسي طريق قيادة الجيش أمام السيسي، بعد الإطاحة بوزير الدفاع المشير حسين طنطاوي، ورئيس أركان الجيش الفريق سامي عنان، وباقي أعضاء المجلس العسكري، ليصعد السيسي من المركز 154 في سلسلة قيادة الجيش إلى منصب وزير الدفاع، متجاوزاً الأقدمية العسكرية وتسلسل القيادة.
وكما تخلص السادات من خصومه بسهولة، أطاح السيسي بمرسي بسهولة في تموز/يوليو 2013، مستغلاً التظاهرات الشعبية التي خرجت للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. وبعد تعطيل السيسي للدستور، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد، بدأ السيسي مبكراً مواجهة خصومه في أجهزة الدولة.
أول قرارات الرئيس المؤقت المعين، كانت الإطاحة بمدير المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، وتعيين اللواء فريد التهامي بدلاً منه، وهو المعروف في الأوساط السياسية المصرية بأنه "أستاذ السيسي ومعلمه"، كما أطاح السيسي بكل رفاقه القدامى في المجلس العسكري إبان ثورة 25 يناير التي أظهرته للعلن للمرة الأولى.
أوجه الشبه بين التجربتين لا تتوقف هنا، فعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد وزيارته لإسرائيل، تصاعد الغضب الشعبي ضد السادات حتى وصل ذروته في تظاهرات "انتفاضة الخبز" عام 1977، التي صاحبتها أعمال شغب نتيجة الغضب من قرار الحكومة برفع أسعار بعض السلع التموينية، قبل أن تجبر التظاهرات الحكومة على التراجع عن قرارتها.
لكن منحى الغضب ظل في مسار تصاعدي حتى اعتقالات أيلول/سبتمبر 1981، حيث شملت 1536 شخصية من السياسيين المعارضين للسادات، التي يعتقد كثيرون أن علاقتها مباشرة باغتيال السادات، باعتبار أنها شكلت ذروة انسداد الأفق السياسي في مصر، وأوضح تعبير عن إدراك السادات لاهتزاز شرعيته نتيجة زيارته لإسرائيل.
حالياً، ومع إطاحة السيسي بجميع خصومه في الإنتخابات الرئاسية المقررة في آذار/مارس، بدءاً من انسحاب رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، مروراً باعتقال عنان ومنعه من الترشح والإعتداء على مستشاره هشام جنينة ثم اعتقاله، وصولاً إلى اعتقال المرشح الرئاسي الأسبق عبدالمنعم أبو الفتوح إثر هجومه على السيسي، يتصاعد الغضب الشعبي ضد السيسي.
وينبع أساس الغضب الشعبي من السياسات الإقتصادية التي اتبعها السيسي والتي ألحقت الضرر بقطاعات واسعة من المصريين، إضافة إلى الإنتقاص الواسع من شرعيته عقب تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين في البحر الأحمر، لصالح السعودية.
بالتوازي مع الغضب الشعبي الواسع، تتظهر الأزمة في أروقة الحكم العليا بصورة أكبر، مع الإطاحة مؤخراً بمدير المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، وعدد من قيادات الجهاز، وما سبقها من الإطاحة برئيس الأركان السابق للجيش، وصهر السيسي، الفريق محمود حجازي، والإطاحة بمدير قطاع الأمن الوطني وعدد من قيادات القطاع، ليصبح السؤال المطروح اليوم ما هو السيناريو الذي ستنتهي به الأحداث في مصر؟ هل يحسم السيسي صراعاته كما حسمها السادات عام 1971، أم يستمر التأزيم وانسداد الأفق السياسي كما جرى في 1981؟