استسهال الجريمة الفردية وازهاق روحي شخصين آمنين، هما مسنّ (92 عاما) ومساعدته المنزلية الخمسينية بدافع رخيص، يعدّ من الجرائم الخطرة على الاطلاق. نفذها ثلاثة مجرمين باسلوب شنيع. لبناني وامرأتان من التابعية السري لانكية، احداهما وصفها الحكم الذي صدر في حقهم وانزل بهم عقوبة الاعدام بانها ذات شخصية اجرامية خطيرة. هي صاحبة الفكرة الجرمية. والثلاثة وقعوا في مصيدة عناصر الامن بسهولة، فالمجرم لا بد ان يترك اثرا يؤدي الى كشف جريمته.
بعد وفاة زوجته واستقلال ابنائه الثلاثة عنه في السكن خارج لبنان، أضحى ابرهيم علي ياسين يقيم وحيدا في محلة الرملة البيضاء، وتتولى خدمته عاملة سري لانكية تدعى غوواتي بولايالاج، المعروفة بـ"دانا". يعتبرها بمثابة ابنة له بسبب طول فترة عملها لديه، والتي قاربت الـ25 عاما. ويجيز لها السفر الى بلادها كل عامين. هو ميسور ويعاني داء في القلب. عمل في تجارة الاخشاب والكاكاو والقهوة، قبل ان يقرر ترك العمل للراحة قبل 20 عاما ، وأصبح يعتاش من بدلات ايجار بناء يعود عليه سنويا بـ60 الف دولار، بما يتيح له العيش بكرامة.
"صداقة الشر"
أصدقاء عدة للعاملة المنزلية يترددون من وقت الى آخر لزيارتها، ومنهم المتهمة نيلوشا نيوايلاغ المعروفة بـ"رانجين". وهي صاحبة شخصية اجرامية خطيرة، اظهرتها بداية في بلدها حيث شاركت مع اشخاص في قتل شخص يدعى كومار، كان عمره 27 عاما من بارتيكولو، لاقدامه على قتل والدها، على قولها. تعرفت نيلوشا في لبنان الى غوناواثي منذ ما يقارب الخمسة اعوام، وراحت تزورها مرة او مرتين في الشهر في منزل مخدومها. ولدى سفر غوناواتي الموقت الى بلادها قبل نحو أربعة اعوام، عملت المتهمة مكانها في منزل ابرهيم ياسين لشهر تقريبا. وبعد عودة مساعدته اصبح يرسلها مع سائقه برفقة المتهم الى منزله في النبطية مرتين سنويا لتنظيفه. وبسبب ترددها الى منزله وعمله فيه احيانا، ايقنت انه ميسور ماديا ويحتفظ بالمال في خزانة داخل غرفته، يضع مفتاحها في سترته. فراحت تخطط لسرقته وقتله مع عاملته لكي لا يفتضح امرها، لكونها على معرفة بها. وباعتبار انه لا يمكنها تنفيذ مخططها الاجرامي منفردة، خطر في بالها إشراك مواطنتها المتهمة ميريان في فردان حيث تعرفت الى المتهم بلال ابو الجود قبل اربعة اعوام. هو يعمل سائقا قرب مكان عملها، وتوطدت علاقتها به وتطورت الى علاقة عاطفية هربت بسببها من منزل مخدومها وأقامت معه في الجناح حيث تقيم المتهمة نيلوشا، وباتت إقامتها في لبنان غير شرعية. واثناء وجود الاخيرة في منزل المتهمة ميريان بمفردهما، اعلمتها بانها على معرفة بابرهيم ياسين وخادمته، وانه ميسور الحال، وفاتحتها في نية سرقته وقتله مع خادمته وكيفية تخطيطها لتنفيذ الجريمة من طريق جلب حبوب منومة ودسها في الطعام لتنويمهما، بعدها يصار الى خنقهما، وطلبت منها وجوب اقناع حبيبها المتهم بلال ابو الجود بالاشترك في الجريمة، إذ عليه ان يؤمن سيارة ليتولى نقلهما بعد التنفيذ.
خطة الموت
وبإصرار المتهمة نيلوشا وحاجة المتهمة ميريان الى المال بغية تسوية اقامتها في لبنان وترتيب امور زواجها من المتهم بلال ابو الجود، وافقت على المشاركة في الجريمة واعلمت حبيبها بالأمر وما خططته نيلوشا، فطلب ان ترتب لقاء بينه وبينها للبحث في الجريمة المنوي ارتكابها وكيفية تنفيذها. وبعد اقتناعه بتنفيذها وفشله في استئجار سيارة، ابلغ نيلوشا بذلك في لقاء معها في محل اقامته، فاعلمته بانه يمكن التخلص من ابرهيم ياسين بدس دواء بمقدار زائد في طعامه لكونه يعاني مرضا في القلب ولن يتمكن من احتمال الجرعة الزائدة، ويمكن فعل الشيء نفسه مع خادمته انما بمقدار اكبر لكونها في صحة جيدة.
وبعد موافقته على الخطة استطلع منزل ابرهيم بعدما زودته نيلوشا عنوانه وصورة لمدخل البناء على هاتفها الخليوي. فلاحظ وجود كاميرات مراقبة، عندها اعلم المتهمتين بوجوب وضع الحجاب واخفاء وجهيهما عند دخول البناء لعدم ظهورهما في تسجيلات الكاميرات المركزة في المحلة. وفي اليوم نفسه للاستطلاع حضرت المتهمة الى منزل المتهم ابو الجود ومعها ظرفا دواء "ريليف" بداخلهما نحو 20 حبة، وظرف باراسيتامول بداخله 12 حبة طحنتها المتهمة ميريان ووضعتها مع نيلوشا في علبة بلاستيك صغيرة لاحد انواع السكاكر تحضيرا لارتكاب الجريمة في اليوم التالي، وتوجهتا قرابة الحادية عشرة قبل ظهر 11/2/2016 الى منزل الضحية ومعهما الدواء بهدف دسه له ولخادمته. ودخلتا المطبخ وتبادلتا الحديث مع الضحية غوناواثي التي استفسرت منهما ان تناولتا الطعام، فطلبت عندها المتهمة نيلوشا تحضير طعام سري لانكي، فاعدت السلطة والبطاطا. وبغفلة منها وضعت الدواء في صحن السلطة العائد الى غوناواثي وداخل كاسة الحساء المعدة لابرهيم ياسين والموضوعة في البراد. بعد ذلك تناولوا الطعام في المطبخ. وما ان تذوقت غوناواثي القليل من السلطة حتى شعرت بطعم المر فتركتها، كما ان ابرهيم لم يتناول الحساء باعتبار ان الوقت المخصص لتناوله هو بعد الظهر.
الجريمة الثلاثية
فشلت محاولتهما الاولى وغادرت المتهمتان المنزل بعدما ابلغتا غوناواثي بانهما ستعودان الحادية عشرة ليلا لغسل ثيابهما والمبيت عندها بحجة انهما ملاحقتان من الشرطة لعدم قانونية اقامتهما، وهو ما عكس اصرارهما على تنفيذ جريمة القتل. فاتصلت ميريان بالمتهم بلال ابو الجود وابلغته بفشل العملية. فاجتمعا معه وقرر الثلاثة المشاركة في العملية لضمان نجاحها، على ان تتوجه المتهمتان الى منزل ياسين بسيارة اجرة ويلحق بهما المتهم ويصعد الى الشقة بعد نوم خادمته وارسال اشارة له من شريكتيه بذلك. الثامنة ليلا، اشترى زجاجة تنر وثلاثة ازواج قفازات من الصوف، أعطى كلا من المتهمتين زوجا منها لكي لا تظهر بصماتهما.
قفازات وتخفّ
لبست كل من المتهمتين جاكيت سوداء ووضعتا وشاحا ابيض على وجههما واستقلتا سيارة اجرة الى محلة الرملة البيضاء، ولحق بهما المتهم سيرا في انتظار ان تصله اشارة هاتفية متهما بدخولهما المنزل. دخلت المتهمتان منزل الضحية بعدما فتحت لهما مواطنتهما باب مدخل البناء ثم باب المنزل وجلسوا في المطبخ. وعند الثالثة والثلث فجرا اتصلت به المتهمة ميريان وطلبت منه الصعود الى المنزل وفتحت له باب المدخل وباب الشقة. وبوصوله ارشدته الى المطبخ ومنه خرج الى الشرفة حيث خلع حذاءه، ثم توجهت نحوه المتهمة ميريان ومعها قنينة التنر وقطعة القماش التي سيستعملها المتهم ابو الجود لخنق الخادمة غوناواثي. واثناء خروجها من المطبخ ارتطمت يدها بمسكة بابه محدثة ضجيجا، فحضرت الاخيرة الى المطبخ لاستطلاع الامر وكان المتهم اختبأ وراء بابه، ووقفت مع ميريان قرب فرن الغاز. ولما استدارت شاهدت المتهم خلف الباب فصرخت: "مين هيدا"، فأجابتها ميريان بأنه صديقها، كما قال لها ابو الجود "ما تخافي انا عم ابحث عن ميريان"، الا ان غوناواثي لم تصدقه لكونها شاهدته حافي القدمين ويضع قفازات في يديه، فراحت تصرخ "بابا بابا"، عندها اقترب منها ابو الجود وبغفلة منها وضع القماشة التي يحملها والتي كانت ميريان اشبعتها بمادة التنر على انفها وفمها بغية خنقها، في حين اقدمت الاخيرة على الامساك بيديها، فيما امسكتها المتهمة نيلوشا برجليها فوقعت أرضا، بعدما دفعها ابو الجود على الارض، وراحت تقاوم لدقائق عدة، عندها توجت ميريان الى غرفة غوناواثا واحضرت وسادة اشبعتها بالتنر فوضعها المتهم على انفها وفمها وظل يضغط بقوة الى ان خارت قواها، واحضرت نيلوشا كيس نايلون من غسالة قديمة وعمدت ميريان الى شد يدي غوناواثي الى الاعلى لكي يعلو رأسها عن الارض، فوضع ابو الجود الكيس في رأس الضحية وتولت نيلوشا ربطه باحكام حول عنقها لقطع الهواء عنها. وبعد دقائق انقطع نفسها وتحققت المتهمة نيلوشا من وفاتها بعد جس نبضها. بعدها احضرت نيلوشا عبوة لمستحضر فلاش بعدما أفرغت قنينة التنر وافرغت قسما منها على الوسادة عينها واحضرت سكينا من المطبخ بناء على طلب ابو الجود لاستخدامه في قتل صاحب المنزل في حال فشل خنقه بالوسادة، كما امسكت المتهمة بطنجرة اعطاها اياها المتهم لضرب ابرهيم في حال ابدى مقاومة. وتوجه الثلاثة الى غرفة رب المنزل الذي كان نائما على جنبه، فعمد المتهم الى شده من كتفه بحيث اصبح نائما على ظهره، عندها استفاق وراح يصرخ "مين مين"، فوضع المتهم الوسادة على وجهه وراح يضغط بشدة لخنقه، في حين عمدت المتهمتان الى تثبيته بامساكه من يديه ورجليه. الا ان ابرهيم تمكن من ابعاد المتهم عنه من خلال دفعه برجليه، عندها عمد الى طعنه سبع طعنات في صدره تسببت له بجروح عميقة وصل بعضها الى قلبه وشرايينه ورئته مما ادى الى وفاته، ثم توجه الى الخزنة وخلع بابها بمفتاح كانت المتهمة ميريان احضرته معها واستولى من داخلها على مسدسين مع ممشطين مذخرين و70 طلقة ومبلغ 11 الف و500 دولار وثلاثة ملايين ليرة. واثناء فرارهم تعطل المصعد فانتابهم الخوف، واقدم المتهم على دفع زجاج باب المصعد برجله فانكسر وتمكنوا من الخروج من الفتحة وغادروا البناء. وبوصولهم الى منزل المتهم تقاسموا المال وباتوا جميعا في منزل الاخير. وصباح اليوم التالي توجهت المتهمة نيلوشا الى محلة الدورة وابتاعت مجوهرات بقيمة 1450 دولارا.
في المصيدة
وباكتشاف الجريمة من خلال مراجعة اتصالات المتهمين الثلاثة ورصد تحركاتهم من خلالها، والتي تقاطعت مع افادة شاهد مقيم في البناء نفسه كان استيقظ الثالثة والنصف فجرا بغية التوجه لاداء صلاة الفجر، وبعد نحو عشر دقائق سمع صوت ارتطام جسم غريب على الارض مصدره شقة المغدور، ولدى مغادرته المنزل تبين له ان المصعد كان في وضعية الانتظار في الطبقة التاسعة حيث شقة المغدور، ولدى عودته الى المنزل وبعودته بعد حوالى ساعتين لم يتمكن من استعمال المصعد فصعد الدرج ووجده عالقا بين الطبقتين السادسة والسابعة، وكان زجاجه مكسورا ومخلوعا من الداخل. وبعد استثمار هذه المعلومات تمكنت دورية من مكتب المعلومات في بيروت من استدراج المتهم وتوقيفه. ولدى مواجهته بالادلة اعترف بارتكابه الجريمة بالاشتراك مع المتهمتين اللتين اوقفتا ايضا . وتم ضبط المسروق وقنينة التنر في منزل المتهم. كما رصدت كاميرات المراقبة في محيط منزل المغدور سيارة الاجرة التي اقلت المتهمين، كذلك رصدت المتهم متجها نحو البناء الذي يقيم فيه المغدور.وتراجع المتهمون الثلاثة استنطاقيا وامام محكمة الجنايات في بيروت عن نية القتل وانهم قصدوا منزل المغدور بقصد السرقة فحسب.
وقضت المحكمة برئاسة القاضي طارق بيطار وعضوية المستشارتين ميراي ملاك وفاطمة ماجد بانزال عقوبة الاعدام بالمتهمين الثلاثة ودانتهم بجناية السرقة وبالاقامة غير المشروعة في لبنان بالنسبة الى السري لانكيتين. والزمتهم دفع مبلغ 150 مليون ليرة للجهة المدعية ولدي المغدور بعدما اعتبرت ان الثلاثة اتفقوا في ما بينهم على ارتكاب الجريمة المزدوجة وجهزوا الادوات اللازمة لارتكابها ثم نفذوها بالاشتراك في ما بينهم وممارسة ضروب الشراسة على المغدورة غوناواثي ثم تابعوا جريمتهم واقدموا على قتل المغدور ابرهيم ياسين بعد ان عمد المتهم ابو الجود الى طعنه في حين تولت المتهمتان مهمة تثبيته.