أولا: التحريم الشرعي
الحمد للّه أنّ فضيلة الشيخ (لقب ديني) الدكتور (لقب علمي) لم يذهب حدّ تكفير إخوانه من شيعة أهل البيت، الذين قد يُغرّر بهم الشيطان فيقترعون ضد لائحة حزب الله-حركة أمل، ممّا قد يفضي لا سمح الله إلى اختراق الكتلة النيابية لهذه الثنائية في الانتخابات القادمة، فقد اكتفى بالتحريم الشرعي والتنبيه لمخاطر الوقوع في المفاسد الانتخابية.
ثانياً: إستسهال إطلاق الفتاوى عبر التاريخ الإسلامي
يعاني المسلمون عامةً (ومنهم الشيعة) من شيوع الفتاوى واستسهال إطلاقها والندب للعمل بها بلا علمٍ أو دراية أو احترازٍ أو احتياط، ولا غرو فقد شاع الخراب وعمّت البلوى، وسُفكت الدماء وانتُهكت الأعراض في طول العالم الإسلامي وعرضه من قبل مُفتين مبتدئين لا يتورعون في انتهاك الحرمات وتلبيس الصراعات السياسية والنزاعات قشوراً دينية بحجة إطلاق الفتاوى الشرعية.
مطلع القرن الثاني للهجرة قال أحد الممتعضين من الفتاوى والمُفتين: عندنا من يفتي خلال برهة، في مسألةٍ لو عُرضت على أبي بكر أو عمر لجمع لها أهل بدر، وكان الحكام يتحرّجون في لفظ الأحكام القضائية ويتحرّون أفضلها، فقد كان زياد بن أبي سفيان يُجلس القاضي شريح إلى جنبه ويقول له: إن حكمتُ بشيء ترى غيره أقرب إلى الحقّ فأعلمنيه، فكان زياد يحكم فلا يرُدّ شريح عليه، فيقول زياد: ما ترى؟ فيقول: هذا الحُكم. حتى أتاه رجل من الأنصار فقال: إنّي قدمتُ البصرة والخطط موجودة، فأردتُ أن أختطّ لي، فقال لي بنو عمّي وقد اختطّوا ونزلوا: أقم معنا، واختطّ عندنا، فوسّعوا لي ، فاتّخذت فيهم داراً وتزوجت؛ ثم نزغ الشيطان بيننا، فقالوا لي: اخرج عنّا، فقال زياد: ليس ذلك لكم، منعتموه أن يختطّ والخطط موجودة، وفي أيديكم فضل فأعطيتموه، حتى إذا ضاقت الخطط أخرجتموه وأردتم الإضرار به؟ لا يخرج من منزله! فقال شريح: يا مُستعير القدر اردُدها. فقال زياد: يا مستعير القدر احبسها ولا تردُدها! فقال محمد بن سيرين (فقيه عصره): القضاء بما قال شريح، وقول زياد حسن.
إقرأ أيضا : الشيخ حسن جوني يحرم التصويت ضد لائحة الثنائية الشيعية ... في أي زمن نحن نعيش؟
ثالثاً: اختلافات الفقهاء رحمة لا نقمة
في عقود الإسلام الأولى كان القرب الزماني من النبي والصحابة يتيح لأهل الشرع أن يحلّوا بسهولة المسائل التي تعرض لهم باللجوء إلى القرآن والحديث وإلى سُنّة الصحابة كلما مسّت الحاجة لذلك، إلاّ أنّه مع اتّساع الفتوحات، ودخول عناصر مختلفة في الأمة الإسلامية، تنوعت المذاهب الفقهية حتى استقرت على أربعة عند أهل السّنة والجماعة، مضافاً لها المذهب الجعفري الخامس، وقبل تبلور هذه المذاهب وبعدها، ظلّ الاختلاف موضع رحمة لا نقمة كما درج فقهاء زماننا، فهذا الحجّاج أرسل إلى الشعبي (أحد أبرز فقهاء عصره) ليسأله في فريضة: ما تقول في أُمٍّ وأخت وجدّ؟ فلم يدلي الشعبي بحكمه، بل قال للحجاج: اختلف فيها خمسةٌ من أصحاب محمد (ص) : عبدالله بن مسعود، وعلي، وعثمان، وزيد، وابن عباس. قال: فما قال فيها ابن عباس؟ قال الشعبي: جعل الجدّ أباً ولم يُعط الأخت شيئاً، وأعطى الأم الثلث. قال: فما قال فيها ابن مسعود؟ قال الشعبي: جعلها من ستّة، فأعطى الجدّ ثلاثة، وأعطى الأم اثنين، وأعطى الأخت سهماً. قال: فما قال زيد (ابن ثابت) ؟ قال الشعبي: جعلها من تسعة، فأعطى الأم ثلاثة، وأعطى الجدّ أربعة، وأعطى الأخت اثنين؛ فجعل الجدّ معها أخاً، قال: فما قال أمير المؤمنين عثمان؟ قال: جعلها أثلاثاً. قال: فما قال فيها أبو تراب (يعني الإمام علي بن أبي طالب)؟ قال الشعبي: جعلها من ستّة ، فأعطى الأخت ثلاثة، وأعطى الأم اثنين وأعطى الجد ّسهماً، قال الحجاج: مُر القاضي فليُمضها على ما أمضاها أمير المؤمنين، (يقصد عثمان بن عفان).
هل يسمح لنا فضيلة الشيخ الجوني بفسحة معارضة فتواه، والاقتراع لمن نراه صالحاً للندوة البرلمانية، دون الخروج على الواجب الشرعي؟ طالما أنّ الثنائية "مرتاحة على وضعها" كما طمأننا فضيلته.