لم يعرف لبنان بتاريخه القديم والحديث أسوأ من هذه السلطة التي تحكم البلاد وتتحكم بالناس وبحاضرهم ومستقبلهم وبمستقبل أولادهم وبلقمة عيشهم.
كل يوم يمرّ نقول بأن البلاد وصلت إلى الدرك الأسفل، لنكتشف في اليوم التالي بأن هناك درك أسفل من الذي سبقه.
في السابق كانت السلطة تمارس السمسرات والصفقات وتقاسم الحصص بشيء من السرية وتحاول أن تقنع الرأي العام بعكس ما هي عليه. اليوم أصبح كل شي على المكشوف بلا خجل ولا وجل، يجاهرون بفعل كل الموبقات على الهواء مباشرةً، تحت شعار تحصيل وتحصين حقوق المذاهب والطوائف، ربطوا مصير الطائفة بمصير عائلاتهم وجيوبهم وأرباحهم وثرواتهم، يتوارثون الزعامة من جيل إلى جيل، ويجعلون من أبنائهم زعماء وهم في أعمار المراهقة، ويحاولون إقناع رعاياهم بأن هذا الشبل هو زعيم جاهز للزعامة دون أي مجهود يذكر، زعيم بعمر المراهقة لم يسبق له أن دعس في الوحل أو شارك في مظاهرة أو قاد نقابة، كل رصيده هو أنه إبن زعيم ويملك مفاتيح التوظيف والتمويل وحماية الأزلام والمحاسيب عبر شبكة مصالح ورثها عن أبيه.
إقرأ أيضا : كرامات الفقراء تهان في لبنان ... ضربة كف من ضابط لمياوم لأنه يطالب بلقمة عيشه
كأن البلد أصبح ملكاً لهؤلاء، يأخذونه إلى حافة الهاوية حيناً وإلى الهاوية أحياناً عندما يختلفون، ويتقاسمونه حصصاً وبلوكات ومطامر عندما يتفقون.
يحق للواحد منهم بأن يتلاعب بالسلم الأهلي متى يشاء، يقول ويفعل ما يهدد الإستقرار الهش دون حسيب أو رقيب كما حصل مؤخراً بين الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري، يتلاعبون بالفتنة المذهبية ويعيدون رسم خطوط تماس الحرب الأهلية ويشهرون السلاح غير الشرعي بوجوه مكشوفة وأسماء معروفة على مرأى ومسمع الجيش اللبناني والقوى الأمنية دون توقيف أي شخص ولو من باب رفع العتب وحفظ ماء وجه السلطة وما تبقى من هيبة الدولة المفقودة، ثم يتحرك القضاء فجأةً لمحاكمة الإعلامي مارسيل غانم لأسباب سياسية دون إقترافه أي خطأ أو جرم يذكر. تركوا كل من يعبث بالإستقرار والسلم الأهلي ويلاحقون هشام حداد بسبب برنامج ترفيهي يضفي قسطاً من الضحك والفرح على حياة المواطنين المثقلين بالهموم والديون والأقساط والسندات.
إقرأ أيضا : بالفيديو: عميد في الدرك يصفع مياوم داخل مؤسسة كهرباء لبنان
القوى الأمنية تركت كل العابثين بحياة الناس الآمنين وتصدت لمياومي الكهرباء المتروكين لمصيرهم مع عائلاتهم، حيث يعملون بمهنة غايةً في الخطورة دون ضمان أو تأمين أو تعويضات، يعملون ليل نهار ولا يتقاضون رواتبهم كما يجب، يصرفون من أعمالهم دون أن يقبضوا تعويضاتهم ومستحقاتهم. لم يبقَ أمام المياومين سوى الإعتصام السلمي داخل مؤسستهم علّهم يحصلون على أدنى حقوقهم في العمل وتأمين لقمة العيش بكرامة، حتى هذا الحق أصبح ممنوع عليهم، حتى تجرأ العميد في قوى الأمن الداخلي حسين خشفة على صفع المياوم حسن زين عقل على وجهه أمام الكاميرات غير آبهٍ بكرامته وكرامة عائلته، التطاول على كرامات الناس يحاسب عليها القانون، لكن في جمهورية الليمون أصبح المتنفذون أقوى من القانون ومن الدستور، يفعلون فعلتهم ولا يأبهون للقانون، لأنهم يعرفون بأن من وظفهم هو فوق القانون والقانون لا يطبق إلاّ إستنسابياً على الفقراء الخارجين من بيت طاعة زعماء الطوائف وأمراء الحرب.
أصبحنا نعيش في دولة أشبه بمزرعة تسودها شريعة الغاب، دولة بدل أن تطبق القانون على الجميع وتحمي مواطنيها من الخارجين عن القانون، أصبح من يمثل هذه الدولة يعتدي على المواطنين المسالمين العزل، ويسلبهم حقهم بممارسة الحد الأدنى من التعبير عن الرأي، هذا الحق الذي كفله الدستور، لكننا أصبحنا في بلدٍ الدستور فيه معطّل والقانون فيه معلّق والمواطن فيه عالق بين العاطل والمعطّل.