المواطن الإيراني يدفع ثمن سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية لدرجة أن أرهق حتى بات يتمنى الموت
 

بالرغم من المحاولات الحكومية الرامية إلى تهدئة الاحتجاجات التي اندلعت في الأسابيع الماضية، إلا أنها ما زالت مستمرة في بعض المدن الرئيسية في البلاد.

كما تفيد كافة المؤشرات الاقتصادية والسياسية بأن الاحتجاجات ستعود وستشمل كافة المدن والأقاليم في جغرافية إيران السياسية. وللدلالة على احتمال أن تستمر الاحتجاجات، لا بد من فهم المشهد السياسي والاقتصادي.

في الذكرى التاسعة والثلاثين للثورة، ومن ضريح الخميني، حاول الرئيس حسن روحاني تهدئة الغضب الشعبي المتصاعد، عبر مقارنة أوضاع البلاد الحالية مع تلك التي عاشها الشاه الابن في الأيام الأخيرة من حكم الدولة البهلوية، قائلا “إن الحكومة التي لا تستمع لصوت الشعب، إلا عندما يثور عليها، هي حكومة تأخرت كثيرا”.

بالفعل، تأخر روحاني ونظامه كثيرا، وكأنه لم يكن من صُناع القرار منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، وتدرّج وعمل في عدة مناصب حكومية رفيعة المستوى، ومنها ممثل المرشد علي خامنئي وأمينه في مجلس الأمن القومي الإيراني لعقدين ونيف، ورئيس مكتب الدراسات الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، ومندوب العاصمة طهران في مجلس الشورى لخمس دورات متعاقبة، ورئيس الفريق المفاوض في الملف النووي عامي 2003 و2004. كما كان -روحاني المعتدل حاليا- من أشد الذين عملوا في بداية الثورة على فرض الحجاب بالقوة في المجتمع الإيراني ومن تحت قبة البرلمان.

يأتي حديث الرئيس الإيراني في إطار المراوغة السياسية والخداع الذي اعتاد عليه النظام الإيراني ورموزه (الإصلاحيون والأصوليون) طوال العقود الأربعة الماضية. ومما لا شك فيه أن هذا السلوك يتقنه حسن روحاني وزملاؤه.

وبالعودة إلى الاحتجاجات ومسبباتها، فإن للأوضاع الاقتصادية والسياسية الدور الرئيسي في اندلاعها. وإذا تعمقنا في البنية المجتمعية الإيرانية الحالية نجدها معقدة وغير منسجمة، حيث فشلت جميع السياسات التي حاولت السلطات الفارسية منذ تسعة عقود فرضها وتطبيقها بالقوة.

لم يأخذ المشرع الفارسي،– سواء أكان في العهد البهلوي ذي التوجه القومي أم في ظل الجمهورية الإسلامية ذات التوجه الطائفي، بعين الاعتبار التنوع القومي والثقافي والاقتصادي في الأقاليم وحقوق الشعوب هناك. وأحدث هذا الوضع إشكالية في المجتمع الإيراني الحالي عنوانها التناقض والتباين بين أطياف البلاد ومكوناتها القومية.

إثر تدهور الوضع الاقتصادي، خصوصا في العقد الأخير، تعب المواطن الإيراني وأرهق إلى درجة أنه بات يتمنى الموت. كما أن ظاهرة المشردين في الشوارع وسكان المقابر والعشوائيات في المدن الرئيسية باتت ترهق النظام. وللدلالة على هذا الوضع المعيشي الصعب، أكد عضو لجنة الموازنة العامة في البرلمان الإيراني، فرهاد لاهوتي، على أن عدد المعوزين الذين يعيشون تحت خط الفقر ويستحقون المساعدات الشهرية في إيران، بلغ هذا العام نحو 42 مليون مواطن؛ بمعنى أن نصف السكان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقريبا يعيشون تحت خط الفقر ويتلقون المساعدات الشهرية التي قد تصل في أفضل الحالات إلى 13 دولارا أميركيا.

لفهم الواقع الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، من الضروري أن نستشهد بأحدث إحصائيات البنك المركزي الإيراني للعام الماضي، والتي نشرتها وكالة تسنيم الإخبارية التابعة للحرس الثوري في أيلول 2017، حيث تؤكد على أن مديونية الحكومة (مؤسسات وشركات) للبنك المركزي بلغت أكثر من 60 مليار دولار أميركي، بنسبة زيادة قدرها 26.4 بالمئة عن العام الماضي.

أن مديونية الحكومة (مؤسسات وشركات) للبنك المركزي بلغت أكثر من 60 مليار دولار أميركي، بنسبة زيادة قدرها 26.4 بالمئة عن العام الماضي
وأما ديون القطاعات شبه الحكومية والخاصة (شخصيات اعتبارية وحقوقية) للبنك المركزي للعام نفسه فقد بلغت 250 مليار دولار أميركي تقريبا، بنسبة زيادة قدرها 24.7 بالمئة عن العام الماضي؛ بمعنى أن القطاعات المديونة في البلاد للبنك المركزي هي المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والشارع الإيراني بكافة مكوناته الاقتصادية والتجارية.

كما تعتمد الحكومة الإيرانية، في مداخيلها لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية الحالية، من أجل تغطية نفقاتها على عدة مصادر رئيسية، أهمها: النفط بواقع 30 بالمئة من مجمل الإيرادات، والضرائب بواقع 35 بالمئة في مقدمة المصادر التي توفر الإيرادات للموازنة العامة.

وحسب ما ورد في مشروع الموازنة العامة للعام الإيراني الجديد الذي يبدأ في 21 مارس القادم، وأقره البرلمان بواقع يصل إلى 341 مليار دولار أميركي (الدولار الأميركي الواحد يعادل 35 ألف ريال إيراني)، تصل الإيرادات المتوقع توفيرها من النفط والغاز والضرائب تقريبا إلى 85 مليار دولار أميركي. كما يُقدَّر العجز في هذه الموازنة بنحو 18.4 مليار دولار أميركي بنسبة قدرها 18 بالمئة.

وبناءً على التقارير وآراء الخبراء الاقتصاديين ومنهم الخبير الاقتصادي والبرلماني الأصولي السابق محمد خوش جهره، فإن حجم الإيرادات غير النفطية في إيران لا تتجاوز 20 بالمئة من مجموع الإيرادات العامة في البلاد.

ومحاولات الحكومة الإيرانية الرامية للتنويع في مداخيلها غير النفطية، والتي تعتمد في المقام الأول على الإيرادات الضريبية والأوراق المالية والإدارية، في الواقع ناتجة عن إدراكها لما ستؤول إليه أوضاع صادراتها النفطية التي تراجعت في الأسواق الآسيوية في نهاية العام الماضي بنسبة 16 بالمئة.

كما أن الصادرات الإيرانية وبناء على تقرير إدارة الجمارك للعام الماضي تراجعت بنسبة 40 بالمئة. وعليه، فإن حجم الإيرادات المفترض توفيرها من النفط والغاز والضرائب (التي تشكل 65 بالمئة من مجموع النفقات العامة وقدرها 341 مليار دولار) لا يتجاوز 86 مليار دولار؛ أي أن على الحكومة الإيرانية توفير المبلغ المستحق المتبقي وقدره 255 مليار دولار تقريبا، لتغطية النفقات العامة للحكومة الإيرانية للعام الإيراني الجديد، من النسبة المتبقية 35 بالمئة، وهي معادلة غير منطقية ولا يمكن تحقيقها.

وبالتالي، للإشكاليات آنفة الذكر، يعتقد بأن الديون المتراكمة في البلاد التي أدت إلى إفلاس الكثير من البنوك والمؤسسات الحكومية والورشات الصناعية -سواء أكانت خاصة أم حكومية- سوف ترتفع أكثر.

من هنا، لا بد لنا أن نشير إلى أن العلاقة التاريخية والوثيقة بين رجال الدين والبازار، بدأت بالانحلال وتراجعت كثيرا عما كانت عليه في الماضي. لأن البازار يعتبر من أهم المحركات السياسية والمذهبية، ولرجال الدين في البازار -خاصة في الوسط الفارسي وشمال البلاد.

لكن، بعد حرب السنوات الثماني مع العراق، بدأ الحرس الثوري يدخل رويدا رويدا في مناحي الحياة في البلاد وبتفاصيلها المملة. هذا الوضع الجديد، حول الحرس الثوري المدعوم من بيت المرشد والمؤسسة الدينية إلى عملاق اقتصادي، ووصل الأمر إلى مرحلة شبّهه البعض بالأخطبوط الذي أمسك بجميع مفاصل البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهدّد الواقع التقليدي للمكونات الاقتصادية والتجارية وهمش دورها.

وما الاستطلاع الحكومي الأخير لوزارة الداخلية والذي تحدث عن استياء شديد وعدم رضا عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد بنسبة تصل إلى 74.8 بالمئة من عموم السكان، واحتمالية عودة الاحتجاجات ثانية، إلا دليل قاطع على فشل سياسات نظام الجمهورية الإسلامية، سواء أكانت سياسات داخلية أم سياسات خارجية.