غادر وزير الخارجية ريكس تيلرسون بيروت بخفيّ حنين، حيال الاشتباك النفطي بين لبنان واسرائيل، وبقيت صواعق هذا الاشتباك مشتعلة، وبقي مساعده دايفيد ساترفيلد على خط التواصل مع المستويات الرسمية، فتنقّل بالأمس بين عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري والسراي الحكومي حيث التقى رئيس الحكومة سعد الحريري، وقصر بسترس حيث كان له لقاء مع وزير الخارجية جبران باسيل وكذلك مع اعضاء هيئة ادارة قطاع النفط، ولكن من دون ان ينجح في انتزاع موافقة على ما سمّي «حل الوسط» الاميركي، الذي يقول إنّ الحل الوحيد لأزمة الحدود البحرية النفطية يكون بالعودة الى خط فريديريك هوف، الذي رسمَ في العام 2012 خطاً بحرياً يمنح لبنان 60 في المئة من المنطقة المختلف عليها بين لبنان واسرائيل، ويمنح اسرائيل 40 في المئة منها.

واللافت للانتباه في هذا السياق، وكما تؤكد مصادر مواكبة لهذا الملف لـ»الجمهورية»، انّ الطرح الاميركي الذي سعى ساترفيلد الى تسويقه، أربك الموقف الرسمي اللبناني، إذ بَدا انّ بعض المستويات السياسية تعاطت بليونة مع هذا الطرح مع ميل الى الموافقة عليه، فيما كانت مستويات اخرى ترفع البطاقة الحمراء امام الطرح الاميركي على اعتباره طرحاً خبيثاً مغايراً لم يأخذ من خط هوف سوى الاسم فقط، ذلك انّ ما اقترحه هوف ليس التقاسم بنسبة 60 % للبنان من المنطقة المختلف عليها و40 % لإسرائيل، بل هو اقترح ان يمنح لبنان 60 الى 65 % من المنطقة المختلف عليها، وامّا المساحة المتبقية، فيعتمد حولها خياران، الاول: ابقاء المنطقة كما هي من دون ان يستثمر فيها لا لبنان ولا اسرائيل الى حين التوصّل الى اتفاق حولها بينهما. والثاني: أن يُصار الى الاستثمار فيها، على ان توضَع الاموال المحصّلة في صندوق حيادي الى حين حصول اتفاق بين الطرفين.

وبحسب المصادر انّ الموقف الاميركي انطوى على لغة ترغيبية عَبّر عنها الموفد الاميركي بقوله ما مفاده، انّ موافقة لبنان على الالتزام بخط هوف يفتح الباب أمامه للشروع في استثمار نفطه البحري الذي كلما تأخّر لا يجني لبنان من ذلك ايّ فائدة، حتى انّ الموفد الاميركي حاول إحراج مَن التقاهم بسؤال: هل يريد لبنان نفطه ام لا»؟

الّا ان صورة الموقف اللبناني، كما تؤكد المصادر، عادت الى الثبات، بعد سلسلة اتصالات جرت في الايام الاخيرة على الخطوط السياسية والرئاسية كلها، وخصوصا بين بعبدا وعين التينة والسراي وكذلك مع «حزب الله»، خلاصتها «اذا تراخى لبنان في هذه المسألة سيخسر حتماً، والطرح الاميركي، كما يجري تسويقه، يعطي 60 % للبنان و40 % لإسرائيل، والمكامن النفطية موجودة بشكل اساسي في مساحة الـ40 % التي تكتنز ثروة من النفط والغاز بعشرات المليارات من الدولارات، وفق تقديرات الخبراء. فإذا قَبل لبنان بهذا الطرح فَرّطَ بسيادته من جهة، وهو لن يجني من الثروة النفطية الموعودة سوى الفتات، من جهة ثانية.

بري يرفض

وعلمت «الجمهورية» انّ حركة الاتصالات صاغت موقفا نهائيا فحواه رفض ما سُمّي «التحايل الاميركي على الخط»، وانّ القبول بهذا الطرح معناه التفريط، ليس بالثروة النفطية والغازية، بل بالسيادة الوطنية.

وتبعاً لذلك، جاء موقف الرئيس بري الذي أبلغه الى ساترفيلد امس. حيث انّ رئيس المجلس استمع الى مقترحات المسؤول الاميركي، وردّ عليه مؤكداً «انّ المطروح غير مقبول»، مُصرّاً على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم نيسان 1996، على غرار ما حصل بالنسبة للخط الازرق.

واكد بري امام زوّاره انّ موقفنا ثابت ونهائي بأننا لا يمكن ان نقبل بما يمسّ سيادتنا وثروتنا الوطنية في البر والبحر. وهذا ما ابلغناه بالإصرار عليه لكل من يأتي الينا، وقلنا هذا الامر لوزير الخارجية الاميركية وكذلك لساترفيلد: لبنان يرفض الطرح المتعلق بخط هوف، هذه هي خلاصة موقفنا ولا رجعة عنه.
واشار برّي الى انّ ساترفيلد سينتقل الى اسرائيل، وبالتأكيد سيبلّغ الاسرائيليين موقفنا.

نصرالله

وفي السياق نفسه، جاء موقف الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب ألقاه خلال مهرجان «القادة الشهداء» امس، حيث قال: «ليس هناك وساطة اميركية بل هناك إملاءات وتهديدات للبنان».

واعتبر انّ الثروة النفطية الموجودة في الجنوب هي للبنانيين جميعاً، وهذا استحقاق يمكن ان يضع الاقتصاد اللبناني على طريق واعد، مشدداً على انّ البلوك رقم 9 هو معركة كلّ لبنان. وقال: إنّ وحدة الموقف اللبناني هي أهم عامل للإنتصار في هذه المعركة، موضِحاً انّ الموضوع الاساسي للنزاع اليوم هو الحدود البحرية وليس الحدود البرية.

ولفت نصرالله الى «انّ حقوق لبنان تُحدّدها الدولة ومؤسساتها التي عليها ان تكون بمستوى الثقة وعلى درجة عالية من الشجاعة، قائلاً: «على الدولة في لبنان ان تتعامل مع ملف الحدود من مستوى اننا اقوياء، فالقوة الوحيدة في معركة النفط والغاز هي المقاومة، يجب الّا نُخدَع وألّا نؤخَذ بالتهويل والتهديد. واقول انه في حال اتّخذ مجلس الدفاع الأعلى قراراً بأنّ محطات النفط الاسرائيلية ممنوعة من العمل «فإنا أعدكم أنها خلال ساعات ستتوقّف عن العمل».

وفيما اعتبر بري «انّ خطاب السيّد نصرالله في محله»، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ سفيراً غربياً نقل اليه تطمينات بعدم وجود نيّة لدى اسرائيل بتصعيد الموقف مع لبنان. وهو أمر عكسه ايضاً وزير الخارجية الاميركية خلال وجوده في بيروت.

وكشف السفير المذكور انّ نقاشاً جرى في اسرائيل في الفترة الاخيرة، وعقب اعلان وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان مواقف تصعيدية ضد لبنان ربطاً بالبلوك رقم 9، أمّا سبب هذا النقاش فهو انّ الشركات العاملة في مجال النفط البحري في اسرائيل بعثت بإشارات تحذيرية للسلطات الاسرائيلية تبلغها فيها بأنّ اي تصعيد للموقف من شأنه ان يؤثر في عمل هذه الشركات ويدفعها الى الانسحاب.

وتصدّرت هذا التحذير الشركة اليونانية التي تتولى العمل في الحقل القريب من المنطقة المختلف عليها مع لبنان، الأمر الذي دفع سريعاً الى تَبدّل في النبرة التهديدية الاسرائيلية وخفض سقف التصعيد.

الإنتخابات

من جهة ثانية، وفي وقت يتوالى تقديم الترشيحات للانتخابات في وزارة الداخلية، يستعد الرئيس بري لعقد مؤتمر صحافي ظهر الاثنين المقبل لإعلان مرشحي حركة أمل للانتخابات، حيث علم في هذا المجال انّ تغييرات طفيفة قد طرأت في بعض الاسماء، فيما تمّ التشارُك مع «حزب الله» على المرشحين الشيعيين في دائرة بيروت الثانية، وتقرّر ترشيح حركي في البقاع الغربي.

وفيما يعلن «حزب الله» مرشحيه مطلع الاسبوع المقبل خلال اطلالة جديدة للسيد نصرالله، علمت «الجمهورية» أنّ الحزب أجرى بعض التغييرات في صفوف مرشحيه في البقاع والجنوب، واعتمد خيار الفصل بين النيابة والوزارة، وعاد بمرشّح الى بيروت وآخر الى زحلة، وتشارَك مع حركة أمل على المقعدين الشيعيين في بعبدا.

يأتي ذلك في وقت قالت مصادر تيار المستقبل لـ»الجمهورية انّ اعلان ترشيحات المستقبل لن تتأخر كثيراً، وستضمّ ما وَصفتها «وجوهاً معروفة، إضافة الى وجوه واعدة». وفيما تجري التحضيرات لدى «التيار الوطني الحر» لتظهير صورة مرشحيه، أشار النائب الان عون، في تغريدة له، الى انّ اجتماع المجلس السياسي بحث البرنامج الإنتخابي للتيار والتحالفات والترشيحات، على أن «تُعلن اللوائح الإنتخابية النهائية في مؤتمر 24 آذار».

خليل

على صعيد الموازنة، لا مؤشرات توحي بأنّ الموازنة ستوضع على نار جدية لإنضاجها في الفترة المتبقية من عمر المجلس النيابي الحالي، ومع ذلك انّ الامور سائرة نحو الوقوع مجدداً في أزمة ما قبل إقرار موازنة الـ2017، ومعمعة قطع الحساب والجدل حول إقرار الموازنة قبله او بعده.

وفيما أفيد عن إمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل، قال وزير المال علي حسن خليل لـ»الجمهورية»، انّ رئيس الحكومة وعد بعقد جلسات متتالية الاسبوع المقبل حول الموازنة.

وأشار خليل الى ضرورة إقرار الموازنة في هذه الفترة، ونكون بذلك نعطي قبل الانتخابات النيابية اشارة ايجابية جداً لكل العالم بأننا جادّون في هذا المنحى. وكشف انّ نقاشا واسعا يجري حول مضمون الموازنة، ولكن لا اتفاق حتى الآن. هناك زيادة في الانفاق وفي العجز، وبرأيي انه ما لم تكن هناك إجراءات كبيرة نتخذها فمعنى ذلك أننا ذاهبون الى مشكل. وقال: نحن جميعاً امام تحدٍ كبير، والمسؤولية تقع على كل القوى السياسية لتصحيح الوضع المالي الذي لا يمكن ان يعالج الّا بإجراءات إصلاحية حقيقية.