إيران تتصارع مع روسيا حول المزايا الاقتصادية ما بعد الحرب بعد أن حصلت على وعود استثمارية من دمشق التي تماطل في التنفيذ
 

 أنفقت إيران المليارات من الدولارات ودفعت بـالمئات من الخبراء ومقاتلي الميليشيات الحليفة لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها تكافح الآن من أجل جني عوائد تدخلها في سوريا وسط منافسة غير متكافئة مع روسيا التي تسير نحو تجميع الأوراق الاقتصادية والعسكرية بيدها.

وحصلت الحكومة الإيرانية والكيانات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على جوائز اقتصادية كبيرة في سوريا، منها؛ توقيع مذكرة تفاهم من أجل إدارة مشغل الهاتف المحمول، ودور في أحد مناجم الفوسفات الأكثر ربحا، وأراض زراعية، وخطط لتطوير فروع الجامعات.

لكنّ رجال الأعمال والدبلوماسيين الإيرانيين في سوريا يقولون إن تنفيذ هذه الاتفاقيات قد توقف من قبل مسؤولي النظام الأكثر حرصا على جذب شركات روسية وصينية، والأكثر حذرا من طموحات طهران التي تهدف إلى زيادة نفوذها.

ويقول أحد رجال الأعمال السوريين “بمجرد إلقاء نظرة على قطاع الاتصالات، نجد أنهم وقعوا فقط مذكرة التفاهم. لقد مضى أكثر من عام، ولم يتمكنوا من توقيع اتفاق. لم يجد الإيرانيون لهم مكانا يستطيعون من خلاله تحقيق الأرباح المنشودة من سوريا”.

وكانت إيران أول قوة إقليمية تنهض لمساعدة الأسد، وهي الوحيدة التي دعمته عسكريا بقوى كبيرة، مثل قوات حزب الله اللبناني، ودعم إنشاء قوات شبه عسكرية محلية، وإشراك الميليشيات الشيعية من الأفغان والعراقيين.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن طريق مراسلتيها إريكا سولومون من بيروت ونجمة بوزورغمير من طهران، أن الإيرانيين يشعرون بالقلق من أن الجهود المبذولة للاستفادة من الموارد السورية وعقود إعادة الإعمار المستقبلية يمكن أن تعوقها روسيا وهي أكبر داعم دولي لسوريا، والتي تحوّل تدخلها العسكري عام 2015 في الحرب السورية لصالح الأسد، وأن القلق الإيراني مرده الأكبر تردد المسؤولين السوريين وميلهم لمنح المشاريع لروسيا.

ويقول رجال الأعمال والدبلوماسيون في دمشق إن مسؤولي النظام والعاملين في الإدارات البيروقراطية سعوا إلى إخماد الجهود الإيرانية من خلال طلب المزيد من الأوراق وإجراء المزيد من المناقشات.

وقال دبلوماسي “يشعرون أن الإيرانيين يريدون التدخل في كل شيء، لذا يحاول السوريون جعلهم ينتظرون”.

وعلى الرغم من إمكانياتها الإقليمية، إلا أن طهران لا تستطيع أن تفعل شيئا يُذكر من أجل ممارسة الضغط، كما قال أحد رجال الأعمال السوريين، نظرا لأهمية سوريا بالنسبة لاستراتيجية إيران الإقليمية.

ويتساءل رجل الأعمال السوري “ماذا يملك الإيرانيون كي يهددونا به؟ هل سيهددوننا بالانسحاب؟ لا أعتقد، فالإيرانيون متورطون معنا، والنظام يعرف ذلك جيدا”.

والحديث عن العوائد المحتملة لإعادة الإعمار المفترضة، والتي تقدر الأمم المتحدة تكلفتها بحوالي 300 مليار دولار سابق لأوانه، وذلك لأن الحرب بين الأسد ومعارضيه لا تزال مستعرة. والأهم من ذلك، أنه لم يتضح بعد من سيمول إعادة الإعمار، ولا سيما أن الدول الغربية والخليجية، التي تمتلك المال الكافي للقيام بذلك، تقف على هامش الملف السوري.

ويعرب البعض من المسؤولين الروس عن قلقهم بشأن تحديد الاستثمارات الإيرانية بالطريقة نفسها التي عبروا فيها عن منع إشراك الدول الغربية.

وقال أحد المسؤولين إن “الأسد كثيرا ما يتصرف لصالح إيران. عندما يتعلق الأمر بالصفقات التجارية المحتملة وإعادة الإعمار، فمن المهم أن نقوم جميعا بذلك بطريقة تعود عليه وعلى الناس من حوله بالفوائد، ولكن يجب أن يبقى هذا بيننا وبينه، دون تدخل إيراني”.

ويقول دبلوماسيون في دمشق إن الاتجاهات الأولية لا تأتي في صالح إيران. ووصف أحد المسؤولين، شهد المعارض التجارية الأخيرة في دمشق، الشركات الإيرانية بأنها “تلتقط الفضلات” مقارنة بالشركات الصينية الزائرة، وهي القوة الاقتصادية التي تسعى سوريا لجذبها.

وتمثل الصفقات التجارية أولوية قصوى بالنسبة لإيران، ليس فقط لاستعادة ما يقدر بنحو 6 مليارات دولار أنفقتها إيران في سوريا بحسب ما قاله المسؤولون الإيرانيون، ولكن أيضا لأهمية ذلك في نشر القوة الناعمة التي تحتاج إيران إلى بنائها في سوريا لتطوير نفوذ وروابط اقتصادية طويلة الأمد.

وفي العراق المجاورة، تجني إيران بالفعل عوائد هذه الاستراتيجية. ليس فقط لأن طهران أكثر تأثيرا من واشنطن في المنطقة، ولكنّ صفقاتها التجارية في العراق شهدت ارتفاعا ملحوظا. ففي عام 2008 كان حجم التجارة مع العراق يقدر بحوالي 2.3 مليار دولار، وبحلول عام 2015، بلغ حجم المعاملات التجارية 6.2 مليار دولار.

ويقول أحد رجال الأعمال الإيرانيين “سيستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تستطيع سوريا الوقوف على قدميها من جديد، على عكس العراق الذي يمتلك الكثير من الموارد. بالنسبة لإيران، يظل العراق أولوية حيث تتقدم على منافسيها فيه”.

ويشير أحمد مجيديار، زميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن إيران تهدف إلى جعل نفسها أكبر شريك تجاري لسوريا. ويوضح كيف نجحت إيران في إنشاء فروع لجامعة آزاد الإسلامية، في العراق وعبر المنطقة، ولديها الآن خطط لفتح فروع في عدة مدن سورية. وقد بدأت الجامعة بالفعل برنامج تبادل صغير للطلاب من جامعة حلب.

ولكن التقدم في الجهود الثقافية لا يمكن أن يعد بالكثير إذا كانت العلاقات الاقتصادية متخلفة عن الركب. فإيران ببساطة لا تملك المال لإطلاق مشاريعها الكبرى الخاصة. يقول رجل أعمال إيراني إن “ما تملكه إيران في سوريا لا يمكن استغلاله من دون استثمارات”.

وتتردد الشركات الإيرانية الخاصة في المشاركة، بحسب رجل أعمال إيراني، لأن طهران سمحت للحرس الثوري الإسلامي والشركات المرتبطة به بقيادة هذا الجهد. ويقول “شركات الحرس الثوري ليست مرنة، وهي أيضا ملوثة بالفساد بسبب انعدام الشفافية. القائمون عليها لا يشعرون بالمسؤولية، ومن ثم لا يتمتعون بإدارة فعالة”.

وأضاف أن الحرس الثوري الإيراني قد يحتاج إلى جذب شركاء تجاريين من الصين أو دول عربية أخرى لجلب الأموال اللازمة.

ولكن هناك مشكلات لا تستطيع إيران السيطرة عليها، منها ازدهار اقتصاد السوق السوداء في سوريا وسط الفوضى، وخلق شبكات التهريب وأمراء الحرب ممن سيحرصون على حماية أرباحهم من أي جهة خارجية.