نصح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون المسؤولين اللبنانيين، أمس، باعتماد الهدوء والابتعاد عن التهوّر، خصوصا في ما يخصّ النزاع مع إسرائيل في شأن حقول الغاز المكتشفة قبالة الساحل اللبناني.
وذكرت مصادر سياسية لبنانية رفيعة المستوى أن تيلرسون أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه من الأفضل قبول العرض الأميركي الذي يقضي باقتسام البلوك الرقم 9 الواقع في الجنوب اللبناني بنسبة ستين في المئة للبنان وأربعين في المئة لإسرائيل.
وأشار إلى أنّ ما تعرضه الولايات المتحدة على الجانبين يستند إلى القانون الدولي المعمول به في ترسيم الحدود البحرية بين الدول.
ومعروف أن لبنان يتمسك بكامل مساحة البلوك 9، فيما تعترض إسرائيل على ذلك وتؤكد أن أي ترسيم قانوني للحدود البحرية بين البلدين سيسمح لها باقتسام الغاز الموجود في هذا البلوك مع لبنان.
وأجرى تيلرسون، وهو أول وزير للخارجية الأميركية يزور لبنان منذ أربع سنوات، محادثات مع رئيس الجمهورية ميشال عون في حضور وزير الخارجية جبران باسيل. وكان ملفتا جعل عون وباسيل وزير الخارجية الأميركي ينتظرهما في قاعة بعد دخوله إلى قصر بعبدا الرئاسي.
وبررت رئاسة الجمهورية ذلك بالبروتوكول اللبناني في حين أفادت مصادر سياسية أن تصرّف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بمثابة رد على رفض أي مسؤول أميركي رفيع المستوى استقبال عون أو باسيل خلال زيارتهما الأخيرة لنيويورك للمشاركة في افتتاح دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.
وفي حين كان الاستقبال الرئاسي لتيلرسون فاترا واقتصر كلام عون على الشكوى من “الاعتداءات الإسرائيلية”، ارتدى اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي طابعا علميا، خصوصا أن برّي معني مباشرة بالبلوك الرقم 9 قبالة الشاطئ في جنوب لبنان.
وكان ملفتا التركيز الأميركي على اللقاء مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي أمضى مع تيلرسون ما يزيد على ساعتين. وتخلل اللقاء غداء عمل بين الجانبين الأميركي واللبناني.
ورشح من المحادثات بين الحريري وتيلرسون أن الجانب اللبناني منفتح على النصائح الأميركية وأنّ همّه منصب على الاستقرار الذي يؤمنه القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006. وأكّد سياسي لبناني أنّ لبنان ملتزم بالقانون الدولي وهو مستعد لدرس أي اقتراح أميركي شرط أن يكون هذا الاقتراح في إطار الشرعية الدولية وما تفرضه عند ترسيم الحدود البحرية والبرّية بين الدول.
وكان ملفتا أيضا تأكيد الحريري في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية الأميركي حرص لبنان على أن يكون شريكا في الحرب على الإرهاب والشفافية في كلّ ما له علاقة بالنشاط المصرفي.
وذكر هذا السياسي اللبناني أنّ الحريري أثار مع تيلرسون أهمّية المحافظة على النظام المصرفي اللبناني نظرا إلى أنه عماد الاقتصاد في البلد مشددا في الوقت ذاته على أن كل المصارف اللبنانية تلتزم بدقّة القوانين المعمول بها لمنع أي نوع من تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب.
ترك وزير الخارجية الأميركي في قاعة الانتظار ردا على رفض أي مسؤول أميركي رفيع المستوى استقبال عون أو باسيل خلال زيارتهما الأخيرة لنيويورك
في المقابل صحّح وزير الخارجية الأميركي الكلام الذي قاله في عمان، الأربعاء، عن أن حزب الله يعتبر “جزءا من العملية السياسية اللبنانية”. وقال، الخميس، وهو إلى جانب سعد الحريري في السراي الحكومي، إن الولايات المتحدة، التي تعتبر حزب الله منظمّة “إرهابية”، “لا ترى فارقا بين الجناح السياسي والعسكري للحزب وأي ذراع من أذرعه” مضيفا أن حزب الله بترسانته العسكرية وتورطه في نشاطات خارج الأراضي اللبنانية “يهدّد أمن لبنان”.
وقال مراقبون إن وزير الخارجية الأميركي بدا حريصا على التأكيد أن واشنطن لا تسمح لحزب الله بتجاوز الحدود اللبنانية في أي نشاط سياسي أو عسكري، وأن ما يسمح له فقط هو أن يعمل داخل لبنان.
وأشار تيلرسون إلى أن “حزب الله لا يمثل قلقا للولايات المتحدة فحسب. على الشعب اللبناني أن يكون قلقا أيضا بشأن أفعال حزب الله وترسانته المتنامية التي تتسبب في تدقيق غير مرغوب ولا مفيد مع لبنان”، مضيفا أن “تورط حزب الله في صراعات إقليمية يهدد أمن لبنان”.
وحث تيلرسون زعماء لبنان على التمسك بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية في إشارة لدور حزب الله في حروب بالشرق الأوسط بما يشمل سوريا، مشددا على أن “سياسة النأي بالنفس تتم مراقبتها عن كثب من جميع مؤسسات الدولة لضمان تنفيذها بما فيه مصلحة لبنان الوطنية في الإبقاء على أفضل العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي ككل”.
وسبق أن أجمعت مكونات الحكومة اللبنانية، على خلفية الأزمة التي رافقت استقالة الحريري قبل التراجع عنها، على التزامها بسياسة “النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب”.
واتهمت إسرائيل إيران بالسعي إلى إنشاء مصانع أسلحة في لبنان وقال الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي إن البلاد تحولت إلى “مصنع كبير للصواريخ”.
ويتلقى لبنان مساعدات عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة. وقال تيلرسون إن واشنطن تظل ملتزمة بدعم الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي في البلاد.
وغادر تيلرسون إلى تركيا ليعقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين أتراك بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان في محاولة من واشنطن لتطويق خلافها مع أنقرة بشأن الأكراد.