الساعات القليلة التي امضاها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، شغلت اللبنانيين، منذ ان اشتعلت المواقع الإخبارية، والشاشات بصور الوزير الأميركي ينتظر وحيداً لمدة بين 5 و7 دقائق في مكتب الرئيس في بعبدا، وصول الرئيس ميشال عون، إلى حين مغادرته وعاصفة المواقف غير المتوقعة التي ساقها ضد حزب الله لجهة تهديده استقرار لبنان بسبب ترسانته العسكرية، لكن ما دوّنه في السجل الذهبي، بعد لقاء مع الرئيس عون دام 45 دقيقة، ثم خلوة مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لمدة عشر دقائق أظهر مناخاً دبلوماسياً مغايراً، فالزائر الأميركي الذي حطّ بعد بيروت في أنقرة «شكر الرئيس على الاستقبال الحار، والمحادثات الصريحة والمفتوحة، مكرراً وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب اللبناني، من أجل لبنان حر وديمقراطي»، وهذا ما كرره تيلرسون في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس سعد الحريري في السراي الكبير بتأكيده ان «الرسالة التي توجهها الولايات المتحدة هي اننا نقف بشدة إلى جانب الشعب اللبناني ومؤسساته الشرعية»، ومن زاوية «الشراكة مع القوات العسكرية اللبنانية، خصوصاً الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي».
على ان الأهم ما كشفه تيلرسون عن دور أميركي في ما خص النزاع الجدي بين لبنان واسرائيل، حيث أشار إلى انه «بالنسبة لاتفاقية الـ«أوفشور» فإن المباحثات اليوم، كانت جيدة، وهذه قضية مهمة للبنان وإسرائيل لتوصل الطرفان إلى اتفاقية ما لكي تقوم الشركات خاصة بالعمل في البحر والسير في الطريق إلى الامام.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان الجانب الأميركي أظهر خلال المحادثات مع الجانب اللبناني انفتاحاً على الأفكار اللبنانية، في ما خص النفط، مشيرة إلى ان حلولاً قيد الاعداد بعد محادثات تيلرسون.
زيارة تيلرسون 
وفي المعلومات حول زيارة الوزير تيلرسون إلى بيروت، ومحادثاته مع الرؤساء عون ونبيه برّي والحريري فإن المسؤول الأميركي لم يعط أية إشارة عن إمكان تراجع إسرائيل عن بناء الجدار على الحدود الجنوبية، لكنه أكّد استمرار المساعي الأميركية لإيجاد حلول للنزاعات القائمة مع إسرائيل سواء بالنسبة للجدار، أو بالنسبة للبلوك 9 ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، من دون تقديم أي ضمانات، وان كان ألمح إلى مقترحات مساعده لشؤون الشرق الأدنى السفير ديفيد ساترفيلد للنقاش حولها من أجل الوصول إلى صيغة معينة يتم الاتفاق عليها.
وعلم ان السفير ساترفيلد بقي في بيروت لمواصلة المحادثات مع الوزير باسيل اليوم، في حين لم يطرح تيلرسون ما يلزم لبنان بأي قرار معين وبقي طيلة فترة لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة، والتي استغرقت قرابة خمسة ساعات، مستمعاً إلى شروحات الرؤساء حيال النزاع مع إسرائيل، مبدياً تفهمه للموقف اللبناني لناحية التمسك بحدود لبنان البحرية والبرية، واستعداده لمساعدة الجيش اللبناني، مؤكداً ان المساعدات الأميركية لن تتوقف، وسيصار إلى تقديمها خلال المؤتمرات الدولية التي ستعقد لمساعدة لبنان سواء في روما، أو باريس أو بروكسيل.
لكن اللافت في الزيارة، هو التناقض الذي وقع فيه تيلرسون بالنسبة للموقف من «حزب الله»، حيث أعاد في بيروت، تأكيد اعتبار الولايات المتحدة «حزب الله» منظمة إرهابية، وان واشنطن «لا تقبل أي فرق بين ذراعه العسكري والسياسي، وانه من غير المقبول لميليشيات «حزب الله» ان تتصرف خارج إطار سلطة القانون والحكومة اللبنانية»، بينما كان دعا في عمان إلى ان يكون «حزب الله» الذي تعتبره واشنطن تنظيماً ارهابياً جزءاً من العملية السياسية في لبنان.
وبدا من خلال تأكيد تيلرسون على عدم الفصل بين الذراع العسكري للحزب عن ذراعه السياسي، انه أراد تصويب موقف واشنطن من هذه المسألة بعدما اسيء فهمه على ما يبدو.
وكان تيلرسون قد أكّد في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الرئيس الحريري في السراي الحكومي، على وقوف الولايات المتحدة بقوة إلى جانب الشعب اللبناني ومؤسساته الشرعية، لافتاً «الى ان واشنطن تعمل مع الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية لكي تبقى الحدود الجنوبية هادئة»، وقال اننا «ملتزمون بمساعدة لبنان والشعب اللبناني لتحقيق الازدهار من خلال تطوير ثرواتهم الطبيعية بالتوافق مع كل جيرانهم»، لكنه رأى انه من «المستحيل ان نتحدث عن الاستقرار والسيادة والأمن في لبنان دون معالجة مسألة «حزب الله»، مشيراً إلى انه «على الشعب اللبناني ان يشعر بالقلق تجاه تصرفات «حزب الله» التي تجذب انتباها سلبياً نحو لبنان، معتبراً ان «وجود الحزب في سوريا زعزع الاستقرار في لبنان والمنطقة وزاد من سفك الدماء ونزوح الأبرياء ودعم نظام الأسد البربري»، مؤكداً على ضرورة ان تنأى الحكومة اللبنانية بنفسها عن النزاعات الخارجية، وعلى «حزب الله» ان يتوقف عن انشطته في الخارج.
إشكالية بروتوكولية
ولم تخل زيارة تيلرسون من إشكالية بروتوكولية، تناقضت الروايات في تفسيرها، بين من اعتبرها رسالة رئاسية إلى الإدارة الأميركية من خلال تأخر رئيس الجمهورية في استقباله وبين من وصفها «بالخطأ البرتوكولي» غير المقصود، حيث ظهر تيلرسون لدى وصوله إلى القصر الجمهوري في بعبدا، جالساً لوحده في غرفة وبجانبه كرسي شاغر، لبضع دقائق قبل ان يدخل نظيره الوزير باسيل إلى الغرفة، ومن ثم الرئيس ميشال عون الأمر الذي وصفته وكالة «رويترز» بأنه «خروج على الأعراف الدبلوماسية، إذ ان باسيل لم يستقبل تيلرسون عند مدخل القصر الرئاسي عندما وصل موكبه».
غير ان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أوضح انه لم يحصل أي خلل أو تقصير بروتوكولي، وان كل ما تمّ تداوله لا أساس له من الصحة، حتى ان الوزير الضيف حرص على تدوين شكره على الاستقبال الحار الذي لقيه في القصر في سجل التشريفات.
وبحسب معلومات مصادر القصر، فإنه كان من المفروض ان يعقد تيلرسون لدى وصوله إلى بعبدا اجتماعاً مع الوزير باسيل لمدة دقائق قبل ان يستقبله الرئيس عون في العاشرة والنصف، لكن الذي حصل ان رئيس الدبلوماسية الأميركية، وصل قبل دقائق من موعده، فيما تأخر وصول الوزير باسيل، بسبب ازدحام السير في بيروت والإجراءات الأمنية التي اتخذت في محيط القصر مما تسبب بالاشكال البروتوكولي.
مجلس الوزراء
وفيما كان من المفترض، ان تكون جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت بعد الظهر في بعبدا برئاسة الرئيس عون، مخصصة لاطلاع الوزراء على نتائج زيارة تيلرسون إلى بيروت، وتكون الزيارة بندا رئيسا في النقاش، دخل المجلس مجددا في «معمعة» التعيينات الادارية وعلى تمريرها من خارج جدول الأعمال، مما كاد يُعكّر صفو التوافق الرئاسي ومن ثم الوزاري، وهو مسه بالضبط، حيث انهم وزير «المردة» يوسف فنيانوس الحكومة بتهريب آلية التعيينات فيما اعترض وزراء القوات اللبنانية على طرح تعيينات في وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية ورؤساء مصالح المياه من خارج الجدول ومن دون الاطلاع عليها، ومثلهم اعترض وزراء «امل» غير انهم لم يرغبوا بافتعال أي اشكال داخل الحكومة، حفاظا على التوافق.
وفهم من مصادر وزارية، ان مجلس الوزراء باشر بجدول أعماله، بعد استهلالية تحدث فيها الرئيس عون عن زيارة الوفود الأميركية إلى بيروت، مؤكدا ان الموقف اللبناني كان واضحا وموحدا حيال ما طرحه امام هذه الوفود، ولا سيما زيارته تيلرسون من مسألة الحدود البرية والبحرية الجنوبية، واقر سلسلة بنود أبرزها الموافقة على خطة وزارة البيئة لمعالجة المكبات العشوائية للنفايات والبالغ عددها 941 مكبا، وخصص 20 مليون دولار لمحافظتي جبل لبنان وكسروان وجبيل، كمرحلة أولى، طرح وزير الثقافة غطاس خوري تعيين مدير عام لوزارته والمكتبة الوطنية من خارج الجدول، وكذلك فعل وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل تعيين رؤساء ومصالح المياه، الا ان وزراء اعترضوا، فرد أبي خليل موضحا ان وزارته اتبعت آلية التعيينات التي وصفتها وزارة التنمية الإدارية، عندما كان الوزير محمّد فنيش متوليا حقيبتها، وقال من لديه اعتراض فليقل لماذا وليتم التصويت، وايده في ذلك الوزير باسيل لافتا إلى ان التيار الوطني الحر تقيد بالآلية، حيث تعرفنا على 80 مرشحا واخترنا الأفضل بكل اختصاص.
وبعد نقاش، أقرّ المجلس، رغم اعتراض «القوات» الذي سجل في المحضر، تعيين الدكتور علي الصمد مديرا عاما للثقافة والدكتور حسان عكره مديرا عاما للمكتبة الوطنية، وجان يوسف جبران رئيسا لمجلس الإدارة ومديرا عاما لمؤسسة المياه في بيروت وجبل لبنان، ورزق جرجس رزق رئيسا لمجلس الإدارة ومديرا عاما لمؤسسة مياه البقاع، ووسيم صلاح ضاهر رئيسا لمجلس الإدارة ومديرا عاما لمؤسسة مياه الجنوب، وخالد بركات عبيد رئيساً لمجلس الإدارة ومديرا عاما لمؤسسة مياه الشمال، وسامي حسن علوية رئيسا لمجلس الإدارة ومديرا عاما لمؤسسة مياه الليطاني.
كما تمّ استحداث 43 قنصلية جديدة في 28 بلداً إضافة إلى 52 قنصلية كانت أقرّت سابقا، وتم تأليف لجنة وزارة برئاسة الرئيس الحريري لبحث كل المسائل المرتبطة بشؤون المرأة.
ملف الكهرباء
إلى ذلك، علمت «اللواء» ان ملف إصلاح قطاع الكهرباء أخذ حيزاً كبيراً من النقاشات وتكلم فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزيران باسيل وابي خليل. وقد شدّد وزير الطاقة على ضرورة اتخاذ القرارات اللازمة لحل مشكلة الكهرباء التي باتت تفاصيلها معروفة، وبالتالي علينا اتخاذ القرار اللازم إذا أردنا فعلاً حل المشكلة. في حين دعا الرئيس عون إلى عقد جلسة خاصة بمجلس الوزراء وقال: نحن بحاجة مباشرة وآنية إلى حل معضلة الكهرباء. في المرة الماضية فشلت المناقصة ولا أعرف السبب، في وقت ترتفع فيه كلفة إنتاج الكهرباء.. نحن نشتري كهرباء ولا نستأجر سفناً، ان كلفة الكهرباء التي نأخذها أقل من كلفة انتاجنا، وأقل من الكلفة يعني ان الكهرباء التي نشتريها تحقق ربحاً للمواطن الذي سيدفع أقل من نصف الفاتوة، فيما مؤسسة الكهرباء تدفع سعر كلفة كل كيلوات ساعة لا تنتجه خسارة 70 سنتيم بتعملها االاقتصاد اللبناني.
وتدخل الرئيس الحريري مقترحاً دعوة اللجنة الوزارية المعنية بملف الكهرباء، لوضع تقرير نهائي يرفع الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي، فقال الرئيس عون: انا ما عدت اقبل، سأطرح هذا الموضوع على التصويت وكل واحد يتحمل مسؤوليته. الوطن كله يئن وشعبنا لم يعد يحتمل ضرائب ، فعلى الاقل نخفف عنه مصروف الكهرباء الى النصف ونؤمن ربحاً للخزينة وتصبح مؤسسة كهرباء لبنان تدر المال اللازم.
وكان الوزير باسيل سجل اعتراضاً في الحكومة على عجزها بـ ٤ ملفات لأننا لم نعد نستطيع السكوت على عرقلتنا في تنفيذ المشاريع. وهذه الملفات هي الكهرباء والنفايات والنازحيو السوريون والملف الاقتصادي بتشعباته وإجراءاته كافة.
وقال باسيل ان هذه هي المرة الاخيرة التي سيتكلم في الموضوع اذا لم تقرّ الحكومة ورقة النازحين السوريين، مضيفا ان ثمة عرقلة في باقي الملفات والحكومة لم تقم بأي شيء في هذا الخصوص.  
وسيدعو الرئيس الحريري إلى جلسة مجلس الوزراء للبحث في الإصلاحات الضرورية، لأننا ذلك نساعد في تطوير الاقتصاد وتخفف النزف، والصدى سيكون جيداً في المؤتمرات المنتظرة لا سيما مؤتمر باريس.
وفي شأن محلي آخر، يجتمع الحريري اليوم مع اتحاد النقل البري، لبرمجة المطالب التي تبنتها وزارة الداخلية وعلى أساسها تأجّل الإضراب الذي كان مقررا الخميس الماضي.
ذكرى 14 شباط
في غضون، شكل المهرجان الشعبي الحاشد الذي اقامه تيّار «المستقبل» في «البيال» في الذكرى 13 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، مناسبة للرئيس الحريري لاطلاق برنامجه الانتخابي الذي تضمن التأكيد على 11 عنوانا، والتأكيد على ان الانتخابات ستتم في موعدها، ورفضه ان يضع أحد تيّار «المستقبل» في علبة طائفية أو مذهبية، مشددا على ان لا تحالف مع حزب الله، واصفا المزايدين «بالظواهر الصوتية»، وانه لن يبيع الأشقاء العرب بضاعة سياسية لبنانية مغشوشة ومواقف للاستهلاك في السوق الإعلامي والطائفي، كما أكّد ان التيار ومعه جمهور الرئيس الشهيد «غير قابل للكسر».
واعتبر الرئيس الحريري في كلمته التي استهلها بكلمة وجدانية وجهها إلى والده الشهيد، ومن ثم لفتة وتحية إلى القدس الشريف، ان الانتخابات ستكون نقطة تحول في حياتنا البرلمانية، واعدا بأنه خلال أيام سيعلن أسماء المرشحين، اما البرنامج فسيكون بعنوان إعادة الاعتبار لزمن رفيق الحريري محررين من ضغوط الوصاية ومن المتسلقين على كتاف الدولة والقانون.
وحدد ثوابت التيار باعتبار اتفاق الطائف خطاً أحمر، والتزام الحوار في مقاربة الخلافات السياسية، ورفض التدخل في الشؤون العربية، واعتبار الاحكام التي ستصدر عن المحكمة الدولية ملزمة للسلطات اللبنانية، والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة والتزام القرارات الدولية، وإنهاء ملف عودة النازحين السوريين، وإصدار عفو عام يشمل الموقوفين الإسلاميين.
ووصف الكلام عن ان التيار مفلس بأنه أكبر اهانة لجهمور رفيق الحريري، لكنه أكّد انه يقبل التحدي، وقال: نعم نحن لسنا لدينا مال للانتخابات، ونحن نرفض أي تحالف مع حزب الله، ونحن تيّار عابر للطوائف والمذاهب، تيّار الاعتدال وسننزل إلى الانتخابات بلوائح وبمرشحين من كل الطوائف وفي لبنان وموعدنا في 6 أيّار مع الانتخابات وفي 7 أيّار.