رافق زيارة تيلرسون السريعة إلى لبنان اختلاف حيال ترتيباتها، إذ أصرّت وزارة الخارجية على ان يزور مقرها في قصر بسترس ويجتمع مع الوزير جبران باسيل، جرياً على عادة كل زيارات وزراء الخارجية الى لبنان.

الّا انّ الجانب الاميركي اعتذر أثناء تحضير الزيارة نظراً لضيق الوقت، ما أدى الى انزعاج تُرجم من خلال ما جرى في القصر الجمهوري، حيث انّ تيلرسون انتظر نحو 5 دقائق وحيداً في صالون القصر قبل ان يدخل باسيل أولاً ويصافحه من دون التقاط صورة تذكارية معه، ثم يدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويحرص على إجلاس باسيل الى يمينه ويستعيض عن الاجتماع الثنائي بلقاء موسّع حضره مسؤولون وديبلوماسيون وأمنيون من دون ان يكون بينهم قائد الجيش العماد جوزف عون، قائد رئيس المؤسسة التي تحتضنها اميركا وتدعمها. وقد توقف الجانب الاميركي عند هذا الغياب.

وما اللقاء الذي انعقد على هامش اجتماع قصر بعبدا بين تيلرسون وباسيل سوى «جبران خاطر»، ولم يصدر نتيجة الاجتماع بيان رئاسي او تصريح من الوزير الاميركي.

ولفتت مصادر سياسية الى «انّ الاجتماع في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيلرسون، والذي كان محدداً بـ 20 دقيقة، دام ساعة ونصف». وقالت: «انّ هذا الامر يُسقط ذريعة «ضيق الوقت» التي شهرها الجانب الاميركي لكي لا يزور وزارة الخارجية».

وذكّرت بأنّ الوزير الاميركي «كان زار قبل وصوله الى لبنان كلّاً من مصر والاردن، واجتمع هناك بوزيري خارجية البلدين وعقد معهما مؤتمرين صحافيين». وسألت: «لماذا استثناء وزارة خارجية لبنان من هذه القاعدة الديبلوماسية الطبيعية؟».

واعتبرت مصادر مواكبة للزيارة ولتطوّر العلاقات الثنائية هذا الامر «موقفاً سياسياً لباسيل يتكرر للمرة الثانية، إذ انّ الوزير كيري تصرّف كذلك حين زار لبنان في الـ2014 ما حَدا بباسيل آنذاك كما اليوم الى عدم استقبالهما في مطار بيروت».

وعلى رغم ذلك، أبدَت مصادر اميركية امتعاضها من «الاشكال البروتوكولي مع وزير الخارجية الاميركي، الذي هو في تراتبية الحكم في واشنطن بمثابة الوزير الاول».

لكن هذا لم يمنع تيلرسون، بعد محادثاته مع عون وبري ورئيس الحكومة سعد الحريري، من ان يطلب من مساعده ديفيد ساترفيلد البقاء في لبنان لمتابعة المفاوضات في شأن عدد من الملفات، وأبرزها الحدود الاسرائيلية المتنازَع حولها بين حدود الهدنة والخط الازرق.

امّا في شأن المحادثات اللبنانية ـ الاميركية، ووفق معلومات «الجمهورية» فيمكن التوقّف عند النقاط التالية:


1 ـ الجانب اللبناني اعتبر انّ حق لبنان هو شرعي بكل البلوك 9، وبالتالي يحق له استخراج النفط من دون اعتبار لمعارضة اسرائيل.


امّا الجانب الاميركي فاعتبر انّ هذا الموضوع يتطلّب جهداً ديبلوماسياً لكي لا يؤدي الى انعكاسات امنية، وهو ما عبّر عنه تيلرسون في مؤتمره الصحافي في السراي الحكومي، إذ قال: «ملتزمون بمساعدة لبنان والشعب اللبناني لتحقيق الازدهار من خلال تطوير ثرواتهم الطبيعية بالتوافق مع كل جيرانهم. وإذا تمّ التوصّل إلى اتفاقية فهذا سيساعد لبنان ودول الجوار على الازدهار، الآن وفي المستقبل».


2 ـ شرح الجانب اللبناني شرعية الحدود الدولية التي تثبتت في الـ1949 في اتفاق الهدنة، وانّ الخط الازرق هو خط وقف اطلاق نار وليس خطاً حدودياً دولياً. وبالتالي، هو خط امني لا يجيز لإسرائيل اعتبار الحدود الدولية بديلاً من خط الهدنة. وبالتالي، فإنّ الجدار الحدودي الذي تبنيه يشكّل مسّاً بالسيادة البرية لدولة لبنان.


امّا الجانب الاميركي، وإن كان تفهّم موقف لبنان فإنه ربط مصير خطّي الهدنة والازرق بالقرار1701. وفي كل الحالات بضرورة ان لا يؤدي هذا الخلاف الى تصعيد عسكري في الجنوب في هذه المرحلة تحديداً، وأبدى استعداد بلاده للقيام بدور بنّاء في هذا المجال حرصاً على استقرار المنطقة الجنوبية، التي اشار الحريري في المؤتمر الصحافي الى انها «اكثر الحدود هدوءاً في كل الشرق الاوسط».


3 ـ كان لافتاً التناقض النسبي بين تصريح تيلرسون في الاردن الذي اعترف فيه بأنّ «حزب الله» جزء من العملية السياسية في لبنان، وبين موقفه الحاد بعد اجتماعه مع الحريري، إذ قال انّ الحزب منظمة إرهابية ولا نقبل التمييز بين جناحيه العسكري والسياسي. ودعاه الى الانسحاب من حروب المنطقة، ومن سوريا تحديداً.

لكنّ مصادر لبنانية كشفت انّ الجانب اللبناني، وخصوصاً عون وبري، حاولا التخفيف من الموقف الاميركي من «حزب الله»، وشرحا للوزير دوره في مقاومة اسرائيل في مرحلة لا تزال القوى الامنية والعسكرية تحتاج الى مزيد من الدعم والعتاد والعديد، الأمر الذي لم يوافق عليه الجانب الاميركي.


4 ـ أبلغ الجانب اللبناني الى تيلرسون انّ لبنان يعتبر سياسة «النأي بالنفس» مفيدة له، ولطالما كان يتبعها طوال العقود السابقة، والحكومة اصدرت بياناً بذلك بعد عودة الحريري. لكنّ الجانب الاميركي تمنى ان يكون لهذا الاعلان صفة تنفيذية «لأنّ «حزب الله» لم يلتزم «النأي بالنفس» حسب التقارير الرسمية الواردة الى واشنطن، وهو أمر من شأنه إضعاف شبكة الحماية الدولية للبنان في حال حصول تطورات في المنطقة او على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية.

وأبلغ تيلرسون الى الجانب اللبناني انّ بلاده تبلّغت اكثر من مرة في الاشهر الماضية انّ اسرائيل لا ترغب الحرب مع لبنان وتفضّل ان يُصار الى الالتزام الكامل بالقرارين 1701 و1559 الأمر الذي لا يجد ترجمة له على الارض. وهنا أبلغ الجانب اللبناني الى تيلرسون أنّ شكوى اسرائيل ترتدّ عليها لأنها هي التي تخرق القرار 1701 بنحو شبه يومي من خلال خروقاتها الجوية والبحرية والبرية للسيادة اللبنانية، من دون ان يصدر موقف دولي بذلك.


5 ـ أكد الجانب اللبناني، وخصوصاً رئيس الجمهورية، ضرورة البدء بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وتمنى على الولايات المتحدة أخذ المبادرة في وضع برنامج العودة ما يقوّي ثقة لبنان بالعلاقات التقليدية مع واشنطن، لأنّ كل الدعم الذي تقدمه واشنطن والمجتمع الدولي للبنان يبقى سريع العطب طالما يوجد على ارضه مليون ونصف مليون نازح. وشدّد عون على ضرورة الاسراع في وضع هذا البرنامج موضع التنفيذ، لأنّ هذا الوجود البشري الكثيف يشكّل من دون ان ندري قنبلة موقوتة في المجتمع اللبناني من شأنها تهديد استقرار لبنان.

امّا الجانب الاميركي، وإن كان تفهّم موقف لبنان، فقد رأى انّ هذا القرار يتطلب تعاوناً بين لبنان والامم المتحدة والدول المانحة لكي يُصار الى عودة تدريجية وآمنة للنازحين على المدى المتوسط، ما جعل بعض المراقبين يعتقدون انّ الاوضاع في سوريا قد تكون مُقبلة على تطورات عسكرية جديدة.

وفي النتيجة، حصل لبنان من تيلرسون على تطمينات لم تبلغ حدود الضمانات. كذلك قدّم اقتراحاً لحلّ لموضوعي الجدار والبلوك 9 تحدَّد على أساسه موعد اللقاء بين ساترفيلد وباسيل اليوم للبحث فيه.

مجلس الوزراء

وإلى ذلك، اطّلعَ مجلس الوزراء خلال جلسته في قصر بعبدا على نتائج محادثات تيلرسون، ولم يأخذ منها سوى ما يعزّز سياسة الابتعاد عن التأثيرات السلبية التي تهدّد المناخات الإيجابية القائمة حالياً.

ولم يتطرّق المجلس إلى ما قاله تيلرسون عن «حزب الله»، حسب ما أكّد الوزير محمد فنيش لـ»الجمهورية»، قائلاً: «إنّ هذا الموقف لا يَعنينا لأنّنا نعلم أن لا أحد يتبنّاه داخل الحكومة، كما أنّنا لسنا في حاجة إلى توجيه رسالة أو تسجيل موقف، وتيلرسون أصلاً في جلساته الخاصة لم يتحدّث عن «حزب الله» على هذا النحو». وأضاف: «في رأيي أنّ الوزير الأميركي أراد توجيه رسالةٍ إلى قوى محلية للقيام بشغبٍ ما للتشويش على الموقف اللبناني الموحّد».

الكهرباء

وأخذ ملفّ إصلاح قطاع الكهرباء الحيّزَ الأكبر من النقاش، فتحدّثَ رئيس الجمهورية عن واقع الكهرباء في لبنان، لافتاً إلى محاولات تعطيل الحلول المقترَحة لتحسين واقعِ هذا القطاع، وقال: «نحن في حاجةٍ مباشرة وآنيّة إلى حلّ معضلةِ الكهرباء.

في المرّة الماضية فشلَت المناقصة ولا أعرف السبب، في وقتٍ ترتفع كلفة إنتاج الكهرباء... نحن نشتري كهرباء ولا نستأجر سفناً، إنّ كِلفة الكهرباء التي نأخذها أقلّ مِن كلفةِ إنتاجنا، وأقلّ مِن الكلفة يَعني أنّ الكهرباء التي نشتريها تُحقّق ربحاً للمواطن الذي سيَدفع أقلَّ من نِصف الفاتورة، فيما مؤسّسة الكهرباء تدفع سعرَ كلفةِ كلّ كيلوات ساعة لا تُنتجه خسارة 70 سنتاً يتحمّلها الاقتصاد اللبناني». وأضاف: «لا أريد أن أسمع بعد اليوم خطابات وتعليقات، أريد جواباً. كيف يمكن من الآن حتى يصبح لدينا سنترالات كهرباء أن أغطّي المساحة الزمنية؟

هل أشتري كهرباء أو أبقي على الوضع والخسارة تفوق مليارَي دولار سنوياً؟ كلّما طالبنا بحلّ للكهرباء، يقولون هناك صفقة. أنا أقول إنّه مطلوب حلُّ هذه المعضلة، لا يجوز أن نعقدَ جلسة أُخرى لمجلس الوزراء ولا يكون هناك قرار في شأن الكهرباء. أنا لا أسمح لنفسي أن يبقى الوضع على ما هو عليه، سأخرج إلى الإعلام وأقول بصراحة إنّ هناك عجزاً في الحكومة عن معالجة الكهرباء.

لا أريد أن أسمعَ تعليقات، بل يجب من الآن وحتى إيجاد المولّدت أن نؤمّنَ الكهرباء، ونوفّر على الخزينة وعلى المواطنين. الحلّ موجود، علينا أن نتبنّاه، كيف نأتي بالكهرباء وكيف نربح بدلاً من أن نخسر».

وتدخّلَ الحريري مقترحاً دعوةَ اللجنة الوزارية المعنية بملفّ الكهرباء، لوضعِ تقرير نهائي يُرفَع إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار النهائي، فقال عون: «أنا ما عدتُ أقبل، سأطرح هذا الموضوع على التصويت، وكلّ واحد يتحمّل مسؤوليته. الوطن كلّه يئنّ، وشعبُنا لم يعُد يتحمّل ضرائب، فعلى الأقلّ نخفّف عنه مصروف الكهرباء إلى النصف ونؤمّن ربحاً للخزينة وتصبح مؤسسة كهرباء لبنان تدرّ المالَ اللازم».

وعلمَت «الجمهورية» من مصادر وزارية أنّ تحذير رئيس الجمهورية «يعني أنّه وقريباً سيكون هناك نقصٌ حادّ في الكهرباء وتقنينٌ بالغُ التأثير على كلّ مناحي الحياة».

ومِن جهته وزيرُ الطاقة سيزار أبي خليل شدَّد على «ضرورة اتّخاذِ القرارات اللازمة لحلّ مشكلة الكهرباء التي هي ليست مجهولة والجميعُ يعرفها وعرَضناها على اللجنة الوزارية، وبالتالي علينا اتّخاذ القرار بها إذا أردنا فعلاً حلَّ مشكلة الكهرباء».

باسيل

وأفادت مصادر تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ باسيل سجّلَ اعتراضاً على عجز الحكومة في ٤ ملفّات؛ «لم نعد نستطيع السكوتَ على عرقلتِنا في تنفيذ المشاريع». وقال: «هذه الملفّات هي الكهرباء والنفايات والنازحون السوريون والملفّ الاقتصادي بتشعّباته كلّها وإجراءاته الاقتصادية».

وأضاف: «إنّ هذه المرّة هي الأخيرة التي سأتكلم فيها عن هذه المواضيع، إذ لم تقرّ الحكومة ورقة النازحين السوريين، وثمَّة عرقلة في الملفات المتبقّية ولَم تقُم الحكومة بأيّ شيء في هذا الخصوص». وأشار إلى موازنة 2018، مشدّداً على ضرورة إقرارها.

وطالبَ بقرارات جريئة لضبطِ الهدر وخفضِ النفقات في الموازنة. وفي موضوع التعيينات، أشارت المصادر إلى أنّ وزراء «القوات اللبنانية» أقرّوا بكفاية الأشخاص الذين تمّ تعيينهم، «لكنّ الاعتراض كان على حصّتِهم وليس على أمرٍ آخر. عِلماً أنّ وزير الطاقة والمياه التزَم في موضوع التعيينات بالآليّةِ - التصوّر التي وضَعها مجلس الوزراء.