إذا كان يوم السبت الماضي قد شهد خلط أوراق القوّة في المنطقة بعد الاشتباك المحدود لكن المؤثّر بين إيران وإسرائيل، فإنّ المعلومات والتحليلات التي تتكشّف تباعاً قد تعد بالمزيد من الإضاءة على الواقع الجديد. على هذا المستوى، تصبح قدرة إيران على خرق الأجواء الإسرائيليّة من جهة وإصابة مقاتلة أف – 16 في الأجواء السوريّة من جهة أخرى إحدى علامات توازن القوى الجديد في المنطقة. غير أنّ علامات أخرى يمكن أن تكون قد ظهرت خلال الساعات الماضية ويحتمل أن تكشف أبعاداً جديدة للاصطدام الذي حصل في الأجواء السوريّة والإسرائيليّة.
خلال القصف الإسرائيليّ لأهداف إيرانيّة وسوريّة في قاعدة “التيفور” التي قالت تل أبيب إنّ الدرون الإيرانيّة انطلقت منها لتخرق أجواءها، تمكّنت الدفاعات السوريّة من إصابة مقاتلة أف-16 ما لبثت أن تحطّمت في فلسطين المحتلّة. وأشارت تقارير مختلفة إلى أنّ الصاروخ الذي يُرجّح أن يكون قد أسقط المقاتلة الإسرائيلية هو روسيّ الصنع ومن طراز “أس أي – 5” والذي يُعرف أيضاً باسم “أس – 200”. وما عزّز هذا الاحتمال ربّما، نشر الإعلام الحربيّ في سوريا مواصفات منظومة أس 200 الروسيّة بعد العمليّة. وتكشف كيفيّة إسقاط هذه المقاتلة جزءاً مهمّاً من طبيعة العمل العسكريّ وأهدافه، لكن أيضاً مؤشّراً واضحاً إلى طبيعة تعاطي الأطراف مع بعضها في المرحلة المقبلة. وهذا ينطبق بالتحديد على العلاقة الثنائيّة بين الإسرائيليّين والروس.
أكثر من نوع واحد
في جميع الأحوال، لا تستبعد فرضيّات وتحليلات أخرى، بما فيها تلك الإسرائيليّة، وجود أكثر من نوع صاروخيّ أطلِق باتجاه الأجواء السوريّة. العميد الإسرائيليّ تومر بار قال إنّ طائراته واجهت إطلاقاً كثيفاً للصواريخ المضادّة للطائرات مضيفاً أنّ هنالك على الأقل أربعة أنواع من الأنظمة الدفاعيّة الروسيّة الصنع وتحديداً “أس أي – 5” ، “أس أي – 17” ، “أس أي-6” و “أس أي – 3”. وكان تقرير لوكالة “رويترز” يوم السبت قد نقل عن الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ جوناثان كونريكوس قوله إنّه تمّ العثور على بقايا صاروخ قرب موقع التحطّم: “لا نعلم بعد إذا كان “أس أي – 5” أو “أس أي – 17″ لكنّه صاروخ سوريّ مضادّ للطائرات”.
من جهة ثانية، رأى البعض أنّ احتمال إصابة الأس 200 (“أس أي – 5”) للمقاتلة الإسرائيليّة هو الأقلّ في هذا المجال. وهذا ما عبّر عنه الكاتب جو بابالاردو في موقع “بوبولار ميكانيكس” الأميركيّ المتخصّص في مختلف مجالات التكنولوجيا. فقد أشار إلى أنّ المحاولات السوريّة السابقة لإسقاط المقاتلات الإسرائيليّة باءت بالفشل. لكن يوم السبت، لم يعد الإخفاق السابق للدفاعات السوريّة أمراً مهمّاً بالنسبة للإسرائيليّين لأنّ السماء كانت تعجّ بأسراب من الصواريخ المضادّة للطائرات. وأضاف أنّ هنالك أكثر من نوع واحد من الصواريخ التي أطلِقت من بينها أس أي – 5 (تسمية الناتو) أو “أس-200” الذي اشترته دمشق في الثمانينات. وكل صاروخ من النوع الأخير يحمل رأساً متفجّراً تقارب زنته 225 كيلوغراماً. لكن حتى النسخة المطوّرة من الأس-200 لا تحمل سجلّاً جيداً في تعقّب الأف-16 كما شرح بابالاردو. ثمّ ذكر أنّ صاروخ “أس أي – 17” (المعروف أيضاً باسم باك-أم2) هو نوع قادر على إسقاطها لأنّه محمّل برأس شديد الانفجار والانشطار. فشظايا الرأس المنشطر الذي انفجر بالقرب من المقاتلة هي التي أصابت الأف-16 بحسب التقرير نفسه. في هذه الحادثة نقطتان يمكن تسليط الضوء عليهما: أسلوب الردّ ونوع الصاروخ.
نمط جديد من الرد؟
بالنسبة إلى الحيثيّة الأولى، إنّ إطلاق أكثر من سرب صاروخيّ من صناعة روسيّة باتّجاه المقاتلات الإسرائيليّة سيكون بحدّ ذاته مدار نقاش بين المسؤولين الروس والإسرائيليّين حول قواعد الاشتباك المقبلة في الأجواء السوريّة. فالغارات التي كان يشنّها الطيران الحربي الإسرائيليّ في السنوات الماضية ضدّ أهداف سوريّة وإيرانيّة، تمّت بتوافق مسبق مع القيادة الروسيّة. وتظهر أحداث السبت التي تتكشّف تفاصيلها تباعاً، أكثر ممّا يرتبط بمجرّد إسقاط مقاتلة إسرائيليّة متطوّرة. فأسلوب المواجهة كان لافت الدلالة أكان في المرحلة الأولى التي أصيبت خلالها الأف – 16 أم في المرحلة الثانية التي عادت إسرائيل لكي تردّ على إسقاط المقاتلة. فقسم كبير من التقارير أشار إلى أنّ أسلوب الردّ الكثيف نفسه استُخدم ضدّ المقاتلات الإسرائيليّة بغضّ النظر عن أنّه لم ينجح في تحقيق أهدافه كما حصل في المرحلة الأولى. وهذا قد يؤشّر إلى وجود نمط جديد يمكن أن يُستخدم في المستقبل ردّاً على الخروقات الإسرائيليّة.
كسر للتوازن.. في أكثر من مستوى
بالنسبة إلى النقطة الثانية، أن يكون “أس أي – 17” هو الذي أسقط المقاتلة الإسرائيليّة يعني أنّ هنالك أكثر من محوّل لقواعد اللعبة داخل سوريا، وهذا يمكن أن تمّ استنتاجه حتى من الإعلام الإسرائيليّ نفسه. ضمن تقرير لها في نيسان 2016، تخوّفت صحيفة “تايمس أو إسرائيل” من أن يكون هذا النوع من الصواريخ قد وصل إلى حزب الله، كما نقلت عن أحد الصحافيّين في “بيلد” الألمانيّة. وذكرت أنّ الباحث البارز في “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” ناداف بولاك أشار ردّاً على أسئلتها إلى أنّ الإسرائيليّين أنفسهم يرون هذه الصواريخ “كاسرة للتوازن”. وترجّح الصحيفة أن تكون إسرائيل قد قصفت عدداً من القافلات التي كانت تحمل هذا النوع من السلاح إلى حزب الله.
صاروخ أس 200
هذا الخبر يعني أنّ الجبهة الشماليّة لإسرائيل، أكانت من لبنان أم من سوريا باتت على الأرجح تمتلك هذا النوع “الكاسر للتوازن” من الصواريخ. وإذا كانت تل أبيب تقلق في السابق من وصول هذه الصواريخ إلى حزب الله لأنّه فقط يملك النيّة لاستخدامها بعكس دمشق، فقد تبدّل الوضع الآن وبرهن النظام في سوريا هذا الأمر على دفعتين. أمّا الأهمّ، فكان تقليل بولاك من قدرة “أس أي – 17” على إصابة الطيران الإسرائيليّ لافتاً أكثر إلى خطورته على المروحيّات، وهذا ما تمّ نقضه. لذلك، لا يُستبعد أن يحاول رئيس الوزراء الإسرائيليّ الحصول على موعد جديد ليقابل الرئيس الروسيّ من أجل الطلب إليه ألّا يسمح بديمومة الآثار المترتّبة عن كسر التوازن الذي حصل منذ أيّام.