اللبنانيّون مُنشغلون بالانتخابات النيابيّة المُقرّرة في السادس من أيّار المقبل. إلّا أن البعض منهم المُهتم بسلامة لبنان خوفاً من اشتباكات الداخل ومن قيام إسرائيل باعتداء واسع النطاق كانت ملامحه بدأت تتبلور وموعده مُنشغل أيضاً بالوضع الإقليمي الخطير وانعكاساته السلبيّة على لبنان جرّاء تنافس المصالح داخل “محور المقاومة والممانعة” وبينه وبين حليفه الأوّل روسيا، كما جرّاء تناقض المصالح الحيويّة والاستراتيجيّة بين روسيا وأميركا وبين الأخيرة وإيران.
والتعبير عن التنافس والتناقض المذكورَيْن يمكن اختصاره بسلسلة أسئلة مُنبثقة من مواقف هؤلاء ومن المحادثات الجارية في استمرار بينهم مباشرة وبالواسطة من أجل كشف ما يُفرّقهم ويدفعهم إلى الاشتباك أو ما يجمعهم. وهذا ضروري لأنّه يسمح بإعطاء أجوبة بعضها يشفي الغليل وبعضها الآخر يدفع الناس إلى استعمال عقولهم لاستشراف المستقبل ولمحاولة تجنّب أخطاره.
ما هي هذه الأسئلة؟
– لماذا ردّ الرئيس السوري بشّار الأسد على تعرّض إسرائيل عسكريّاً لطائرة إيرانيّة من دون طيّار فوق الجولان المحتلّ؟ علماً أن الموقف الرسمي لسوريا كان ومنذ عهد والده الراحل الرئيس حافظ الأسد “الردّ في الوقت المناسب” وتجنّب القيام بردود أفعال غير محسوبة النتائج. ولم يكن في استطاعة أحد الشكّ في عدائه لإسرائيل لأنّه كان يعوّض ذلك بدعم كل من قاتلوها في لبنان وخارجه من فلسطينيّين ولبنانيّين، بالتدريب والسلاح من مخازن جيشه. وهذا ما فعله ابنه بشّار بعدما خلفه عام 2000 على رأس النظام الذي أسّسه.
– هل العلاقة بين أعضاء “محور المقاومة والممانعة” جيّدة أم أن الشكوك بدأت تساورهم حول الأهداف النهائية لكلّ منهم داخل سوريا في الإقليم؟
– ما نوعية العلاقة بين الرئيس بشّار الأسد وكل من إيران الإسلاميّة وابنها “حزب الله” اللبناني وروسيا بوتين؟ وهل تُسيطر عليها الشكوك والمخاوف أم لا تزال الثقة التامّة مُتبادلة بينهم ولا سيّما بعدما انتهت إلى حدٍّ كبير الحرب على “الإرهاب الإسلامي المُتطرّف جدّاً بانتصار واسع أنجزوه هم، وشاركهم في إنجازه “أعداؤهم” وفي مقدّمهم أميركا؟
– العلاقة بين روسيا وأميركا معروفة. إذ انتقلت من مرحلة محاولة تأسيس صداقة وتسهيل انخراط موسكو في علاقة تعاون مع الفريقين الأميركي والأوروبي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى مرحلة حرب باردة جديدة، وتناقض مصالح وتنافس بواسطة الآخرين في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقيّة والشرق الأقصى وآسيا الوسطى، أي في العالم كلّه. والدليل الأبرز هو ما يجري حاليّاً في سوريا وأيضاً في العراق وغيرهما. فهل الدولتان العُظْميان ذاهبتان إلى حرب عسكريّة بالوكالة؟ أم أن لهما مواقف مُشتركة مبدئيّاً من أفرقاء دوليّين أو إقليميّين يُشكّلون في نظرهما خطراً عليهما، ومن هؤلاء إيران الإسلاميّة.
– هل العداء بين الولايات المتحدة وإيران الذي خفّ من دون أن يزول بعد “الاتّفاق النووي” الذي وقّعته مع الأخيرة المجموعة الدوليّة 5 + 1، والذي عاد بعد وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الأولى، سيعود إلى حدّته السابقة أو سيفوقها؟
طبعاً هذه الأسئلة غيضٌ من فيض. والأجوبة عنهما ليست سهلة وقد لا تكون شاملة ووافية لاعتبارات كثيرة معروفة. لكنّها تبقى مُفيدة لأنّها في معظمها تستند إلى مُعطيات ومعلومات وتحليلات لأطراف ومُتابعين ومُحلّلين وباحثين ينتمون إلى غالبيّة الأطراف المذكورين أعلاه. لكنّها لن تكون بتسلسل الأسئلة المطروحة، كما أن بعض التداخل قد يشوبها لأن الأطراف المعنيّين مُتداخلون أساساً أعداء كانوا أو حلفاء.
أوّل الأجوبة أن الرئيس بشّار الأسد كان يشعر بشيء من الحرج دائماً وبصعوبة موقفه عندما كان يمتنع عن الردّ على قصف إسرائيل المُتكرّر لقوّاته داخل بلاده، أو لقوّات “حزب الله” ومخازن صواريخه وسلاحه، أو للخبراء العسكريّين الإيرانيّين ومقرّاتهم وربّما قواعدهم. لكنّه يعرف أنّ الردّ لم يكن في مقدوره لأسباب عدّة. منها انشغاله بالحرب التي يشنّها داخل كل بلاده الذين ثاروا عليه عام 2011 ولا سيّما بعدما صادرت ثورتهم وسيطرت عليهم تنظيمات إرهابيّة مُتطرّفة رفعت شعارات إسلاميّة لا تُعبّر فعلاً عن الإسلام. ومنها أيضاً أن الحرب المذكورة صعبة جدّاً لأنها لم تقتصر على الارهابيّين، إذ شاركت فيها في رأيه دول عربيّة وأخرى إقليميّة والولايات المتحدة. ولم تكن لديه مصلحة في الردّ على ضربات إسرائيل وتحرّشاتها، إذ يُصبح محارباً على جبهتَيْن صعبتَيْن ومعقّدتَيْن. ومن شأن ذلك فتح الباب أمام عودة “داعش” و”النصرة” وغيرهما. فهو الآن يريد أن يستعيد الغوطة الشرقية إحدى ضواحي العاصمة دمشق وليس مُستعدّاً للمغامرة. ومنها أيضاً أنّه ردّ مرّات قليلة لكن صواريخه القديمة لم تُحقِّق أهدافه. وتأكّدت إسرائيل من ذلك عندما وجدت صاروخاً ساقطاً في حيفا. ولم يقتصر الحرج على الأسد، بل شعر به “حزب الله” أيضاً.
لماذا ردّ الأسد أخيراً وبفاعليّة؟